تركيز جديد على محركات البحث المعتمدة على الذكاء الاصطناعي

في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها قطاع التكنولوجيا، بدأت أبل بإعادة النظر في إستراتيجياتها المرتبطة بمحركات البحث داخل أجهزتها، خصوصا في متصفح "سفاري"، وذلك بالتزامن مع صعود أدوات الذكاء الاصطناعي وتزايد اعتماد المستخدمين عليها، ما يهدد هيمنة غوغل كمحرك البحث الافتراضي على أجهزة أبل، وهو توجه جديد قد يمهد لعصر جديد من التنافس التقني.
واشنطن - أعلنت شركة أبل أنها تدرس بجدية إعادة تصميم متصفح “سفاري” على أجهزتها، بحيث يركّز على محركات البحث المدعومة بالذكاء الاصطناعي، في خطوة قد تُحدث تحوّلا جذريا في صناعة التكنولوجيا، ويُعتقد أنها تأتي نتيجة احتمال انتهاء شراكتها الممتدة مع غوغل، بحسب تقرير لبلومبيرغ.
وصرّح إدي كيو، النائب الأول لرئيس أبل للخدمات، بهذه الخطوة خلال شهادته يوم الأربعاء الماضي في الدعوى القضائية التي رفعتها وزارة العدل الأميركية ضد شركة “ألفابت”، المالكة لمحرك غوغل.
وتتناول القضية صفقة تقدر قيمتها بـ20 مليار دولار سنويا، تتيح لغوغل أن تكون محرك البحث الافتراضي على “سفاري”. وفي حال أُجبر الطرفان على إنهاء الاتفاق، فقد يؤدي ذلك إلى تغييرات جذرية في تجربة مستخدمي أيفون ومنتجات أبل الأخرى.
لكن القضية تتجاوز هذا الاتفاق. إذ بدأت محركات البحث المعتمدة على الذكاء الاصطناعي بجذب اهتمام متزايد من المستخدمين. وأوضح كيو أن عدد عمليات البحث على “سفاري” تراجع للمرة الأولى الشهر الماضي، مرجعا السبب إلى اعتماد المستخدمين على أدوات الذكاء الاصطناعي.
وأشار كيو إلى أن محركات البحث المدعومة بالذكاء الاصطناعي مثل “أوبن إيه آي”، و”بيربليكسيتي”، و”أنثروبيك” قد تحلّ محل محركات تقليدية مثل غوغل، مضيفا أن أبل تخطط لإدراج هذه الخيارات مستقبلا ضمن متصفح “سفاري”، مشيرا إلى أن هذه المحركات لا تزال في حاجة إلى تحسين.
محركات الذكاء الاصطناعي لها ميزات تفوق كثيرا ما توفره المحركات التقليدية، وقد تدفع المستخدمين إلى التحول نحو استخدامها
وقال كيو “قبل الذكاء الاصطناعي لم يكن هناك بديل حقيقي لغوغل، لكن دخول لاعبين جدد بمقاربات مختلفة قلب المعادلة”.
ويمثّل هذا التغيير خطوة مفصلية لهاتف أيفون، ولشركة تمتلك أكثر من ملياري جهاز نشط حول العالم. فمنذ 2007، اعتاد المستخدمون على استخدام غوغل للبحث، أما الآن، فالعالم يقترب من مرحلة جديدة تهيمن عليها أدوات الذكاء الاصطناعي المتعددة.
واعتبر مستثمرون أن شهادة كيو تمثل إشارة إنذار لكل من أبل وألفابت، لاحتمال التخلي عن صفقة تُعد من الأكثر ربحية في الصناعة.
وحاليا، تتيح أبل استخدام “شات جي بي تي” من “أوبن إيه آي” عبر المساعد “سيري”، ومن المتوقع أن تضيف محرك “جيميني” من غوغل لاحقا هذا العام، كما تدرس الشركة خيارات أخرى مثل “أنثروبيك”، و”بيربليكسيتي”، ومحرك “ديب سيك” الصيني، و”غروك” من شركة “إكس إيه آي” التابعة لإيلون ماسك.
