تتبع التسلسل الجيني لكوفيد - 19 يجعل العالم أكثر استعدادا للأوبئة

منظمة الصحة العالمية ترى أن التسلسل الجيني للفايروس على المستوى العالمي يساعد "في فهم أفضل لعالم عوامل الإصابات الناشئة وتفاعلاتها مع البشر والحيوانات في أنواع مختلفة من المناخات".
الثلاثاء 2021/01/26
تشارك بيانات الفايروس بين الدول يسهل عملية تتبع الطفرات الجديدة

باريس – في سبيل مراقبة التحولات الحاصلة لفايروس كورونا المستجد التي من شأنها التسبب بتفاقم الجائحة أو جعل اللقاحات أقل فعالية، ينبغي على العلماء وضع تسلسها الجيني إلا أن قلة من الدول تقوم بهذه المتابعة الشاقة والمعقدة رغم أنها ضرورية.

ويقلق الخبراء من التحورات الخطرة التي لا ترصد بقدر ما يقلقون من تلك التي ينجحون في تعقبها.

فقد سمح نشر التسلسل الجيني لأول فايروس “سارس – كوف-2” في يناير 2020 عند بداية انتشار الوباء، بمعرفة أنه فايروس كورونا مستجد وببدء تطوير فحوص تشخيص ولقاحات.

ومنذ ذلك الحين تم تحميل عشرات الآلاف من التسلسلات الجينية على قواعد بيانات عامة تسمح بمتابعة التحولات على الفايروس بدقة وبسرعة غير مسبوقة.

ويأتي الجزء الأكبر من هذه المعلومات من بلد واحد هو بريطانيا.

في منتصف يناير كانت “جي.أي.أس إيد” وهي منصة كبيرة لتشارك البيانات شكلت في الأساس لمراقبة الإنفلونزا، قد حمّلت 379 ألف تسلسل. وقد أتى 166 ألفا منها من “جينوميكس يو.كاي” وهي شراكة بين السلطات الصحية وجامعات.

إيوان هاريسون: المتحور الجديد بمثابة جائحة صغيرة ضمن الجائحة الكبرى
إيوان هاريسون: المتحور الجديد بمثابة جائحة صغيرة ضمن الجائحة الكبرى

ويقول إيوان هاريسون مدير الاستراتيجية والتحول في هذا البرنامج والعضو في “ويلكام سانغر إنستيتوت” حيث وضع القسم الأكبر من هذه التسلسلات “إنها المرة الأولى التي نرى فيها عاملا مرضيا يتطور على هذا النطاق. ويتبين لنا أن هذه التحولات تتراكم بسرعة أكبر مما كنا نظن”.

ويقوم البرنامج راهنا بوضع تسلسل 10 آلاف مجين (genome)، (حوالي 6 في المئة من الحالات المعروفة في بريطانيا) والهدف هو في مضاعفة هذا العدد.

وتقول إيما هودكروفت عالمة الأوبئة في جامعة برن والمشاركة في تطوير المشروع الدولي لمتابعة الفايروس “نيكستستراين”، “لقد تفوقت بريطانيا على الجميع”. وتشير إلى أن الدنمارك تضع سلاسل المجين وتتشارك بانتظام البيانات إلا أن المعلومات الواردة من غالبية الدول الأخرى متقطعة جدا.

وسمح وضع التسلسل الجيني بتحديد النسخ المتحورة في بريطانيا وجنوب أفريقيا والبرازيل.

وقال هاريسون إن المتحور الجديد سريع الانتشار في بريطانيا “هو بمثابة جائحة صغيرة ضمن الجائحة” الكبرى. ومن دون مراقبة منهجية لما كان العلماء قد أدركوا حتى الآن أن هذا المتحور “يغير المعطيات”.

ومع أن الإنذار المبكر لم يحل دون انتشاره إذ رصدته عشرات الدول إلا أنه سمح لدول أخرى بالاستعداد له. ومن دون الإنذار الذي أطلقه العلماء البريطانيون لكان العالم قد سار على غير هدى حسبما تؤكده إيما هودكروفت.

ولم ترصد نسخ متحورة أخرى للفايروس إلا بعدما انتشرت على الصعيد العالمي انطلاقا من منشئها.

فخلال الشهر الحالي على سبيل المثال، رصدت سلالة جديدة تحمل تحورا سمي “إي 484 كاي” في اليابان لدى أشخاص وافدين من البرازيل.

