ترامب يوقظ تبون.. من شروده الطويل

اختيار المغرب للحكم الذاتي مقترحا لحل النزاع حول الصحراء المغربية أنضج قرارا دوليا ينتصر للحق المغربي وللسلم في المنطقة.. وليس أمام الجزائر إلا الامتثال.
الجمعة 2025/04/11
الولايات المتحدة تنحاز للحقيقة التاريخية المغربية

البلاغ الصادر عن الخارجية الأميركية، الثلاثاء 8 أبريل الجاري، بعد اللقاء في واشنطن، بين الوزير الأميركي للخارجية مارك روبيو والوزير المغربي في الخارجية ناصر بوريطة، سيكون له تاريخ في تطوُّرات النِّزاع حول الصحراء المغربية.. بلاغ اقتحم ملف النزاع بقوة مُفاعل سياسي بإشعاع دولي.

ليس جديدُ ذلك البلاغ أن تؤكد الإدارة الأميركية اقتناعها بمغربية الصحراء. تلك القناعة عبّر عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قبل أكثر من أربع سنوات، في رسالة رسمية إلى الملك محمد السادس مُخاطبا فيه المملكة المغربية. وهي القناعة التي واصلت رئاسة جو بايدن العمل بها، وأخرجتها من سياق الصراع والمُشاحنات بين فرقاء السياسة الأميركية، الديمقراطيين والجمهوريين. ما يعني أن مَغربية الصحراء تمّ تَحفيظها في ثوابت سياسة الدّوْلة الأميركية.

اعتبار مُقترح الحكم الذاتي الّذي أطلقه المغرب، في مبادرة سياسية حكيمة، مدخلاً صائبا لبلورة حلّ سياسي، سلمي، واقعي ومتوافق عليه لنزاع طال نصفَ قرن، فذلك أيضا، ليس جديدا في السياسة الأميركية التي سنّتها لمقاربة نزاع مَشحون، باحتمالات اشتعال توتّراته في منطقة حسّاسة من خارطة النزاعات الدولية. نزاع في، ويُجاور أو على تماس مع، مواقع جغرافية مُلتهبة وهي بُؤَرٌ إستراتيجية، متداخلة تجمع بين حوض البحر الأبيض المتوسط، شمال أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء الأفريقية.

الجزائر اليوم في عزلة جغرافية تَضيق وعزلة سياسية تتسع، وذلك ما أفقدها الجاذبية والجدْوى في حسابات القوى الفاعلة في المجتمع الدولي

دونالد ترامب، أعلن عن انْحيازه للحقيقة التاريخية المغربية، مُنطلَق المنازعة، التي أكلَت نصف قرن من المناورات الجزائرية، وممّا يشبه حرْبًا شاملة غير مُعلنة ضد المغرب.

عاد ترامب إلى البيْت الأبيض، تملَؤه نشوَة النصر ويُحفِّزُهُ طموحُ العودة بأميركا إلى موقع الرِّيادة الأولى في العالم.. عاد وفي حقائبه خرائط جديدة للعالم، وفيها طموحٌ لإعادة تشكيل توازنات القوَى الدولية، كما فيها مئات القرارات للدَّاخل الأميركي ولصلة أميركا مع العالم.

بلاغ الإدارة الأميركية، بعد لقاء الوزيرَيْن الأميركي والمغربي، صدَر عن حزمة الانشغال الأميركي بمحاولة نسْج مُقوِّماتٍ جديدةٍ للوضع العالمي. لذلك أكد على ثوابت السياسة الأميركية، المُقتنعة بشرعية الحق الوطني المغربي. وهو تأكيدٌ هام يسجل إنجازا نوعيا ومؤثرًا للدبلوماسية المغربية. وأضاف، ما يمكن اعتباره الاستعدادَ الأميركي للتحرك العمَلي في اتِّجاه الدَّفع بِحلِّ نزاع الصحراء، وذلك هو جديد السياسة الأميركية. حين تقول “إن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحلُّ الوحيد الممكن،” وتجدِّد دعوة الأطراف المعنية إلى “الانخراط في مُناقشات دون تأخير، باستخدام المقترح المغربي الإطار الوحيد للتوصل إلى حل متوافق عليه.” فالحكم الذاتي المقترح الوحيد لإيجاد حل، والدعوة إلى مفاوضات بين الأطراف دون تأخير، هي المستجدات ذات الدّلالة الهامة والتي تؤشر على أن ديناميكية الحل ستغذيها طاقة عملية نوعية مختلفة تخرجها من بُطء حركيتها الدبلوماسية في أروقة الأمم المتحدة. لقد اكتسب مسار الحلِّ، وفي مجلس الأمن أساسا، نُضجا كبيرا، دون اعتراض بالفيتو، ولكنه تقدُّم بطيء.. والبُطء ناتج عن أن النزاع في أصله وفي حالته لم يشتعل بالقدر الذي يُثير اهتمام المجتمع الدولي، أو قلقه أو يهدد توازنات القوى داخله.