وأوضح كيو أن اتفاق أبل مع “أوبن إيه آي” يسمح بدمج المزيد من مزودي خدمات الذكاء الاصطناعي في أنظمة أبل، بما في ذلك أدوات طورتها الشركة داخليا.
وأضاف أنه قبل اختيار “شات جي بي تي” ضمن منصة “أبل إنتليجينس” في”iOS 18″، أجرت الشركة مقارنة مع غوغل، لكنها رفضت شروطا طرحتها الأخيرة، ولم تكن موجودة في اتفاقها مع “أوبن إيه آي”.
وأشار كيو إلى أن وتيرة التطور التكنولوجي قد تجعل أجهزة أيفون غير ضرورية بعد عشر سنوات، قائلا “قد يبدو ذلك غريبا، لكن التحولات التكنولوجية هي السبيل الحقيقي للمنافسة، والذكاء الاصطناعي أحد أبرز هذه التحولات”.
ورغم أن محركات الذكاء الاصطناعي ما زالت في حاجة إلى تحسين جودة فهارس البحث، يرى كيو أن ميزاتها الأخرى تفوق كثيرا ما توفره المحركات التقليدية، وقد تدفع المستخدمين إلى التحول نحو استخدامها.
وقال “يوجد تمويل كافٍ، وعدد كافٍ من الشركات الكبرى، بحيث لا أرى ما يمكن أن يمنع هذا التحول”.

وتوقّع كيو استمرار تحسن نماذج اللغة الكبيرة، وهي الأساس للذكاء الاصطناعي التوليدي، مما سيمنح المستخدمين المزيد من الأسباب لتغيير سلوكهم في البحث.
ورغم ذلك، لا يزال كيو يفضل بقاء غوغل كمحرك البحث الافتراضي في “سفاري”، محذرا من تأثيرات فقدان الإيرادات التي توفّرها هذه الشراكة، التي تُعد من الأكثر ربحا لأبل.
ويشرف كيو على خدمات مثل “آي كلاود”، و”تي في بلس”، و”أبل ميوزيك”، ويُعرف بدوره الحاسم في عقد الصفقات. وأيّ خسارة في عائدات البحث قد تؤثر سلبا على نتائج قسمه، علما بأن قطاع الخدمات حقق رقما قياسيا في مارس بلغ 26.6 مليار دولار.
وقد يتعرض هذا القطاع للمزيد من الضغوط المالية بعد أن أمر قاضٍ أبل بالسماح للمطورين الأميركيين باستخدام وسائل دفع بديلة خارج متجر التطبيقات، ما يهدد بخسارة عمولات تصل إلى 30 في المئة من كل عملية شراء.
وفي العام الماضي، وسّعت أبل شراكتها مع غوغل لتشمل دمج ميزة “غوغل لينس” في خاصية “الذكاء البصري” على أجهزة أيفون الحديثة، ما يتيح للمستخدمين التقاط الصور وتحليلها بالذكاء الاصطناعي من غوغل.
وأشار كيو أيضا إلى أن الاتفاق مع محرك “بينغ” من مايكروسوفت، وهو أحد الخيارات المتاحة في “سفاري”، يُجدد سنويا حاليا.
تجدر الإشارة إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي في أبل متأخرة نسبيا عن المنافسين، إذ لا تمتلك الشركة محرك بحث خاصا بها، وسبق أن أجّلت تحديثات رئيسية لمساعدها “سيري” كان من المفترض أن تعتمد على بيانات المستخدم الشخصية لتحسين دقة الردود.
ومن المنتظر أن تكشف أبل عن تحديثات جديدة لمنصة “أبل إنتليجينس” خلال مؤتمرها السنوي للمطورين المقرر في 9 يونيو المقبل.