وتعتبر منظمة الصحة العالمية أن تحسين القدرة على وضع تسلسلات أفضل للمجين يشكل أولوية.

ووصفت ماريا فان كيرخوف المسؤولة الفنية عن كوفيد – 19 في منظمة الصحة العالمية عدد التسلسلات التي تم تشاركها حتى الآن “بأنها لا تصدق” لكنها أسفت لكونها تأتي من دول معدودة.

وأضافت خلال منتدى عبر الإنترنت “تحسين التغطية الجغرافية للتسلسل ضروري لتكون آذان العالم وعيونه شاخصة إلى تحولات الفايروس”.

وتفيد منظمة الصحة العالمية أن “ثورة” في الكشف عن التسلسل الجيني للفايروسات ساهمت في فهم أفضل لأمراض عدة من إيبولا إلى الإنفلونزا. وتقول “للمرة الأولى يمكن للتسلسل الجيني أن يساعد في توجيه الاستجابة لجائحة ما في الوقت الحقيقي تقريبا”.

وعندما بدأ فايروس سارس بالانتشار في العام 2002 تم تشارك ثلاث نسخ متحورة من مجين فايروس كورونا هذا علنا خلال الشهر الأول و31 في الشهر الثالث.

وهذه المرة كانت ستة تسلسلات جينية للفايروس في متناول الباحثين في العالم بأسره بعد أيام قليلة على ظهور الفايروس وفي غضون ستة أشهر كان قد نشر 60 ألفا منها.

وفي البداية لم يظهر فايروس كورونا المستجد الكثير من التنوع الجيني على ما تقول إيما هودكروفت، ثم تتابع موضحة “تبين لنا أنه أتى فعلا من الصين لأن كل التسلسلات المرصودة في العالم كانت موجودة في التسلسلات الصينية المختلفة”.

ماريا فان كيرخوف:

تحسين التغطية الجغرافية للتسلسل ضروري لتكون آذان العالم وعيونه شاخصة إلى تحولات الفايروس

وفي صيف العام 2020 ظهرت سلالات جديدة حلت مكان النسخ السابقة للفايروس. والتحورات جزء من التطور الفايروسي وتحصل عندما يتكاثر الفايروس. وتوضح هودكروفت للوكالة الفرنسية “إنها أساسا بمثابة خطأ مطبعي”.

ولا توفر غالبية السلالات الجديدة أي ميزة للفايروس، وحتى أن البعض منها يسيء إليه. لكن التحول يزيد أحيانا من عدوى الفايروس أو يتسبب في مرض أخطر.

وكلما ازداد عدد الإصابات بات احتمال حصول تحول أكبر والاحتمال يزيد عند الشخص الذي يعاني من جهاز مناعي ضعيف بشكل مزمن. وقد تكون ظهرت النسخة الجديدة في بريطانيا بهذه الطريقة ويقوم الباحثون راهنا بوضع التسلسل الجيني للنسخ المأخوذة من مرضى يعانون من نظام مناعي مثبط على ما يقول إيوان هاريسون.

وقد فتح وضع التسلسل الجيني بشكل منهجي على الصعيد الوطني المجال أمام الباحثين لمعرفة المزيد من المعلومات حول انتقال عدوى الفايروس.

فقد سمح ذلك على سبيل المثال بتحديد رحلة في حافلة صغيرة كانت تنقل مجموعة من الأشخاص على أنها سبب لبؤرة وبائية في أحد المستشفيات.

وتقوم المرحلة التالية على دراسة كيفية تأثير التحولات المختلفة على انتقال عدوى الفايروس وخطورة المرض وفاعلية اللقاح وتوقع سلوك النسخة المتحورة الجديدة بأسرع وقت ممكن.

وترى منظمة الصحة العالمية أن التسلسل الجيني للفايروس على المستوى العالمي سيساعد “في فهم أفضل لعالم عوامل الإصابات الناشئة وتفاعلاتها مع البشر والحيوانات في أنواع مختلفة من المناخات والأنظمة البيئية والثقافات وأنماط الحياة وغيرها”.

إلا أن وضع التسلسل الجيني على نطاق واسع أمر معقد على الصعيد اللوجيستي. ويخزن معهد “ويلكوم سانغر” جنوب كامبريدج في إنجلترا عشرات آلاف العينات التي يتلقاها يوميا في ثلاجات ضخمة وقد صمم منشآت روبوتية لفرزها واستخدامها في أبحاثه.

17