تخمين وتقدير

الثلاثاء 2017/07/04

التخمين علم له أصول تدرس وهي دراسة متصلة بالإحصاء وتقدير معدلات الأشياء والرقم الوسيط. وهناك معادلات وتفاضل وتكامل للبت في التقدير. أما التخمين العادي وهو الحدس فيعتمد على الحصافة أكثر من الدراسة. الصحافيون مثلا يكتبون في تقاريرهم من موقع الحادث: أن الانفجار وقع في مقهى مزدحم يبعد ثلاثمئة متر عن محطة الحافلات المركزية.

واضح أن الصحافي المصدوم بالانفجار لم يحضر شريط قياس لقياس المسافة ولم يقسها حتى بالخطوات وإنما خمن المسافة بالاعتماد على حصافته وذاكرته وتخيله للمتر والمئة متر من تجارب سابقة.

القياس في الفقه الإسلامي هو ضرب من التخمين العلمي. الرقم التالي في المتوالية العددية أو الهندسية -إن كنتم تذكرون المتواليات- تخمين علمي مدروس تضبطه قواعد ومعادلات صارمة لا تهريج فيها. وهناك وظائف لدى شركات التأمين صفتها مشتقة من الفعل “خمن”. لا، ليس القصد خامنئي أو خميني بل يسمونه مخمّن.

لكننا كلنا مخمنون بالحدس أو بالمعرفة، والحياة لا تمضي دون تخمين. هناك دائما من يريد أن يعمي بصيرة التخمين لديك ليبهرك بسعر منخفض أو مرتفع، حسب الظرف. هناك من اشترى جاكتة، مثلا، بسعر زهيد بناء على شطارته في المفاصلة مع البائع. يطلب منك أن تخمن السعر ويعطيك معلومات لحملك على توقع سعر مرتفع، لكي تندهش أكثر من السعر الزهيد الذي دفعه.

تستطيع دائما أن تحدس إذا كان السعر زهيدا جدا لأن مشتري الجاكتة سيطنب في مديح قماشها وتفصيلها وخياطتها على أساس أنه سيحملك على توقع المئات من الدولارات فيفاجئك بالقول إنه اشتراها بعشرة. حين يقول “قماش صوف أسكتلندي خالص والبطانة متقنة الصنع من الساتان وانظر إلى الأزرار”… إلخ.

ثم يكمل بسؤال “كم تتوقع دفعت فيها؟” يجب أن يغلب عليك اللؤم وتقول “خمسة” لكي تؤدب السائل. قل خمسة وانظر إليه يجن جنونه ويصرخ “أقول لك صوف أسكتلندي وبطانة ساتان وأزرار، تقول بخمسة”. وينبغي أيضا أن تعجل بمغادرته لأنه قد يضربك فعلا.

الذي دفع سعرا باهظا سيفعل العكس وسيحط من قدر البضاعة ويسألك أن تخمن السعر. نفس الجاكتة لو كانت باهظة ودفع فيها ثلاثمئة دولار، سيصفها صاحبها قائلا “جاكتة ليست سوى خرقة قماش، والبطانة تقليد للساتان وأزرار بلاستيك. كم تتوقع؟” هنا ينبغي أن تقول “ثمانمئة دولار” وتتركه يجن على راحته.

لكن الذين يعجبونني هم البشر غير القادرين على التخمين بالمرة. هؤلاء ناس اعتبرهم مناطق خالية من الحصافة والذكاء والخبرة. أذكر أني قابلت مزارعا قال لي إن فلانا عنده بستان به سبعون ألف نخلة فقلت هذا كثير فعدل تخمينه “إذن سبعون”.

24