تحديات سيطرة أردوغان في تركيا

مر شهر على إجراء الانتخابات المحلية في تركيا، وسيستغرق الأمر على الأقل فترة أطول حتى يتخذ المجلس الأعلى للانتخابات قراره النهائي بشأن الطعن المقدم من حزب العدالة والتنمية الحاكم لإعادة إجراء الانتخابات في إسطنبول. تشير التقارير إلى أن المجلس الأعلى للانتخابات يتعرض لضغط كبير، وهو يراجع مزاعم حزب العدالة والتنمية بحدوث مخالفات في الانتخابات.
إما أن يقبل المجلس الأعلى للانتخابات طلب حزب العدالة والتنمية ويقرر إعادة إجراء الانتخابات في إسطنبول، وإما أن يرفض الطعن ويؤكد من جديد أن أكرم إمام أوغلو مرشح المعارضة هو رئيس بلدية المدينة. وفي الحالتين سيكون للقرار تأثير غير مسبوق على مستقبل حزب العدالة والتنمية، وفي نهاية المطاف على الرئيس رجب طيب أردوغان.
إذا جرت إعادة الانتخابات وفاز حزب العدالة والتنمية، فستكون النتيجة علامة أخرى على حكم أردوغان الرجل القوي وسيطرته على المؤسسات القضائية، ما سيضر بالأسواق.
ومن خلال وجود الملايين في جناح الشباب ووجود هيكل حزبي منظم بشكل جيد وسلسلة من الانتصارات الانتخابية، أصبح حزب العدالة والتنمية على مدار الأعوام السبعة عشر الماضية القوة المهيمنة على الساحة السياسية التركية، لكن قوة أردوغان وحزبه تعتمد على الفوز بكل صوت.
تعتمد قدرة أردوغان على قيادة الجماهير على صورته التي لا تقهر. في الانتخابات الأخيرة، بما في ذلك الاستفتاء الرئاسي، عوض أردوغان فقدانه التأييد من خلال التحالف مع حزب الحركة القومية اليميني المتطرف، لكن الانتخابات المحلية أظهرت أن حتى هذا التحالف لم يستطع تأمين فوز حزب العدالة والتنمية. قال البعض إن التحالف كلف أردوغان وحزب العدالة والتنمية أكثر مما ساعد.
وفي حين اعتاد أردوغان أن يملي أجندة تركيا ويهيمن عليها، يبدو أنه الآن يكافح على جبهتي الخطاب والسياسة. زادت محاولات حزب العدالة والتنمية لإعادة الانتخابات من شرعية إمام أوغلو، بينما استمرت رسائل أردوغان المتضاربة بشأن إعطاء الأولوية للوحدة أثناء مهاجمة المعارضة في الأسابيع الأخيرة.
يشبه المناخ السياسي في تركيا المناخ بعد الانتخابات العامة في يونيو 2015 عندما جرى استهداف أحزاب المعارضة والمرشحين بعدد من الهجمات، بالإضافة إلى هجوم انتحاري مروع في أنقرة. كان هجوم الغوغاء على زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كليجدار أوغلو وصمت أردوغان لمدة 24 ساعة بشأن الحادث يعيدان إلى الأذهان القضايا الأمنية التي أعادت التأييد إلى الحزب الحاكم بين الانتخابات العامة في يونيو 2015، وتلك التي أجريت في نوفمبر من نفس العام.
في نوفمبر 2015، أدى العنف والتخويف إلى جانب الخوف من عدم الاستقرار إلى فوز حزب العدالة والتنمية. لم يواجه أردوغان وحزبه التحديات الداخلية والدولية التي يواجهانها الآن. الوضع السياسي والاقتصادي مختلف بالتأكيد الآن. تتلاشى شخصية أردوغان الكارزمية بسبب حكمه الاستبدادي والتراجع الاقتصادي ومزاعم الفساد ضد أفراد من دائرته المقربة، لكن التهديد الحقيقي لحكمه يأتي من الاقتصاد.
والأهم من ذلك، فشل النظام الرئاسي على الجبهتين المحلية والدولية. وهذا يشجع المنافسين المحتملين، بمن فيهم الرئيس السابق عبدالله غول ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو والوزير السابق علي باباجان وغيرهم من الأعضاء السابقين في حكومة أردوغان الذين تم تهميشهم لصالح المساعدين الشباب الطموحين بقيادة صهر الرئيس بيرات البيرق.
ظل غول يبحث عن فرصة لتولي قيادة حزب العدالة والتنمية منذ اليوم الذي أنهى فيه منصبه كرئيس عام 2014، لكن أردوغان حرمه من الحصول على هذه الفرصة. وفي انتظار اللحظة المناسبة رفض غول عددا من الدعوات لإنشاء حزب سياسي جديد. يستهدف بيان داود أوغلو، بل هو بيان مشترك صادر عن غول وداود أوغلو وغيره من المعارضين داخل حزب العدالة والتنمية، أردوغان الذي يمثل الشخصية الأساسية فوق كل شيء وفوق الجميع في الحزب.
ويمثل النقد إعلانا واضحا لموقف حزبهم الجديد ضد النظام الرئاسي الذي يتألف من شخص واحد، والفساد والمحسوبية التي سيطرت على حزب العدالة والتنمية. من المحتمل أن تصبح هذه القضايا خطاب الحزب الجديد ضد أردوغان. لقد اتخذ منافسو الرئيس قرارا لا رجعة فيه وليس هناك أي مجال للتردد إذا ما أرادوا تحقيق هدفهم.