تحرير الدين من التاريخ

الاثنين 2014/12/22

تدور في العالم العربي، ولاسيما في المشرق منه، حرب ضروس على السياسة والمكانة والسلطة، وعلى معنى الدولة والمواطنة والهوية، أي أنها حرب تتعلق بمعاش البشر، وشكل إدارتهم لأحوالهم، بيْد أنها، مع كل الأسف، ترتدي طابعا دينياً، وبالأحرى تتصدّرها قوى ترتدي لبوساً دينية.

والحال أن الوضع لم يعد يتطلب فقط التمييز، أو الفصل، بين الدولة والدين، لتجنيبه الاستغلال السياسي وصون قدسيته، وإنما بات يتطلب، أيضا، التمييز بين الدين والحوادث التاريخية لكونها حوادث بشر، وبالتالي تحرير الدين من التاريخ، وتحرير التاريخ من الدين، لنزع القداسة عن الصراعات الجارية، والدخول في التاريخ الواقعي.

ومشكلة الخلط بين الدين والتاريخ نجمت عن تماهي مفهوم الدولة السياسي بمفهوم الخلافة الديني، في عهود صعود الإسلام وهبوطه، وذلك على حساب الدين، حيث الدولة / السلطة هي الطرف الرابح في هذه المعادلة، إذ استطاعت، بحكم هيمنتها، إخراج ذاتها من التاريخ، والحلول في المقدّس، بوصفها سلطة مطلقة، لا تستمد شرعيتها من الشعب، وإنما من مكانتها الدينية.

ما يؤكد ذلك، أن الإسلام في عهده الأول كان حرّر التاريخ من الدين، في الآية: “اليوم أكملت لكم دينكم..”، والتي تعني أنه لا يجوز لأحد، من البشر، بعد ذلك، أن يحلل ويحرّم. وقد جاءت ترجمة هذه الآية في خطبة أبي بكر، الخليفة الراشدي الأول، التي قال فيها: “أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمد قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.. أما بعد.. فإني قـد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوّموني”. ولعل هذا هو الخطاب الذي أسس للحظة الفـارقة في تاريخ الإسلام، والدولة الإسلامية، بالتمييز بين الدين والدولة، حيث يتأسس الدين على الإيمان، والدولة على المساءلة والمحاسبة والتداول.

بعد ذلك ربما أن مبايعة يزيد بن معاوية شكلت اللحظة التأسيسيّة الثانية، أي لحظة النكوص، التي حولت الدولة إلى ملك عضوض، ونقلتها إلى اعتبارها مجرد شأن دنيوي، وهي لم تقتصر على مبايعة الصحابة للملك “المتغلّب” فقط، وإنما مبايعة الديني للدنيوني أيضا، وهكذا بات التاريخ مقدساً، أو كأنه جزءا من الدين، والعقيدة الدينية.

ومعلوم أنه في العهد الأول للإسلام، مثلا، حصلت حوادث كثيرة، ضمنها مصرع عثمان بن عفان، الخليفة الراشدي الثالث، في المدينة، على مرأى ومسمع من خيرة الصحابة، ثم وقعت موقعتي الجمل وصفين في إطار التنازع على الخلافة بين علي ومعاوية، وبعدها مصرع الحسين الذي قاتله عمر بن سعد بن أبي وقاص في عهد يزيد بن معاوية، ثم مصرع عبدالله بن الزبير، وكلها تؤكد أن الصراع كان على السلطة، لا على الإسلام ولا على أي من مبادئه أو أحكامه.

والسؤال أنه إذا كان كل ذلك حدث في عصر الإسلام الأول، ومع الصحابة، فكيف الأمر إذا مع العهود التالية، وضمنه عهدنا الحالي.


كاتب سياسي فلسطيني

9