تأمين طرابلس خطوة الدبيبة في وجه محاولات الإطاحة به

الملف الأمني ورقة ضغط لإبقاء الوضع السياسي على ما هو عليه.
الجمعة 2023/01/13
الأمن بيد الدبيبة سلاح ذو حدين

كثرت التجاوزات الأمنية في العاصمة الليبية، محيط سيطرة حكومة عبدالحميد الدبيبة، وهو ما يروّج له الدبيبة بحملة أمنية مكثفة للحد منها، فيما يتخوف مراقبون من أن يكون الأمر مخططا له بحيث تطلق أيادي الميليشيات لضمان استمرار الدبيبة على رأس السلطة.

عادت ظاهرة الانفلات الأمني للتشكّل من جديد في العاصمة الليبية، فيما أعلن وزير الداخلية المكلف عماد الطرابلسي رسميا عن إطلاق المرحلة الأولى من خطة تأمين طرابلس، تحت إشراف رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة، وقال إنه تم توزيع آليات على مديريات الأمن في العاصمة لردع من نعتهم بالخارجين عن القانون وتطبيق الخطة الأمنية الموضوعة ودعم قسم النجدة في مديرية أمن طرابلس بـ200 آلية للتحرك في الشوارع لفرض الأمن.

وانطلقت وزارة الداخلية منذ الاثنين في إغلاق كافة الطرق المؤدية إلى “ميدان الشهداء” بوسط العاصمة، في إطار ما قالت إنه “المرحلة الأولى للخطة الأمنية لتأمين العاصمة وضواحيها”، دون أن تحدد الفترة الزمنية التي ستكون فيها الطرق مغلقة، واكتفت بالقول “إلى حين إشعار آخر”.

أغلب سكان العاصمة يخشون من اتجاه الدبيبة لإطلاق أيادي الميليشيات بشكل غير مسبوق ضمن صفقة يضمن بها ولاءها ووقوفها إلى جانبه

وأكد الطرابلسي الذي يعتبر من أبرز أمراء الحرب في البلاد عزم وزارته على الارتقاء بمستوى الأداء الأمني وفق إستراتيجية علمية للوصول إلى أقصى مستهدفات الأمن في كافة ربوع البلاد، ودعا السكان المحليين لمساعدة وتشجيع رجال الشرطة لتأدية مهامهم وتطبيق الخطة الأمنية، مؤكدا أن البداية من طرابلس لكونها مصدر القرار وعاصمة الليبيين لتعقبها مناطق طوقها وصولا إلى المناطق الأخرى في المنطقتين الشرقية والجنوبية.

وأبانت مصادر مطلعة لـ”العرب” أن الأمر يتعلق بخطة واسعة لتمكين القوات الموالية للدبيبة من السيطرة على العاصمة وضواحيها بما يحول دون أي تهديد لحكومته في حال إقدام مجلسي النواب والدولة على تشكيل حكومة ثالثة لتولي السلطة خلال المرحلة المهيأة لتنظيم الانتخابات.

وأضافت المصادر أن الدبيبة يدير شؤون الحكم على أساس الاستمرار على كرسي رئاسة الحكومة إلى أجل غير مسمى، وهو يرفض مجرد التفكير في تسليم السلطة لأيّ طرف آخر قد تفرزه الاتفاقيات السياسية أو الانتخابات.

وخلال المؤتمر الصحافي الذي جمعهما بالقاهرة الخميس الماضي، أكد رئيس مجلس النواب عقيلة صالح اتفاقه مع رئيس مجلس الدولة خالد المشري على “الإسراع في إنجاز القاعدة الدستورية الخاصة بالانتخابات”، مؤكداً “الحاجة لوجود سلطة موحدة”، في إشارة إلى رفضه وجود حكومة الدبيبة التي تسيطر على عاصمة البلاد ومؤسساتها، وترفض تسليم مهامها إلا بعد الانتخابات.

