تحديات أمام "طريق التنمية" في العراق

على العراق أن يعالج الاضطرابات السياسية التي تشكل عائقا أمام إنشاء "طريق التنمية" ومحاربة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة وهو ما يحتاج إلى تغييرات شاملة تعزز المساءلة وتحسن الشفافية.
الأربعاء 2024/06/26
"طريق التنمية" يبدأ بمحاربة الفساد

التأثير الذي سيولده “طريق التنمية” على البلدان الجارة للعراق بالتساوي مع الدول العظمى على حد سواء بات أمرا واقعا، فهو سيؤثر بصورة سلبية على ديناميكية القوة بين العراق والجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث بدأت الدولتان بالتنافس على شبكات النقل على “طريق التنمية”، وتحظى إيران بموقع إستراتيجي هام يتيح لها السيطرة على شبكة النقل (السكك الحديد). ولكن، وسط العقبات السياسية والتحديات التي تتعرض لها منطقة الشرق الأوسط، والعقوبات الدولية المفروضة على طهران، يحظى العراق بفرصة أكبر من إيران لربط هذا المشروع مع العالم.

يبرز العراق بسرعة كبديل عن إيران فهو مجهز بأحدث المنشآت الحيوية، مثل ميناء الفاو الذي سيسمح للعراق بأن يصبح واجهة رئيسية لنقل السلع على المستوى الدولي. وعلى الرغم من أن العراق وإيران ليسا لاعبين أساسيين في إعادة تشكيل البيئة اللوجستية في الخليج، أدى التنافس المتزايد بين تركيا وإيران إلى دعم أنقرة علنا لميناء الفاو، مما يقوض بشكل مباشر هيمنة إيران على حركة الملاحة في الخليج.

ويهدف “طريق التنمية” إلى تحويل الاتصال الإقليمي والخدمات اللوجستية من خلال رفض طرق التجارة القائمة، مثل مبادرة الحزام والطريق الصينية وكذلك الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، لصالح علاقات اقتصادية وتجارية بين العالم ودول المنطقة. وقد أبدت دول مجلس التعاون الخليجي، مثل قطر والإمارات، رغبتها في الانضمام إلى هذا الطريق، وقدمت كل الإمكانيات اللوجستية والمالية من أجل إنجاح المشروع الحيوي الذي سيساهم بشكل مباشر في إبراز “طريق التنمية” أمام المبادرات الأخرى، وترسيخ مكانته كمركز إقليمي يهدف إلى إظهار أهمية المنطقة الإستراتيجية، العراق تحديدا، للتجارة العالمية.

◄ العراق يبرز بسرعة كبديل عن إيران فهو مجهز بأحدث المنشآت الحيوية، مثل ميناء الفاو الذي سيسمح للعراق بأن يصبح واجهة رئيسية لنقل السلع على المستوى الدولي

وبالرغم من أن المعطيات على الأرض تؤكد أهمية العراق كموقع إستراتيجي للطريق، إلا أن عوامل عدة تعيق طموحات العراق، بدءا من البنية التحتية التي تحتاج إلى نهضة تنموية، إضافة إلى طرق النقل المهترئة التي لا تقارن بطرق النقل الإقليمية الموجودة في دول مثل تركيا والإمارات، ولعل الأمر الأهم هو التنافس الجيوسياسي بين الصين والولايات المتحدة، حيث سعت واشنطن إلى إقامة علاقات وثيقة مع السعودية وذلك من أجل إيجاد التوازن المطلوب في المنطقة.

وقد يجد العراق صعوبة في تنمية اقتصاده وسط لعبة الشد والجذب التي تمارسها القوى المتصارعة، إذ سيحتاج إلى التفاوض حول كل العقبات التي ستعترض “طريق التنمية”، كما هو الحال بالنسبة إلى إقليم كردستان وطبيعة الجغرافيا ووعورة الجبال، الأمر الذي قد يطيل الإطار الزمني للمشروع وربما ارتفاع تكاليف إنشائه.

وعلى فرض استبعاد إقليم كردستان، فإنه قد يثير تساؤلات كثيرة ومهمة عن أهمية الرسائل السياسية للمشروع وتداعياته الاقتصادية، وفي الوقت نفسه يجد فيه الأكراد تحايلا على حكومة الإقليم ومعاقبة لهم واسترضاء للأتراك.

ورغم أن طريق التنمية ما زال في بداياته، إلا أنه يمثل فرصة لجني فوائد كبيرة، ويواجه في الوقت نفسه مجموعة من التحديات المحتملة التي يمكن أن تعيق نجاحه، فهو يتطلب ضخ أموال ضخمة، وتعتبر مشاركة دول مجاورة للعراق، خاصة تركيا، أمرا بالغ الأهمية لضمان نجاحه.

أيضا على العراق أن يعالج الاضطرابات السياسية والقضايا الأمنية التي لا تزال تشكل عائقا أمام إنشائه، إضافة إلى محاربة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة كافة، وهو ما يحتاج إلى تغييرات شاملة تعزز المساءلة وتحسن الشفافية وتعزز أنظمة الحكم في البلاد.

9