تأمين المصالح يطغى على الانخراط الأميركي في ليبيا

تعكس اللقاءات الأمنية التي عقدتها القيادة الأميركية في أفريقيا مؤخرا بطرفي الحكم في ليبيا (طرابلس – بنغازي) أولويات واشنطن في الساحة الليبية. ولا تبدو جهود حل الأزمة الليبية على رأس قائمة الأولويات.
تتحرك الولايات المتحدة بقوة في اتجاه تكريس نفوذها وتأمين مصالحها في ليبيا في ظل منافسة حادة مع روسيا، وتعمل على أن تكون مواقفها أكثر واقعية وفاعلية في التعامل مع خصوصيات المشهد الليبي عبر ربط جسور التواصل وفتح أبواب الحوار مع الفرقاء الأساسيين.
والسبت الماضي، أعلنت القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) أن جون دبليو برينان، نائب القائد والجنرال روز كرافوري، مديرة الاستخبارات في القيادة، التقيا بالقادة الليبيين لتعزيز التعاون الأمني.
وقالت القيادة إن الوفد التقى بمسؤولين من حكومة الوحدة الوطنية والجيش الوطني الليبي في طرابلس وبنغازي وسرت لمناقشة سبل تعزيز التعاون وتعزيز الاستقرار الإقليمي، وإن الاجتماعات أظهرت التزاما بالمزيد من جهود التوحيد العسكري والتعاون، مع الإعراب القادة من كلا الجانبين عن رغبتهم في العمل معا للتغلب على الانقسامات وتعزيز الوحدة الوطنية.
وبحسب البيان، فإن الوفد العسكري الأميركي لاحظ أن ليبيا أقوى وأكثر توحيدا أفضل للأمن الإقليمي، وتابع “نتطلع إلى البناء على الأنشطة والاستثمارات الدفاعية القائمة التي تتجه نحو أهدافنا المشتركة المتمثلة في ليبيا آمنة ومزدهرة.”
ورأت أوساط ليبية أن الوفد الأميركي عقد اجتماعات مهمة مع طرفي النزاع في غرب وشرق ليبيا، كما أدى زيارات ميدانية غير مسبوقة، وعمل على تأكيد اهتمام واشنطن بالعلاقات مع مختلف القوى الليبية الفاعلة، وذلك بهدف قطع الطريق أمام النفوذ الروسي.
واشنطن أضحت تساوي بين سلطتي طرابلس وبنغازي في نظرتها للواقع الليبي، وهي تمد يديها لطرفي النزاع
وردت الأوساط سبب زيارة الوفد الأميركي إلى تنامي الحضور العسكري الروسي في شرق وجنوب ليبيا، لاسيما في ظل التحولات الإستراتيجية والجوسياسية المهمة التي تشهدها منطقتا شرق المتوسط وغرب أفريقيا.
وأشارت الأوساط إلى أن واشنطن وحلفاءها الغربيين متوجسون من نقل موسكو قاعدتها العسكرية البحرية من طرطوس السورية إلى مدينة طبرق، وذلك لعدة اعتبارات من بينها العلاقات المتميزة بين روسيا وسلطات شرق ليبيا.
وبحسب الأوساط، فإن واشنطن أضحت تساوي بين طرابلس وبنغازي في نظرتها للواقع الليبي، وهي تمد يديها لطرفي النزاع وفق ما يساعدها على تأمين مصالحها في معركتها لمواجهة المد الروسي في ليبيا والمنطقة.
وتحدثت تقارير أميركية عن توجه روسيا مؤخرا نحو قاعدة معطن السارة الجوية المهجورة في جنوب ليبيا، والتي تعتبر موقعا إستراتيجيا في المنطقة، مشيرة إلى أن الأقمار الاصطناعية رصدت بالفعل تحركات روسية حيث أظهرت عمليات تأهيل واسعة للمدارج الرئيسية التي غطتها الكثبان الرملية، بالإضافة إلى تطوير منطقة تجميع الطائرات غرب المدرج، وذلك خلال الفترة بين السادس والحادي عشر من يناير الماضي.
