تأجيل الانتخابات الإثيوبية وقود المعارضة للتسخين السياسي

وافق البرلمان الإثيوبي، الأربعاء، على خطة لإبقاء رئيس الوزراء آبي أحمد في منصبه بعد أن أجبرت جائحة كورونا السلطات على تأجيل الانتخابات المقررة في أغسطس القادم، ومن شأن هذه الخطوة التي اتخذها المجلس الفيدرالي، أن تثير غضب زعماء المعارضة الذين سبق أن اتهموا آبي باستغلال الوباء والخلافات الخارجية لإطالة فترة حكمه، فيما يحذر محللون من احتجاجات وأزمة سياسية مرتقبة.
غطت الأحداث الخارجية على كثير من تفاصيل المشهد الحاصل في إثيوبيا وتفاعلاته السياسية، وبدت الأزمة مع مصر حول سد النهضة كأنها القضية الوحيدة التي تنشغل بها إثيوبيا. وجاء التوتر على الحدود مع السودان ودخوله على خط مناوشات ملف المياه مع القاهرة في المواجهة ليضفي أبعادا متشابكة، ويضع رئيس الحكومة الإثيوبية آبي أحمد في بؤرة تطورات إقليمية عاصفة، لم تمهل البعض التمعن في ما يجري على صعيد التجاذبات المحلية، والتي تصاعدت خلال الأيام الماضية بعد تأجيل الانتخابات العامة رسميا.
تبدو العلاقة بين الجانبين غير منفصلة في الواقع، حيث يسعى آبي أحمد إلى توظيف الخلافات الخارجية لتمتين جبهته الداخلية، وتوحيد الصفوف ضمن منظومة وطنية واحدة، قادرة على أن تكون بعيدة عن الاستقطابات التي تقوم بها المعارضة للتأكيد على فشله في الوفاء بكثير من الاستحقاقات الداخلية، السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، ولذلك تحوّل سد النهضة من قضية تنموية بامتياز إلى نقطة ارتكاز سياسية تعول عليها الحكومة في مواجهة الانتقادات السابقة، وتحوّل إلى إطار جامع للقوى المتصارعة على السلطة.
منح هذا البعد أفضلية داخلية لآبي أحمد، وجعله أشد تمسكا بعدم تقديم تنازلات حتى لو كانت تتسق مع القوانين الدولية، خوفا من أن تستغل ذلك المعارضة في المعركة المحتدمة بينهما وتصوره كمن يتنازل عن جزء من الحقوق الوطنية، ما جعل الحكومة أكثر تشددا في التعامل مع القضايا الإقليمية، فأصبحت بين فكي رحى، مشاكل خارجية متصاعدة ومفتوحة على كل الاحتمالات، وأخرى داخلية وعرة يمكن أن تؤثر على مستقبل رئيسها السياسي.
أصبح الهروب إلى الخارج من أزمات الداخل من سمات الحكومة الإثيوبية، وتحاول تكثيف الأضواء على التوترات الإقليمية، على اعتبار أنها مستهدفة ولا أحد يريد لها النجاح، ومن الضروري التكاتف خلفها، ما يفسر الإصرار على عد التنازل عن خيار تأجيل الانتخابات، وضرب عرض الحائط بتحذيرات لوحت بأن الخطوة سوف تجلب نزاعات داخلية كثيرة.
ووافق المجلس الاتحادي الفدرالي، الأربعاء، على استمرار آبي أحمد في منصبه بعد يومين من استقالة رئيسة المجلس الأعلى في البرلمان، المعارضة خيرية إبراهيم، لأنها لا تريد أن تكون “متعاونة مع نظام يتطور إلى الدكتاتورية”، واحتجاجا على تأجيل الانتخابات المقررة في أغسطس المقبل، لنحو تسعة أشهر إلى عام، لحين أن تؤكد منظمة الصحة العالمية أن فايروس كورونا لا يمثل قلقا على المواطنين.
انتخابات بلا تنافسية
الاحتجاجات في بلد يتشكل من موزاييك سياسي وعرقي متشعب مرشحة لأن تتسع ولن تقتصر على إقليم بعينه
أصبح قرار استمرار الحكومة والبرلمان وحكومات الأقاليم من خلال تفسير دستوري يحظى برفض المعارضة التي تعتبره تطورا في الاتجاه العكسي، من الألغام، أو التحديات المفصلية التي تواجه السلطة الحاكمة في أديس أبابا، لأنها تعاملت مع الموقف بطريقة تحافظ على مصالحها المباشرة فقط دون النظر إلى تأثيرات الخطوة على البلاد ونسيجها الوطني.
يرى مراقبون، أن الاحتجاجات في بلد يتشكل من موزاييك سياسي وعرقي متشعب مرشحة لأن تتسع ولن تقتصر على إقليم بعينه، وربما تجرف معها جانبا من المكاسب الطفيفة التي تحققت، بعد أن كانت الطموحات كبيرة لاستعادة التوافق، غير أن الإجراءات الأحادية التي اتخذتها الحكومة أدت إلى تفجير مشكلات كامنة، كان يمكن تلافيها بقدر من الحكمة السياسية التي تراعي مطالب كل إقليم، وتمنع عنه التفكير في تقرير المصير بعيدا عن الدولة الموحدة.
