تجّار النوّار في المغرب يجنون الشوك في زمن كورونا

باعة الزهور ينادون: يا ورد من يشتريك.
الأربعاء 2021/05/19
الوباء لا يشم الروائح الزكية

فقد المغاربة الرغبة في الإقبال على الزهور في زمن كورونا، فوجد باعة الورد أنفسهم وحيدين يشذبون الورود ثم يرمونها في اليوم التالي ولا يجنون منها سوى الأشواك بعد توقف الناس عن الاحتفال والتعبير عن مشاعرهم بتقديم الهدايا في الأفراح والمناسبات.

الرباط - في الوقت الذي يعيش فيه العالم على إيقاع القيود الصحية الصارمة، والإغلاق وحالة الطوارئ، فإن الحصول على باقة من الورود بألوانها الزاهية والمبهجة للتخفيف، ولو قليلا، من ضغوط أزمة صحية خانقة وغير مسبوقة، يبدو بعيدا عن أولويات غالبية المغاربة.

ورغم امتلاكها خاصية ترجمة المشاعر التي يحس بها البشر بفضل تنوع ألوانها وأريجها وأشكالها، فقد تراجعت الأزهار إلى غياهب النسيان في زمن كورونا، حيث جرى المنع الكلي لتنظيم الأحداث والمناسبات التي كانت تتزين بباقات الزهور.

عجلة قطاع الأزهار تدور ببطء، وفق تقييم بائع زهور في سوق الورود العريق في الرباط، حيث يجد التجار أنفسهم في مواجهة قلعة من الروائح والألوان يكافحون من خلالها لجذب انتباه الزبائن، غير المتحمسين كثيرا للإقدام على عملية شراء تعتبر “ثانوية” في ظل هذه الظروف.

ووفقا لأحد الباعة في ساحة مولاي الحسن في الرباط، فقد كان بيع الزهور دائما مرتبطا باقتراب أحداث رمزية، مثل “8 مارس” أو “عيد الحب”، وهو ما يعني أن العام بأكمله تقريبا يعتبر موسما يشهد بيعا منخفضا، غير أن جائحة كورونا جعلت الوضع يتفاقم بشكل أكبر.

وأكد بنبرة حزينة أن فايروس كورونا كان ضيفا ثقيلا على تجارتهم، وأن سحر ونضارة هذه النباتات الجميلة لم يعودا يجذبان أحدا.

من جهته، لفت المهدي ماموني مسؤول عن مزرعة، إلى أن قطاع زراعة الأزهار محدود للغاية في المغرب؛ مضيفا أن المشكلات الرئيسية في هذا القطاع ترجع عموما إلى ضعف الطلب من السوق المحلية، حيث إن “ثقافة الزهور” غير شائعة بشكل كبير في المجتمع، بالإضافة إلى الظروف المناخية غير المواتية لهذا النشاط، مما يرفع من التكلفة مقارنة بالدول المنتجة الأخرى.

وأضاف أن المستثمرين الفلاحيين ليسوا مقتنعين بعد بالاستثمار والمجازفة في هذا المجال، خاصة مع الظروف الصعبة للتخزين والنقل وتغليف الزهور، والتي هي معقدة بعض الشيء وتتطلب منهم الكثير من العناية والاهتمام.

وتابع أن هذا القطاع لم يسلم بدوره من أزمة فايروس كورونا، بالنظر إلى أن الزبائن الرئيسيين لهذا القطاع ومنظمي الفعاليات والحفلات متوقفون عن العمل حاليا، بالإضافة إلى تقييد تام للصادرات على المستوى الدولي.

وفي محلات بيع الورود بشارع الزرقطوني في الدار البيضاء يحرص الباعة على أداء التحية، والبسمة تعلو محياهم، لكنهم في الآن نفسه لا يخفون امتعاضهم من الركود المستشري الذي يعانون منه، بسبب الإجراءات الصارمة التي تفرضها السلطات لمنع تفشي الوباء، والتي أفضت إلى منع تنظيم الحفلات العمومية والأعراس والولائم العائلية، وهي المناسبات التي عادة ما كانت تسهم في “رواج” السوق.