وبحث الوفد مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة أوجه التعاون العسكري بين البلدين وسبل تعزيز الشراكة في مجالات التدريب ورفع كفاءة القوات، كما تناول “مستجدات الوضع الأمني في أفريقيا، والتحديات الإقليمية المرتبطة بمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وآليات تنسيق الجهود المشتركة لمواجهة التهديدات الأمنية التي تواجه المنطقة”.
ونقل مصدر حكومي ليبي عن الدبيبة تأكيده “أهمية استمرار التعاون العسكري مع الجانب الأميركي، والاستفادة من الخبرات الدولية في تطوير المؤسسة العسكرية الليبية، بما يعزز قدراتها في حفظ الأمن والاستقرار.”
ويعتبر الدبيبة نفسه حليفا موثوقا للولايات المتحدة، لكن أطرافا إقليمية ترى أنه يتخذ مواقفه من خلال نزعة براغماتية واضحة بحيث يسعى لضمان الحصول على الدعم من مختلف القوى الدولية الفاعلة بما في ذلك روسيا.
وفي مقر القيادة العامة للجيش بمنطقة الرجمة في بنغازي، أجرى الوفد لقاء مع القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر الذي أكد خلال اللقاء على أهمية دور الولايات المتحدة في حل الأزمة الليبية، فيما أعرب برينان عن تقديره للجهود التي تبذلها القوات المُسلحة في ترسيخ الأمن والاستقرار، ومكافحة الإرهـاب، والتطرف وأهميتها في تحقيق الاستقرار الإقليمي.
كما ناقش الوفد الأميركي مع رئيس أركان القوات البرية الفريق صدام حفتر توسيع التعاون الأمني بين الولايات المتحدة وليبيا، وسبل دعم جهود إعادة توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية في البلاد.
وأجرى وفد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، أول زيارة إلى سرت ومقر اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 في المدينة.
ويرى مراقبون أن الموقف الأميركي يهدف إلى الارتباط بعلاقات قوية ووطيدة مع فريقي السلطة في طرابلس وبنغازي انطلاقا من الإقرار بالأمر الواقع الذي فرضته معطيات الانقسام السياسي، وأن ما يهم واشنطن حاليا هو تأمين مصالحها قبل حل الأزمة الليبية.
وكان لافتا أن ليبيا شهدت بالتزامن مع الحراك الأميركي حراكا بريطانيا من خلال وفد رفيع المستوى برئاسة نائب رئيس الأركان العامة للدفاع البريطانية، الفريق أول هارفي سميث، وسفير المملكة المتحدة لدى ليبيا مارتن أندرو، والوفد المرافق لهما، ناقش مع المشير خليفة حفتر سبل تعزيز التعاون والتنسيق بين القيادة العامة للجيش الليبي ورئاسة الأركان العامة البريطانية، بما يخدم المصالح المشتركة بين البلدين.
كما بحث الوفد البريطاني مع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي “أوجه التعاون الأمني والعسكري المشترك بين ليبيا وبريطانيا، والعمل على دعم المؤسسة العسكرية، وتوحيد الجهود لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة”.
وأكد الدبيبة “أهمية تعزيز الشراكة مع المملكة المتحدة في المجال العسكري، بهدف رفع كفاءة المؤسسات الليبية”، وقال مكتبه الإعلامي “إن مقابلته مع الوفد العسكري البريطاني تطرقت إلى تعزيز التعاون العسكري بين ليبيا والمملكة المتحدة، ودعم وبناء القدرات العسكرية الليبية، والتعاون في مجالات التدريب.”
ويشير محللون إلى أن تزامن التحركات الأميركية والبريطانية يؤكد وجود تنسيق بينهما في العمل على إعادة قراءة تفاصيل المشهد الليبي لتحديد موقف مشترك خلال المرحلة القادمة يصب في اتجاه حلحلة الأزمة من دون تكريس الدور الروسي الذي لا يمكن تجاهله.