تخليص إسرائيل من الانتقام و"حماس" من الأوهام

لم يعد من خيار إسرائيلي غير خيار الحرب فيما لا خيار آخر أمام الولايات المتحدة غير دعم إسرائيل في هذه الحرب بغض النظر عن موقف المقيم في البيت الأبيض من نتنياهو.
الأربعاء 2024/03/13
حرب غزّة سمحت لإيران بكشف كلّ أوراقها

ثمة ملاحظات تستأهل التوقف عندها لدى الكلام عن وقف القتال في غزّة مع ما يعنيه ذلك من وقف للوحشية الإسرائيلية التي تسبّب بها هجوم “طوفان الأقصى” وبرّرها بالنسبة إلى الرأي العام العالمي. مؤسف أن الرأي العام العالمي يجلس متفرّجا على حرب الإبادة التي تشهدها غزّة التي ولدت منها حروب أخرى ستكون لها انعكاساتها على المنطقة كلّها، خصوصا أنّه قد يتبين يوما مدى العلاقة بين إيران من جهة والقرار القاضي بشنّ هجوم “طوفان الأقصى” والإعداد له من جهة أخرى.

في مقدم الملاحظات التي من المفيد التوقف عندها ميزان القوى القائم عسكريا وسياسيّا. هل يسمح ميزان القوى لحركة “حماس” بفرض شروطها على إسرائيل، بما في ذلك الانسحاب عسكريّا من القطاع انسحابا كاملا تمهيدا لعودة “الإمارة الإسلاميّة” التي أنشأتها الحركة منذ استيلائها على القطاع منتصف العام 2007؟

أمّا الملاحظة الثانية، فهي مرتبطة بالوضع في داخل إسرائيل حيث بات استمرار حرب غزّة ضرورة لبنيامين نتنياهو الذي ربط مستقبله السياسي باستمرارها بغض النظر عن الطابع اللاإنساني الذي يعيش في ظلّه نحو مليونين ونصف مليون فلسطيني. هؤلاء يدفعون ثمن شنّ “حماس” لهجوم ارتدى طابعا دمويا من دون أن يكون هناك أيّ أفق سياسي لهذا الهجوم.

◙ حلول شهر رمضان يحمل تساؤلات كثيرة في مقدمها هل تمتد حرب غزّة إلى الضفّة الغربية، وهو ما تحاول "حماس" تحقيقه، فيما قد ترحب إسرائيل بمثل هذا التطور بغية تحقيق حلمها المستحيل

توجد ملاحظة ثالثة غير أخيرة في غاية الأهمّية. في أساس هذه الملاحظة التغيير الذي حصل داخل إسرائيل نفسها في ضوء هجوم “طوفان الأقصى” الذي شنّته “حماس” والذي استهدف مستوطنات واقعة في غلاف غزّة وأدى إلى مقتل الكثيرين وأسر عدد لا بأس به من المدنيين والعسكريين. غيّر “طوفان الأقصى” إسرائيل كلّيا. صحيح أن في إسرائيل أكثريّة تعارض بقاء نتنياهو في موقع رئيس الوزراء، لكنّ الصحيح أيضا أنّ هناك أكثريّة إسرائيليّة تؤيّد استمرار الحرب إلى حين القضاء على “حماس”.

الأهمّ من ذلك كلّه أنّ لا مجال للتوفيق بين ما تطالب به “حماس” التي يهمّها عدم فقدان غزّة وبين ما يطالب به الإسرائيليون الذين باتوا مستعدين لحرب طويلة يعرفون أنّها مسألة حياة أو موت بالنسبة إليهم. يظلّ أخطر ما في الأمر أن مسألة الرهائن المحتجزين لدى “حماس” باتت مسألة ثانوية في إسرائيل، على خلاف ما كان عليه ذلك الأمر في الماضي القريب، أي قبل “طوفان الأقصى” يوم السابع من تشرين الأوّل – أكتوبر 2023.

ما لا بدّ من الاعتراف به أنّ “حماس” غيّرت إسرائيل كما غيّرت المنطقة، خصوصا أنّ حرب غزّة سمحت لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران بكشف كلّ أوراقها أكان ذلك في العراق أو سوريا أو لبنان أو اليمن. صار جزء من اليمن قاعدة عسكريّة إيرانية تهدّد كلّ دولة عربيّة من دول الخليج… كما تهدّد حركة الملاحة في البحر الأحمر وبالتالي حركة المرور في قناة السويس.

