تحقيق التوازن بين رخاء الإنسان وكوكب الأرض

كيف يرى رواد صناعة السياحة والشركات الكبرى ملامح مستقبل السفر بعد الانتكاسة التي سببتها جائحة كورونا.
الأحد 2021/03/14
أكواخ فخمة

كشفت جائحة كورونا أهمية السياحة المستدامة، ففي اكتشاف نمط الحياة البسيط تكمن الفخامة والمتعة، لذلك دعا معرض برلين الدولي للسياحة، إلى إعادة التفكير في المجال السياحي وتجديد أساليب أنشطته وإعادة تشغيله بنظام أفضل، وذلك بهدف تحقيق التوازن بين احتياجات الناس وكوكب الأرض والرخاء

برلين - تسببت جائحة كورونا في شلل السياحة العالمية، وفي المقابل بات هناك طلب متزايد على إعادة انطلاقة مستدامة لهذا القطاع، فكيف يرى رواد صناعة السياحة والشركات الكبرى ملامح مستقبل السفر حول العالم بعد هذه الانتكاسة؟

المشاكل التي تسبب فيها نمو السياحة العالمية في السنوات الأخيرة كانت شديدة الوضوح قبل أن ينتشر وباء كورونا في الأرض؛ مدن مزدحمة وتدهور بيئي ومعدلات مرتفعة من التلوث بثاني أكسيد الكربون بفعل السفر عبر الطيران جوّا.

اليوم وعقب جائحة فيروس كورونا التي عرقلت حركة التنقل ومنحت البيئة فسحة قد تريحها من الانتهاكات البشرية للطبيعة، ترتفع الأصوات مطالبة بإعادة تشغيل قطاع الأسفار بأكثر استدامة.

وفي هذا الإطار دعت منظمة الأمم المتحدة للسياحة العالمية إلى “تعافٍ مسؤول” لقطاع السياحة بهدف “تحقيق التوازن بين احتياجات الناس وكوكب الأرض والرخاء”.

وألهم ذلك معرض برلين الدولي للسياحة، الذي انعقد من التاسع وحتى الثاني عشر من شهر مارس الجاري تحت شعار “إعادة التفكير، التجديد وإعادة

تشغيل السياحة بنظام أفضل”. وبسبب الجائحة، سيتم عقد المعرض الأكبر للأسفار في العالم رقميا لأول مرة في تاريخه.

استمتع بالبحر وحافظ عليه
استمتع بالبحر وحافظ عليه

في حوار مع موقع دويتشه فيلله، اعتبر الباحث بمركز السياحة المستدامة لجامعة إيبرسفالد الألمانية للتنمية المستدامة، مارتن بالاس، أن “جائحة كورونا كانت لحظة صدمةٍ عالمية أدت إلى إعادة التفكير في قطاع السياحة المعتاد على النجاح”.

وقال بالاس، إن أمورا كحماية البيئة والضغط السياحي، والتي مثلت بالفعل تحديات أمام السياحة قبل الجائحة، أصبحت الآن محطّ المزيد من الاهتمام.

وترى جمعية السفر الألمانية أيضا في جائحة كورونا فرصة لتحقيق المزيد من الاستدامة في المجال السياحي.

وأشارت العضو بالجمعية، إلين ماديكر، إلى أن السفر المستدام هو “توجه” ظهر منذ سنوات وأن صناعة السياحة “استجابت بالفعل لهذا التوجه وستستمر في الاستجابة له في المستقبل”.

وتقوم كبريات شركات السياحة العالمية بالإعداد لحملات توعية تستهدف رفع وعي المسافرين بالآثار السيئة للسفر، كما تقوم إحدى أكبر شركات السياحة في ألمانيا بتقديم عرض جديد للسفر المستدام في أوروبا ومصر وتركيا. وبعودة القدرة على التنقل لمسافات طويلة من جديد، سيتسع حجم الرحلات المستدامة، وفقا لرئيسة قسم الاستدامة في الشركة، أولريكه براون.

وتعتبر صناعة السياحة من بين أكثر القطاعات تأثرا بجائحة كورونا حيث بلغ حجم الخسائر 1.3 مليار دولار خلال عام 2020 فقط، وفقا لمنظمة السياحة العالمية، كما أن هناك الملايين من الوظائف صارت مهددة بسبب الجائحة.

