تراجع الفرانكوفونية جزء من انهيار نفوذ فرنسا في الساحل

يؤكد انسحاب النيجر من المنظمة الدولية للفرانكوفونية أن النفوذ الفرنسي في مستعمراته السابقة لم يعد في تراجع فحسب، بل دخل مرحلة الانهيار المتسارع. ولم يعد الأمر مجرد احتجاجات سياسية أو مطالب بإعادة التفاوض على الاتفاقيات، بل أصبح خيارًا إستراتيجيا لدول أفريقية تسعى للتحرر الكامل من الهيمنة الفرنسية، سواء على المستوى اللغوي أو الاقتصادي أو العسكري.
وأعلنت النيجر الانسحاب من المنظمة الدولية للفرانكوفونية عشية الذكرى الخامسة والخمسين على تأسيسها على أرضها. وقالت الحكومة في مراسلة تم توزيعها على السفراء المعتمدين لديها الاثنين “يشرفني إبلاغكم أنه بموجب مذكرة شفوية مؤرخة في 7 مارس 2025، قررت الحكومة النيجرية بشكل سيادي انسحاب النيجر من المنظمة الدولية للفرنكوفونية.”
وأكدت تقارير محلية، أن نيامي أبلغت شريكتيها في اتحاد دول الساحل مالي وبوركينا فاسو بالقرار، وأن هناك قرارات منتظرة على صعيد الاتحاد، ما يعني أن القرار في طريقه إلى الاتساع ليشمل الدول الثلاث التي تقود تمردا سياديا على فرنسا. وفي ديسمبر 2023 قررت السلطات الانتقالية في النيجر تعليق كافة أشكال التعاون مع المنظمة الدولية للفرنكوفونية، في ردّ على قرار المجلس الدائم للمنظمة القاضي بتعليق عضوية النيجر في المنظمة.
ويعد انسحاب النيجر من منظمة الفرنكوفونية، ضربة موجهة للمنظمة التي تم الإعلان رسميا عن تأسيسها في نيامي في 20 مارس 1970 من خلال وضع لبنتها الأولى وهي وكالة التعاون الثقافي والفني من أجل التعاون بين الحكومات على أساس تبادل لغة مشتركة انطلاقا من فكرة الآباء المؤسسين للفرانكوفونية المؤسسية، وهم النيجري هاماني ديوري، والسنغالي ليوبولد سيدار سنغور، والتونسي الحبيب بورقيبة والأمير نورودوم سيهانوك من كمبوديا.
ويتمثل هدف المنظمة في ترويج اللغة الفرنسية وتعزيز التعاون بين الدول والحكومات الأعضاء البالغ عددها 88 دولةً وحكومةً. وقد صيغ هذا الهدف رسمياً في ميثاق الفرانكوفونية الذي اعتمده مؤتمر قمة هانوي عام 1997 ونقحه المؤتمر الوزاري عام 2005 في أنتاناناريفو.
◙ دوافع انسحاب النيجر من منظمة الفرانكوفونية الاعتقاد الذي بات راسخا بأن المنظمة فشلت في أن تكون الوجه الناعم لفرنسا
وتمثل الفرانكوفونية في الوقت الراهن إطارًا للتعاون بشأن القضايا العالمية مثل المجال الرقمي والمساواة بين الجنسين والقضايا الاقتصادية. ويكمّل عمل العديد من الوكالات التنفيذية والجهات الفاعلة عمل المنظمة الدولية للفرنكوفونية.
ويعتبر قرار النيجر صفعة جديدة لحركة الفرانكوفونية العالمية التي بدأت في التراجع والانحسار أمام تقدم اللغات الأخرى مثل الانجليزية والصينية والإسبانية، وصولا إلى اللغة العربية التي تشهد حاليا انتعاشة مهمة في منطقة دول الساحل والصحراء وتجد اهتماما واسعا من الناطقين وغير الناطقين بها.
ويرى مراقبون أن من دوافع انسحاب النيجر من منظمة الفرانكوفونية الاعتقاد الذي بات راسخا بأن المنظمة فشلت في أن تكون الوجه الناعم لفرنسا. وجاء موقف النيجر من الفرانكوفونية في سياق تحول بارز في سياسات الدولة وهويتها الثقافية والحضارية والجيوسياسية.
وأكد رئيس النيجر الجنرال عبدالرحمن تشياني خلال حفل تسليم الوثيقة الرسمية لمخرجات “الجلسات الوطنية لإعادة التأسيس”، والتي تهدف إلى وضع أسس جديدة لحكم البلاد أن “مصلحة البلاد يجب أن تعلو فوق أي انقسامات أو ولاءات فردية أو فئوية،” مشددا على أن “بقاء النيجر هو الأساس الذي يضمن استمرارية المصالح الخاصة،” وداعيا إلى تجاوز الخلافات والعمل من أجل وحدة الوطن في هذه المرحلة الحرجة.
وأشار تشياني إلى ما وصفه بـ”الإرهاب المستورد”، معتبرا أنه من الضروري وضع حد لهذه الظاهرة التي تهدد استقرار المنطقة، والعمل على تحويل منطقة الساحل إلى فضاء للأمن والتنمية بدلا من أن تكون بؤرة للعنف والمعاناة الإنسانية.
كما شدد على أن أي دولة لا يمكن أن تحقق التنمية والتقدم في ظل الانقسامات والصراعات الداخلية، مؤكدا أن “النيجر لن تزدهر إلا بوحدة أبنائها وتكاتفهم،” داعيا جميع النيجريين إلى نبذ الخلافات والعمل بروح وطنية تتجاوز المصالح الشخصية.
كما وجّه تشياني رسالة تصالحية إلى الشعب النيجري، قائلا “أدعو الجميع إلى التسامح والنسيان، قد يكون ذلك صعبا، لكن لا شيء يستحق التقدير إن كان سهلا،” وأكد أن تجاوز الماضي والعمل المشترك هما السبيل الوحيد لضمان مستقبل مستقر ومزدهر للنيجر.
وكان تشياني أشرف في العاشر من مارس الجاري على مراسم تسليم الوثيقة الرسمية لـلملتقيات الوطنية لإعادة التأسيس، والتي تعد ثمرة مشاورات وطنية شاملة، حيث تحدد التوجهات الإستراتيجية والتوصيات العملية لإعادة بناء الدولة على أسس أكثر صلابة، بما يتماشى مع تطلعات الشعب النيجري.