ويسعى الدبيبة لإيجاد جسور للتوافق مع القائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر بهدف الإطاحة بمشروع صالح والمشري ومنع سيف الإسلام القذافي من دخول المعترك السياسي.

وفي هذا السياق، وجه الدبيبة عددا من قادة الميليشيات وهم غنيوة الككلي ومحمد بحرون وعبدالسلام زوبي ومحمود بن رجب وعبدالله الطرابلسي إلى العاصمة الأردنية عمّان للاجتماع بوفد من قيادة الجيش يتقدمه صدام حفتر الذي يمثّل والده في مثل هذه الحوارات، وكانت له عدة لقاءات مع إبراهيم الدبيبة الذي يعتبر مسؤول السياسات في حكومة الوحدة.

ويهدف الدبيبة إلى التوصل لصفقة مع الجنرال حفترتضمن إفشال المخطط الذي يقوده صالح والمشري، وإبقاء الوضع على ما هو عليه سياسيا، مع التعهد بتوفير التمويلات الضرورية للجيش، والعمل على السير بخطوات ثابتة في طريق توحيد المؤسسة العسكرية.

الدبيبة يدير شؤون الحكم  على أساس الاستمرار على كرسي رئاسة الحكومة إلى  أجل غير مسمى
الدبيبة يدير شؤون الحكم على أساس الاستمرار على كرسي رئاسة الحكومة إلى أجل غير مسمى

وأعطى الدبيبة الذي يدير بنفسه حقيبة الدفاع إلى جانب رئاسة مجلس الوزراء، سلطات واسعة لوزير الداخلية المكلف عماد الطرابلسي، فيما قالت المصادر إنهما يجتمعان بشكل يومي لتحديد الأولويات الأمنية الضامنة لبقاء الحكومة الحالية في مركز القرار.

وفي السادس من نوفمبر الماضي، قرر الدبيبة تكليف وكيل وزارة الداخلية عماد الطرابلسي بتسيير مهام وزارة الداخلية مؤقتا، ما اعتبره مراقبون محليون محاولة لتحقيق التوازنات القبلية والمناطقية وكسب ود ميليشيات الزنتان والساحل الغربي وربطها بتحالف الميليشيات الموالية للحكومة المنتهية ولايتها، لاسيما بعد إحباط محاولات ميدانية قادها في أغسطس الماضي الآمر السابق للمنطقة الغربية وآمر إدارة الاستخبارات العسكرية المقال أسامة الجويلي لمساعدة رئيس الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب فتحي باشاغا لدخول العاصمة طرابلس.

وبحسب المراقبين، فإن الطرابلسي والجويلي يتحدران من الزنتان التي تعتبر أبرز المدن المسلحة بغرب البلاد بعد طرابلس ومصراتة والزاوية، ولكلّ منها هناك قوى ميليشياوية واجتماعية داعمة. وقد اختار الدبيبة شق صفوف مسلحي الزنتان باستمالة الطرابلسي وتعيينه وزيرا للداخلية، ومنحه صلاحيات واسعة لعقد صفقات مع الميليشيات المنتشرة في المناطق الواقعة غربي العاصمة، وذلك بهدف قطع الطريق أمام أيّ محاولة للانتفاض على سلطة الأمر الواقع التي يمارسها.

وأبرزت أوساط مطلعة أن الطرابلسي أعد خطة لضمان ولاء ميليشيات المنطقة الغربية للحكومة المنتهية ولايتها، وأن الدبيبة وافق على تنفيذ كافة بنودها المتعلقة بالتمويل والتسليح وتوفير الغطاء السياسي والقانوني. وهو ما أكد عليه خلال زيارته الأسبوع الماضي لآمر ما يسمى “كتيبة 55 مشاة” معمر الضاوي، للاطمئنان على صحته بعد أن كان تعرض لاعتداء أثناء تواجده في شهر ديسمبر الماضي بمنطقة العوينة في تونس العاصمة، حيث حاولت مجموعة أشخاص يحملون أسلحة بيضاء وزجاجة بخاخ مخدر اختطافه، إلا أن الحراسات التي كانت ترافقه، تمكنت من إفشال المحاولة ومن القبض على الفاعلين وتسليمهم إلى الأمن التونسي.