وحسب أحدث تقرير للمنظمة فإن ما بين مئة مليون ومئة وعشرين مليون وظيفة أضحت على المحك في مختلف أنحاء العالم.

المسافرون اختاروا بدائل أكثر استدامة لقضاء عطلاتهم لأسباب صحية فساهموا في خفض انبعاثات الكربون

في ألمانيا انخفض معدل الإنفاق على السفر لقضاء الإجازات بحوالي 40 في المئة، وفقا لدراسة حديثة أجرتها مؤسسة أبحاث الإجازات والسفر، بيد أن إلين ماديكر من جمعية السفر الألمانية تخشى من أن تجعل هذه المسألة إجراءات إنعاش القطاع عبر التركيز على السفر المستدام أمرا أكثر صعوبة.

تقول ماديكر، “حتى يتمكن القطاع من تطبيق مثل تلك المفاهيم بالاستثمار في بنية تحتية مستدامة، على الصناعة أن تستعيد عافيتها أولا”.

وظهر في فصل الصيف الماضي ما يمكن للسياحة المستدامة أن تبدو عليه وهو اختيار الناس لقضاء إجازاتهم في بلدانهم، فعلى سبيل المثال، حجز الألمان حوالي 4 ملايين رحلة محلية أكثر ممّا تمّ حجزه خلال عام 2019.

وانخفض عدد الرحلات الجوية والبحرية بشكل كبير عام 2020، بينما ازداد الطلب على مقطورات التخييم والمنازل المتنقلة والدراجات.

وفي مواجهة القيود بسبب الجائحة، اختار الكثير من المسافرين أيضا بدائل أكثر استدامة لأماكن إقامتهم، إذ فضل الكثيرون الشقق المخصصة لقضاء الإجازات أو المواقع الخاصة بالتخييم على الفنادق لأسباب أمنية وصحية.

وبالقيام بذلك، ساهم هؤلاء عن قصد وعن غير قصد في خفض انبعاثات الكربون وكميات مخلفاتهم واستهلاك المياه.

ونظرا لاستمرار القيود على السفر، من المحتمل أن يتم قضاء موسم الصيف للعام الحالي بنفس الطريقة.

المتعة تكمن في البساطة
المتعة تكمن في البساطة

ولا يعتقد الباحث بمركز السياحة المستدامة لجامعة إيبرسفالد، مارتن بالاس، أن يستمر هذا التوجه عقب جائحة كورونا، حيث يرى أن الأزمة لن تتمكن من تغيير تدفق المسافرين على المدى الطويل، لكنه قال، “ربما سنفضل السفر محليا من وقت لآخر في المستقبل”.

تبقى معضلة واحدة ربما لن يتم حلها بانتهاء أزمة كورونا وهي عدم قيام الناس بالسفر بأساليب مستدامة. ويعتقد بالاس أن لانخفاض عروض هذا النوع من الرحلات دورا في ذلك، حيث تتراوح نسبة العروض المعتمدة للرحلات المستدامة بين 2 و5 من كافة عروض السياحة في ألمانيا.

وتسعى شركة ماي كابن الناشئة، والواقعة في جنوب ألمانيا بمدينة كونستانس، بكل جديّة إلى تغيير ذلك.

وتربط الشركة المسافرين المحبين للطبيعة بأماكن استضافة مناسبة، فعلى سبيل المثال، يمكن لمزارع أن يسمح للمخيمين والمسافرين بالتخييم في حقله، كما لجأ بعض الريفيين في مناطق مختلفة من العالم إلى توفير خيام وأكواخ لإقامة السياح القادمين لاكتشاف نمط معيش حياتهم البسيط.

وصرحت العاملة في الشركة لينا هاس، أن المرحلة التجريبية في الصيف الماضي كانت ناجحة بالرغم من استمرار الجائحة. وبداية من شهر أبريل القادم، سيكون لهواة السفر القدرة على حجز أماكن للإقامة من خلال موقع الشركة.

وتختم هاس قائلة، “سيضطر الناس بشكل عملي إلى إعادة اكتشاف السفر بأنفسهم وإدراك حجم القيمة المضافة لهذا النوع من الرحلات المستدامة”.

16