يقول سعيد بائع أزهار بشارع الزرقطوني لوكالة المغرب العربي للأنباء، “نحن نواجه ظروفا صعبة، الركود بات سيد الموقف، والإقبال الضعيف جدا لا يساعدنا على تسويق منتجاتنا التي تبقى معرضة للتلف”.

باعة الزهور يجدون أنفسهم وحيدين في قلعة من الروائح والألوان يكافحون من خلالها لجذب انتباه الزبائن

ويضيف سعيد، ممعنا في أصابع يده وقد وخزتها أشواك الورود، “باعة الأزهار هنا في سوق الزرقطوني لا يجنون سوى الشوك والقليل من المال”.

كل يوم يحرص الباعة على تشذيب الورود من الأشواك، لتبدو في وضع جذاب، قبل عرضها للبيع، لكن زمن انتظار زبون قد يأتي ولا يأتي، بات طويلا ومرهقا.

في السابق، يقول أحمد بائع زهور بمحل ثان “كان فصل الصيف يمثل بالنسبة لنا فرصة سانحة لتحقيق هامش ربح إضافي، بالنظر إلى ارتفاع الطلب على باقات الأزهار في حفلات الأعراس والمناسبات الأخرى، لكن الوضع الآن بات صعبا، بسبب الركود الذي نواجهه”.

ويؤكد أحمد بعد أن فتح مدخلا خلفيا داخل محله ليعرض عينات من الورود معبأة في حاوية بلاستيكية، “هذه الورود إذا لم يتم بيعها في وقت قياسي لا يتعدى يوم أو يومان ستتعرض للتلف كليا، وهو ما يجعلنا نواجه عبئا إضافيا يثقل كاهلنا.. لأن المئات من الأزهار ستذبل لا محالة ولن يكون بوسعنا بيعها وتقديمها للزبون”.

فالزبون دائما يحرص على اقتناء ورود فيحاء ويانعة، ويردف أحمد “وهو ما يجعلنا نواظب على تشذيبها من الأشواك، حتى تبدو في شكل جميل يجذب نظرة الزائر، لكن ضعف الإقبال بسبب تفشي الفايروس، أدخلنا في دوامة من الشك واللايقين، فهل نغلق محلاتنا ونغير الحرفة، التي ترعرعنا في كنفها ولسنوات عدة” يتساءل أحمد بمرارة.

في سوق الورود بشارع الزرقطوني أجود أنواع الأزهار معروضة للبيع بعد أن تم تصفيفها بعناية فائقة، يقول إسماعيل وهو بائع آخر، “الورد الذي نجلبه من مراكش ويسمى ‘الخلوي’، هو أجود أنواع الزهور المحلية ومطلوب من كل الزبائن أجانب ومغاربة”.

ويضيف إسماعيل أن “الخلوي يحظى بإقبال كبير من قبل أرباب المكاتب والبنوك والفنادق نظرا لمزاياه العديدة، وأبرزها أنه ليس سريع التلف ويمكن الاحتفاظ به لعدة أيام، لأنه ورد طري يزرع في أراض خصبة وينمو في طقس طبيعي جاف، وليس مثل الزهور المقطوفة من ضيعات الزراعات المغطاة”.

وحسب الباعة، فإن الورد المعروض في الدار البيضاء يتم جلبه من مراكش وبني ملال وأكادير وتيط مليل، بخلاف ورد “قلعة مكونة” والذي لا يتم تسويقه في السوق الوطنية، لأنه يباع مباشرة للمختبرات الطبية لاستعماله في المستحضرات الصيدلية.

ومهما يكن من أمر، فإعداد الورود وتشذيبها والعناية بها وحسن عرضها للزبون، مسألة يحرص عليها الباعة لأن بيع الأزهار هو فن قبل أن يكون حرفة، لكن الركود الظرفي حاليا والذي يواجهونه مكرهين، يجعلهم يكابدون شظف العيش وبمرارة، غير أن الأمل يظل زادهم ومعينهم اليومي.

20