وتعد الكتيبة 55 بقيادة معمر الضاوي من الجماعات المسلحة الموالية للحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب برئاسة باشاغا، لكن تحولات جدت خلال الفترة الماضية جعلت آمرها الضاوي يقترب من الدبيبة، ويزيد من بسط نفوذها على مناطق ورشفانة حيث اكتسب خلال الفترة الماضية “زعامة” جعلت منزله مقصدا للزوار والمهنئين بسلامته سواء من وفود الموظفين أو الطلبة أو الفعاليات القبلية وغيرها في مشهد يذكر بما كان يجري سابقا من زيارات لخيمة العقيد الراحل معمر القذافي.

ويرى متابعون للشأن الليبي أن حاجة الدبيبة للميليشيات خلال المرحلة الحالية والقادمة أعطاها حصانة تستفيد منها في الإمعان في ممارساتها الخارجة عن القانون، ومنها اقتحام المنازل وفرض الأتاوات على السكان كما يحدث في مدينة العجيلات، ما تسبب في اشتباكات دامية جدت الأسبوع الماضي.

حملة أمنية مكثفة
حملة أمنية مكثفة

وفي جنزور، غربي العاصمة، قالت عضو مجلس النواب سارة السويح إن مسلحين استهدفوا منزلها السبت والأحد الماضيين، وإن الهجومين أسفرا عن أضرار مادية جسيمة، وتم التواصل مع الجهات المختصة، ولا يوجد سبب لهذا الهجوم سوى ممارستها لعملها الديمقراطي ومواقفها كممثلة لناخبيها في مجلس النواب.

واعتبر مجلس النواب في بيان أن الحادثة جاءت على خلفية ممارسة النائب لعملها كممثلة لناخبيها في المجلس، مؤكداً أن مثل تلك الأعمال التي ينفذها خارجون عن القانون لن تثني أعضاء المجلس عن ممارسة عملهم النيابي، داعيا النائب العام باتخاذ الإجراءات القانونية حيال الواقعة.

وفي ظل عودة حالة الانفلات الأمني إلى الواجهة، تعرض شاب يقود سيارته في حي الأندلس إلى التصفية بسبع رصاصات اخترقت جسده دون التوصل إلى التعرف على هوية الجناة، فيما تم العثور على أحد موظفي الرقابة الإدارية قتيلا بعد إصابته بأعيرة نارية بالقرب من قاعة الشعب، بوسط العاصمة. وقد استنكرت هيئة الرقابة ما وصفته بالجريمة النكراء التي أودت بحياة موظفها كمال بديري واعتبرت أن الحادثة بمثابة ناقوس خطر يُقرَع مجددًا للفت أنظار الدولة ومؤسساتها الأمنية إلى ضبط الخارجين عن القانون ومعاقبتهم، مشددة على ضرورة فرض القانون والمجاهرة به حفاظًا على أمن البلاد واستقرارها، ومنبهةً بأن الجريمة لا علاقة لها بمجال عمل الهيئة وفق قانونها.

وكانت مدينة الزاوية قد شهدت قبل أيام فاجعة كبرى، عندما أصابت نيران طائشة أطلقتها أسلحة الميليشيات أسرة المواطن الليبي سالم صالح عبدالمولى، فقتلت رب الأسرة في الحال هو وزوجته، وأصابت أبناءه بإصابات بالغة لتعكس ما يعيشه الشعب الليبي في غرب البلاد.

ويخشى أغلب سكان العاصمة وضواحيها من اتجاه الدبيبة لإطلاق أيادي الميليشيات بشكل غير مسبوق ضمن صفقة يضمن بها ولاءها ووقوفها إلى جانبه في مواجهته مع منافسيه وخصومه السياسيين وفي صراعه المفتوح للبقاء في الحكم.

7