جديد وضع النزاع ليس فيه فقط أنه أصبح من مشمولات التحوُّلات الدولية التي انخرطت فيها الإدارة الأميركية الجديدة.. فيه أيضا أن القيادة الجزائرية بلغت بها حُمّى هاجس الريادة في المنطقة، الموروث من ظروف ستينات القرن الماضي، أنها فضلا على عدائها المزمن للمغرب، وسَّعت عدوانيتها على جيرانها، بأن استفزّت مالي، ومعها تحالف دول الساحل والصحراء، وصعَّدت الاستفزاز بغلق المجال الجوي معها وسحب سفيرها من مالي ومن النيجر. ومن تداعيات هذه المُشاحنات، أن الجزائر تضع نفسها في موقع مُنتج للأزمات، وحتى مع حليفها الروسي الذي يُعزِّز نفوذه في المنطقة، خاصة في مالي وفي شرق ليبيا، وستجد نفسها معه في مواجهة تنمّي التباعد في المصلحة السياسية بينهما.

فضلا على عدائها المزمن للمغرب، وسَّعت الجزائر عدوانيتها على جيرانها، بأن استفزّت مالي، ومعها تحالف دول الساحل والصحراء، وصعَّدت الاستفزاز بغلق المجال الجوي معها وسحب سفيرها من مالي ومن النيجر

الجزائر اليوم في عزلة جغرافية تَضيق وعزلة سياسية تتسع، بحالات التوتُّر التي رعتها مع المغرب أولا، وبسبب المغرب مع دول أفريقية وعربية ومع إسبانيا ومع فرنسا. وذلك ما أفقدها الجاذبية والجدْوى في حسابات القوى الفاعلة في المجتمع الدولي.

رغم الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء، نهجت القيادة الجزائرية سياسة تهدئة مع الإدارة الأميركية.. لم تستنكر ذلك ولم تسحب سفيرَها ولم تتوّعدها. حاولت مجاملة الرئيس بايدن وعرَضت نفسها عليه لجعلها مركز اهتمامه في شمال أفريقيا، وأحالت الاعتراف الأميركي على “مجرد حماقة” من الرئيس ترامب. وعَودة ترامب إلى الرئاسة الأميركية أربكت القيادة الجزائرية. سفيرُها في واشنطن، صبري أبوقادوم، افْتعل حورا صحفيا في بداية الشهر الماضي، عرض فيه أن يكون للتعاون الجزائري – الأميركي “حدود السماء”.. فتح الجزائر لما تطلبُه الإدارة الأميركية من معادن، أراض، شراكات اقتصادية وخدمات أمنية. مع الأمل بأن ذلك العرض سيُفرمِل التفضيل الأميركي للمغرب على الجزائر.

وزارة الخارجية الأميركية، مساء الثلاثاء، “أجابت” القيادة الجزائرية بأنها تفضل المغرب. وستعمل على وقف المنازعة الجزائرية في حقه الوطني والمشاغبة ضدّه، وذلك “دون تأخير” وعلى أساس أن “المُقترح المغربي للحكم الذاتي هو الأساس الوحيد لمفاوضات الحل النهائي.” المحاولة الجزائرية لرشوة ترامب بفتح الجزائر له، فشلت، تم إبطالها ببلاغ رسمي وليس بمقال صحفي.

الخارجية الجزائرية ردّت على التصميم الأميركي بـ”أدب دبلوماسي”، أخذت علما بتأكيد كتابة الدولة لموقف الولايات المتحدة الذي يَعتبر الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية كحلٍّ أوْحد لنزاع الصحراء المغربية. وهي تتأسّف لتأكيد هذا الموْقف. هي أخذت علما ولا تملك أن تعترض، فقط “تتأسّف”. والباقي إنشاء دبلوماسي مفصول عن واقع القضية، ولا يُقنع أحدًا اليوم، من المُتّصلين الفعليين بالنزاع.

كما قلت في مقال سابق اختيار المغرب للحكم الذاتي مقترحا لحل النزاع حول الصحراء المغربية، أنضج قرارا دوليا ينتصر للحق المغربي وللسلم في المنطقة.. وليس أمام الجزائر إلا الامتثال.

8