تجار البلدة القديمة في القدس يستغيثون

إلى جانب الضرائب الباهظة المفروضة على التجار المقدسيين بما في ذلك ضريبة الأملاك العامة “الأرنونا”، ازدادت حدة الإجراءات الأمنية التي فرضتها سلطات الاحتلال بعد حرب غزة، الأمر الذي ضاعف الأعباء على التجار وكبدهم المزيد من المعاناة نظرًا للانعكاس المباشر للوضع الأمني على مداخيلهم. وحتى مع انخفاض أعداد السياح والغياب شبه التام للحركة في أسواق البلدة القديمة، يملي واجب الحفاظ على الهوية الفلسطينية في القدس على هؤلاء التجار ضرورة التعايش مع الأوضاع الصعبة مهما كلف الأمر.
وعلى مدى سنوات طويلة كانت أسواق القدس تعتمد بشكل كبير على سكان الضفة الغربية القادمين إلى القدس، ولكن مع فرض الإغلاق الإسرائيلي على المدينة، باتت تعتمد على سكانها ومن يتمكن من الوصول إليها، في حين أصبح اقتصاد القدس محاصرًا بسبب الإجراءات الإسرائيلية المفروضة على محيط المدينة.
◄ الحالة الأمنية المستقرة لها علاقة طردية مع تنامي نشاط السياحة، فإنه من المنطقي أن يكون لأحداث العنف في محيط البلدة القديمة في القدس تأثير عكسي مباشر على تجارها
لطالما ارتبط الركود الاقتصادي في البلدة القديمة بشكل كبير بضعف القطاع السياحي الفلسطيني، والذي تسببت به الحملات الإسرائيلية التي أدت إلى خنق السياحة الفلسطينية وتشجيع السياح على التوجه إلى المناطق اليهودية. لكن حسب تجار البلدة القديمة فإن فترة ما بعد حرب غزة هي الأصعب على الصعيدين الأمني والاقتصادي، وقد يؤدي هذا التراجع غير المسبوق إلى إغلاق المزيد من المحلات التجارية وخروجها عن الخدمة نظرًا إلى انعدام مداخيلها. لكن قبل أن يكون الوضع الأمني سببًا مباشرًا في تهديد أسواق القدس لا يمكن إنكار أن تغيير الأنماط الاستهلاكية وتوجه الفلسطينيين نحو الأسواق البديلة كانا سببًا آخر في تراجع الحركية التي عهدتها أسواق البلدة القديمة. واللافت أن العديد من الحرف التقليدية قد اندثرت بفعل البدائل التي وفرتها الأسواق الأخرى والطفرة الكبيرة في المعروضات وأسعار السلع المستوردة، ولا يمكن إنكار أن زمن الآلة والتكنولوجيا الحديثة قد أثر بشكل سلبي على الصناعات التقليدية.
“يلا لفة بالقدس” كانت إحدى المبادرات التي أطلقها شباب فلسطينيون لإحياء أسواق البلدة القديمة في مدينة القدس المحتلة خلال الفترة الخانقة من جائحة كورونا، وقد لاقت صدى لدى الأوساط الفلسطينية التي شاركت في إضفاء بعض الزخم على الأنشطة التجارية داخل البلدة في محاولة لكسر الجمود الاقتصادي والأمني الذي كان يلازم البلدة. واليوم تقترب الحرب في غزة من أن تكمل عامها الأول ولا تزال انعكاساتها على الوضع الأمني في الضفة الغربية وتحديدًا في القدس المحتلة تبدو جلية، والأزمة في البلدة القديمة تزداد وطأة أكثر من أي وقت مضى، ما يجعلنا أحوج إلى مثل هذا النوع من المبادرات العفوية.
أمام الوضعية الاقتصادية الحرجة التي يكابدها التجار أطلق المقدسي عماد أبوخديجة، أحد أعلام البلدة القديمة وأحد المتشبثين بميراث أجداده في البلدة القديمة والمعروف بـ“خان أبوخديجة”، مناشدة لأهالي القدس من الفلسطينيين وحثهم على زيارة البلدة القديمة دعمًا لها وتضامنًا مع التجار المرابطين رغم كل الإغراءات المالية التي قدمت لهم من أجل بيع محلاتهم، والمشاركة في كسر التضييق الذي يتعرضون له من خلال دعمهم ومساعدتهم في التغلب على الظروف الاقتصادية الصعبة، خاصة مع الضرائب المكلفة وتراجع المبيعات.
ولأن الحالة الأمنية المستقرة لها علاقة طردية مع تنامي نشاط السياحة، فإنه من المنطقي أن يكون لأحداث العنف في محيط البلدة القديمة في القدس تأثير عكسي مباشر على تجارها. فبمجرد وقوع حدث أمني يلجأ الاحتلال إلى إغلاق كل مداخل البلدة القديمة في القدس المحتلة وتُغلق أبواب المسجد الأقصى المبارك كأحد الإجراءات الانتقامية. لذلك، فإن الحاجة إلى الحفاظ على الهدوء عامل مهم في ضمان “إعادة النبض” لأسواق البلدة القديمة وعنصر ضروري لضمان استقطاب السياح فيها. لذلك وجبت مراعاة حاجة التجار المقدسيين إلى الهدوء الذي يعيد الحياة إلى أسواق البلدة القديمة ويسهم في حماية الهوية المقدسية، بدل الاندفاع في أعمال فردية معزولة تضر أكثر مما تنفع.