في هذه الأجواء، من الممكن أن تصبح مقاطعة المعارضة للانتخابات أزمة، حيث تتلاشى التنافسية، وتتزايد وتيرة عدم الاستقرار السياسي، ويتم تقويض النظام الدستوري، وإقامة الحجة على فشل التحول الديمقراطي الذي بشّر به آبي أحمد منذ عامين، عندما صعد إلى السلطة بعد احتجاجات شعبية ضد دكتاتورية الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي الحاكمة، والتي حلها واستبدلها بحزب “الإزدهار” الذي يواجه انتقادات منذ بزوغه، ولم تمكنه حداثة عهده من التعامل جيدا مع التحديات التي تمثلها المعارضة.
تلتحف المعارضة في إثيوبيا بمكونات مناطقية مع أخرى سياسية، ما يجعل موقف آبي أحمد صعبا، والذي كان يعوّل على تحقيق إنجازات ملموسة تعينه على فرض قبضته السياسية كزعيم ليبرالي يستطيع توحيد الشعوب الإثيوبية، غير أن الإخفاقات التي يواجهها خفضّت سقف الرهانات عليه، ووفرت ذريعة أمام المعارضة لتوسيع نطاق الرفض، على أمل تصويب تحركاته السياسية، أو سقوطه في فخ التناقضات بعد تأجيل الانتخابات.
وأصدرت ثلاثة أحزاب معارضة، إثنان من إقليم أوروميا، والثالث من إقليم الأوغادين، رفضا لتأجيل الانتخابات ووصفت التمديد بأنه “غير دستوري ويتنافى مع المبادىء الديمقراطية”، ووجدت الخطوة أصداء لدى دول غربية كانت ترى أن آبي أحمد نموذجا واعدا للحكم الرشيد في أفريقيا، الأمر الذي يشي بعدم استبعاد تغيير آليات التعامل معه، وانتقالها من مربع المساعدات الاقتصادية والتعاون على أصعدة أخرى لمربع يقوي شوكة المعارضة الداخلية.
جذب آبي أحمد، الحائز على جائزة نوبل للسلام العام الماضي، الأنظار الغربية إليه، وجرى التعويل عليه في الخروج بإثيوبيا إلى بر الأمان، وتعظيم دورها كرمانة ميزان على صعيدي السلام والتنمية في منطقة القرن الأفريقي.
جاذبية ثم تراجع
أوحت تحركاته الإيجابية على المستوى الإقليمي بأنه قادر على القيام بهذه الوظيفة، وفي ظل استمرار ملامح الفشل سوف تتراجع أسهمه، الأمر الذي يسعى معارضوه إلى الاستفادة منه لرفع الدعم السياسي الخارجي عنه، فقد أقدم على واحدة من الخطوات الديمقراطية التي يعتبرها الغرب انتهاكا صارخا وبدون سند دستوري حقيقي.
فتح تأجيل الانتخابات نزاعات عميقة مع بعض الأقاليم الإثيوبية، الرافضة لتصورات رئيس الحكومة، حيث تنزع عنها الخطوة بعض خياراتها السياسية المؤجلة، وتجبرها على التعامل بخشونة مع الموقف العام، أو تبني إجراءات عكس إرادة فكرة التأجيل، فإقليم تيغراي قرر المضي في الانتخابات وهو غير مكترث بخطوة مجلس التحقيق الدستوري المتعلقة بالتمديد.
رصد تقرير السلام والأمن الصادر عن معهد دراسات السلام والأمن بجامعة أديس أبابا بإثيوبيا (IPSS)، الصادر في مايو الماضي، أسباب الصراع في إثيوبيا، وأرجعه إلى عدم المساواة الاقتصادية بين الأقاليم وبطالة الشباب، على الرغم من النمو الاقتصادي والنجاح النسبي في الحد من الفقر خلال العقدين الماضيين، كما أن النزاع حول الهيكل الاتحادي يزعزع الاستقرار بين الجماعات الإثنية، ويفتح الباب لتوترات داخلية مختلفة، ناهيك عن العوامل الأمنية العابرة للحدود والجغرافيا السياسية.
يتباين الفاعلون في المشهد بين القوى السياسية والأحزاب المهيمنة والحكومة الاتحادية، وما يسمى بوكالات إنفاذ القانون وحفظ النظام، أو قوات الأمن الإقليمية، والجيش من أقوى المؤسسات لصون السيادة الوطنية والأمن.
تضع هذه القوى مستقبل آبي أحمد على المحك، وتجعل الخيارات أمامه محكومة بتوازنات دقيقة ومدى قدرته على إدارة المشهد المعقد، أو التراجع للخلف عن خطوة تأجيل الانتخابات، لأن انتهاء مدة البرلمان في أكتوبر المقبل يمكن أن يصطحب معه تطورات أشد سخونة.
مدت الحكومة للمعارضة البندقية التي تمكنها من شد الأجزاء القوية التي ترتكن عليها، وهي الصورة الديمقراطية واحترام الاستحقاقات الانتخابية، ومنحتها قوة جديدة تفرض عليها التلاحم وتجاهل الفواصل كي تتراجع الحساسيات المناطقية والقبائلية المعروفة، ومواجهة خصم واحد والتركيز على هدف إسقاطه، ما يؤدي إلى تهدئة الأزمات الداخلية أو تحويلها إلى مأزق أشد صعوبة.