في ظلّ هذه المعادلة المعقدة التي ولدت من رحم حرب غزّة، ليس هناك ما يشير إلى أن وقف إطلاق النار سيتحقّق قريبا. يبدو وقف إطلاق النار أقرب إلى المستحيل أكثر من أيّ شيء، خصوصا أنّ القوّة الوحيدة القادرة على وقف إطلاق النار هي الولايات المتحدة. من الواضح أنّ “بيبي” غير مستعد للاستجابة لأيّ طلب يصدر عن الرئيس جو بايدن، بما في ذلك طلب التخفيف من التصعيد. لدى “بيبي” حسابات تتجاوز بايدن، خصوصا أنّ رهانه بات واضحا على أنّ الرئيس المقبل هو دونالد ترامب، فيما أيّام بايدن في البيت الأبيض صارت معدودة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسيّة في الأسبوع الأوّل من تشرين الثاني – نوفمبر المقبل… أي أن المسألة مسألة بضعة أشهر تبقى فيها مأساة غزّة تحت نار خفيفة أو قويّة فيما أهل القطاع في العراء يبحثون عن رغيف الخبز.

◙ لا مجال للتوفيق بين ما تطالب به "حماس" التي يهمّها عدم فقدان غزّة وبين ما يطالب به الإسرائيليون الذين باتوا مستعدين لحرب طويلة يعرفون أنّها مسألة حياة أو موت بالنسبة إليهم

تبقى ملاحظة أساسيّة لا يمكن تجاهلها. لا خلاف أميركيّا – إسرائيليا على استمرار الحرب. يوجد اتفاق بين الجانبين على الانتهاء من “حماس” التي فاجأت إسرائيل في السابع من تشرين الأوّل – أكتوبر الماضي. كانت “حماس” مفيدة لليمين الإسرائيلي. تحولت بين ليلة وضحاها إلى كابوس إسرائيلي. لم يعد من خيار إسرائيلي غير خيار الحرب، فيما لا خيار آخر أمام الولايات المتحدة غير دعم إسرائيل في هذه الحرب بغض النظر عن موقف المقيم في البيت الأبيض من بنيامين نتنياهو.

يحمل حلول شهر رمضان تساؤلات كثيرة في مقدمها هل تمتد حرب غزّة إلى الضفّة الغربية، وهو ما تحاول “حماس” تحقيقه، فيما قد ترحب إسرائيل بمثل هذا التطور بغية تحقيق حلمها المستحيل. يتمثل هذا الحلم بتصفية القضيّة الفلسطينية غير مدركة أن القضيّة الفلسطينية غير قابلة للتصفية من منطلق أن الشعب الفلسطيني موجود على أرضه. لا يزال موجودا قبل ولادة إسرائيل وبعد ولادتها قبل 76 عاما!

يظلّ التساؤل الأكبر، في ضوء كلّ المعطيات التي تؤكّد أن لا وقف لإطلاق النار في غزّة، كيف ستستمر هذه الحرب على الرغم من بارقة الأمل التي ظهرت من خلال سعي الإدارة الأميركيّة إلى إقامة رصيف عائم لنقل المساعدات إلى الغزيين انطلاقا من قبرص. أي شكل سيتخذه استمرار الحرب في غياب أيّ مشروع سياسي قابل للحياة، لا في إسرائيل ولا لدى “حماس” أو السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة التي يتبيّن في كلّ يوم يمرّ مدى حال الاهتراء التي تعاني منها على كل صعيد.

لا شكّ أن الجسر البحري بين قبرص وغزّة يحمل نسمة تفاؤل، خصوصا أنّه يكشف وجود مجموعة عربيّة، على رأسها دولة الإمارات، تفكّر في كيفية التخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني في غزّة في ظروف في غاية التعقيد… لكن الحاجة تبقى في النهاية إلى العودة إلى السياسة بدءا بإنقاذ إسرائيل من هاجس الانتقام من الشعب الفلسطيني وتخليص “حماس” من أوهام العودة إلى حكم غزّة يوما.

 

اقرأ أيضا:

      • هل خسرت إسرائيل حربها في غزة

      • الفلسطينيون موزعون بين ثقافتين.. الحرب والسلم

8