تحالف إسلامي ودولة جديدة لاستئصال السرطان الداعشي
إن قيام دولة سنية جديدة بين العراق وسوريا، كما كتب السفير الأميركي الأسبق للأمم المتحدة في مقالة نشرها في “نيويورك تايمز” بعد القضاء على داعش، ليس خبرا مهما على الإطلاق. دولة جديدة متواضعة على أساس طائفي، ستنهض على أنقاض الدولة الحمدانية القديمة، وتعيش من مئتي بئر نفطية صغيرة.
بمعنى أن الشيعة سيتخلصون من عبء اقتصادي، ومن بؤرة استنزاف للأرواح والثروات، وتصبح الآبار المتنازع عليها مع الأكراد هي قضية بينهم وبين الدولة السنية الناشئة. أي أن بغداد ستتخلص من مشكلتيْن هما الأكراد والسنة.
ستحتفظ إيران بدمشق والساحل السوري المطل على المتوسط وأوروبا، وستُحكم قبضتها في لبنان وسواحلها، أما في العراق فستأخذ الأرض المنبسطة الغنية بالنفط والمطلة على الخليج إضافة إلى بغداد العاصمة التاريخية وسامراء.
أعتقد أن الدولة السنية الجديدة غير مفيدة للعرب إلا في حالة واحدة هي أن يتم دعمها ماليا لتأسيس جيش يدخل في حرب مع إيران. وهذه ستكون حربا عبثية أيضا بوجود دول عظمى كروسيا وأميركا بالمنطقة.
بكل الأحوال ستكون لإيران حصة معنوية كبيرة متمثلة بعاصمتين تاريخيتين كبغداد ودمشق. والأخطر هو أن فتح باب لتأسيس دول جديدة سيدفع إيران إلى إعلان اتحادها بالعراق. فلن يطمئنَّ شيعة العراق دون وحدة اندماجية مع إيران، خصوصا في وجود تحالفات سنية تهدد وجودهم، ولذلك سيلجأون، حتما، إلى رجال الدولة الكبار في إيران لإدارة صراع أكبر من قدراتهم، وستحرض طهران الشيعة في السعودية والبحرين على المطالبة باستقلالهم على شاكلة العراق وسوريا.
قبل أسبوع دعا القائد العام للحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، إلى إلغاء الحدود بين بلاده وكل من العراق ولبنان وسوريا بدعوى أنها محور مقاومة لإسرائيل، وردا على الاحتجاج العربي على اجتياح نصف مليون زائر إيراني للحدود العراقية بلا تأشيرات، قام بعض أهالي كربلاء بتدليك أقدام الزائرين الإيرانيين تبرّكا.
التحالف الجديد الذي تم الإعلان عنه في العاصمة السعودية الرياض والمكون من 34 دولة هل هو عربي أم إسلامي؟ بوجود دول غير عربية فهو إسلامي، وهل هو موجه ضد الإرهاب الداعشي كما هو مُعلَن، أم ضد إيران وروسيا أيضا؟ هل هو موجه ضد أميركا؟
ثم إن هذه الدول لها تحالف مع الغرب، فتركيا عضو في حلف الناتو، ودول الخليج في تحالف مع الولايات المتحدة.
الكويت مثلا لم يحررها من الخطر العربي العراقي سوى تحالف عالمي، وليس تحالفا عربيا أو إسلاميا.
وما المقصود بتحالف إسلامي؟ هل المقصود به تحالف سني؟
أعتقد بأن التحالف العسكري بين دول غنية وأخرى فقيرة هو بمثابة استنزاف للدول الغنية، وفي النهاية قد لا يكون فعالا، بعكس التحالف مع أميركا الذي أثبت فعاليته بتحرير الكويت مثلا.
ربما هو تحالف إعلامي وثقافي، فالسنة بحاجة إلى الشعور الوجداني بأن دولهم القوية متحالفة وتهدد إيران، وعندهم كما يقول البغدادي “أقدام ثقيلة”.
المسلمون البسطاء في المساجد المزدحمة والغاضبة بحاجة إلى “مسكّن” أثناء العملية الجراحية الكبرى التي ستقوم باستئصال الدواعش. في الحقيقة داعش ورم سرطاني خبيث لكنه “قريب جدا من القلب السني”، وعملية استئصال ورم كهذا بحاجة إلى دم وعناية مركزة. ربما التحالف الجديد بمثابة مواساة وعزاء للسنة أمام نجاح إيران بالتوسع في نفوذها على حسابهم.
أعتقد بأن استباق الأمور غير مستحسن، فقبل الحديث عن دولة سنية جديدة بين العراق وسوريا على أنقاض داعش بعد انتصار الحلف الإسلامي الجديد. عَلينا انتظار القضاء على داعش أولا، فهذا قد يستغرق عشرين سنة، كما قالت الولايات المتحدة من قبل. وقبل الحديث عن استنزاف إيران، الأفضل التعامل مع الاستنزاف السني بسبب داعش. مدن يتم هدمها من جميع الجهات وهجرة بالملايين.
ربما أنفقت إيران مئة مليون دولار فقط على المعارضة العراقية والأحزاب الشيعية خلال ثلاثة عقود، والنتيجة هي السيطرة على بغداد، وذهاب رؤوس أموال عراقية تقدر بخمسمئة مليار دولار إلى طهران. لا تفجيرات في إيران اليوم، ولا مشكلة كردية. فإذا قلنا إن عناصر داعش عملاء لإيران لعدم خلق مشاكل في إيران، فهل الأكراد عملاء لإيران أيضا. أما الأحوازي فرغم تذمّره، فهو حامل للجنسية والجواز الإيراني ولا يريد أن يتحول إلى “بدون”، السؤال هو هل هذا دليل سياسة داخلية قوية أم ضعيفة؟
إن الحديث عن أن الدولة السنية الجديدة ستقطع مياه دجلة والفرات عن بغداد وجنوبها هو غير عملي، لعوامل كثيرة أهمها أن العطش سيزيد من ارتباط العراق بالمياه الإيرانية، ويدفع إلى خلق بدائل وضغوط طبيعية مماثلة.
الأمر الأهم أن العرب يعانون منذ عقود من مشكلة ذات رمزية كبيرة بالنسبة إليهم وهي إسرائيل، ولم ينجح أي تحالف إسلامي أو عربي في استعادة الأقصى أو القدس القديمة، لهذا لا ينظر العرب بتفاؤل كبير للتحالفات الإسلامية الكبيرة بسبب الجرح الفلسطيني الغائر.
كاتب عراقي