بين عسكرة أطفال فلسطين.. وسلميتهم

دائما ما يرافق رد الفعل المسلح الفلسطيني خاصة بعد انتهاء انتفاضة الأقصى عام 2000، حالة ابتهاج تعم الشعوب العربية. وعندما توغلت وسائل التواصل الاجتماعي وغزت حياتنا، أصبحنا نتلمّس هذه الحالة من خلال ما تتسابق عليه الجموع العربية من أجل تأييد هذه الأفعال المسلحة الانتقامية ضد المحتل ذي الصبغة الإرهابية وصاحب الإمكانيات المادية والعسكرية والتكنولوجية.
وبشكل مباشر أطرح سؤالا واقعيا: هل أفلس الشعب الفلسطيني عن إنتاج مناهج جديدة لمقاومة الاحتلال، وأصبح يعتمد على أطفال لتحقيق أهداف انتقامية لا تخدم المشروع السياسي والوطني الفلسطيني. وهل انجرت الفصائل ليقودها الشارع الفلسطيني بأهوائه وأمزجته غير المنطقية في الكثير من الأحيان بحثا عن شعبية أو استمرار لذكر اسم بعضها في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي؟
◙ السلمية المطلوبة اليوم أمام عدو لا يعرف الرحمة ولا يحترم حقوق الشعب الفلسطيني ليست ضعفا أو هوادة، بل عقلانية مارستها الشعوب الناضجة عبر التاريخ
من الطبيعي أن تتأثر شرائح المجتمع الفلسطيني الذي يعاني صمت العالم وخنوعه أمام جبروت وظلم الاحتلال بحالة التأييد والابتهاج التي أصبحت سمة الشعوب العربية التي لا تفعل شيئا، لكن بالحقيقة أن هذه الأفعال المسلحة والتي يطلق عليها اسم عمليات مقاومة، والتي تتسم بفردية الطابع وعشوائية الهدف، لا تؤسس لحالة نضالية ثورية تخدم القضية الفلسطينية بالمجمل بل تساهم بزيادة حالة عدم التوازن في المنظور العسكري بين دولة احتلال لها جيش يعتبر من أقوى الجيوش في المنطقة وبين شعب أعزل لا يملك إلا سلاح من النوع الخفيف يُعتبر لا شيء أمام أنظمة التسليح لهذا الكيان، ولا تشكل أي تهديد حقيقي له، والذي شرع مؤخرا، خاصة بعد عملية القدس والتي قام بها شاب فلسطيني، بتسريع وتيرة تسليح مواطنيه ومستوطنيه، كقرار انتقامي يبرع به قادة هذا الكيان في سبيل أن يصبح الفلسطيني هدفا لكل إسرائيلي خائف لو أن ريحا مرت من أمامه.
ولكي يكون ما أقوله واضحا، ولا يتم تأويله حسب وجهات نظر أصحاب الشعارات الحنجرية الغوغائية؛ فإن الشعب الفلسطيني اليوم ليس بحاجة لعمل مسلح ذي طابع فردي عشوائي ليفرح به ناشطين على صفحات السوشيال ميديا، بل يحتاج لعمل ضمن منظومة إستراتيجية متكاملة تشترك بها مؤسسات السلطة ومنظمة التحرير من جهة والشعب والفصائل الفلسطينية من جهة أخرى، لتصب وتخدم الهدف الأسمى بإنهاء الاحتلال.. وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
عسكرة الشعب الفلسطيني الأعزل من خلال مقاومته أو إظهاره بمظهر القوة الموازية لإمكانيات الاحتلال العسكرية أو التكنولوجية أو الاقتصادية إرضاء لقوى سياسية إقليمية أو خدمة لأيديولوجيات في المنطقة عبر برامج ذات مغزى سياسي، لا يمكن أن ترجّح كفة ميزان القوة العسكرية لصالحه في الوضع الحالي، أو أن تنهي الاحتلال الذي يدفع الآن عبر منظوماته الأمنية لمواجهات عسكرية عنيفة يحقق منها فرض حقائق جديدة على أرض الواقع لإرضاء جموع اليمين المتطرف الذي تنتمي له الحكومة الحالية. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى هربا من التصدّعات الداخلية، فالشارع الإسرائيلي اليوم منقسم، والاحتلال كأي نظام فاشي يبحث عن جهة خارجية يفرغ بها أزماته الداخلية من خلال العنف الدموي ضد الشعب الفلسطيني.
◙ من الطبيعي أن تتأثر شرائح المجتمع الفلسطيني الذي يعاني صمت العالم وخنوعه أمام جبروت وظلم الاحتلال بحالة التأييد والابتهاج التي أصبحت سمة الشعوب العربية التي لا تفعل شيئا
أكرر، الحكومة اليمينية المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو، حكومة مأزومة داخليا، ستلجأ إلى تصعيد العنف الموجه ضد الشعب الفلسطيني، هربا من انهيارها ولتحسين صورتها أمام الشارع الإسرائيلي معتمدة على ردات الفعل الفلسطيني في تبرير عدوانها أمام المجتمع الدولي، لذلك لا بد من إعادة إنتاج نماذج مقاومة الشعب الفلسطيني بما يتلاءم مع طبيعة المرحلة الحالية، وهنا أطرح نموذج التجربة الهندية في إنهاء الاحتلال البريطاني، فالسلمية التي كانت منهجا لمقاومة الاحتلال البريطاني أنتجت التحرّر من قيوده وأدت إلى الاستقلال.
اليوم وبعد أن حققت نماذج المقاومة السلمية في العديد من القرى والمدن الفلسطينية؛ كنعلين وبعلين والخان الأحمر وكفر قدوم نتائج إيجابية في مواجهة الاحتلال وبتكلفة مقبولة. السلمية المطلوبة اليوم أمام عدو لا يعرف الرحمة ولا يحترم حقوق الشعب الفلسطيني ليست ضعفا أو هوادة، بل عقلانية مارستها الشعوب الناضجة عبر التاريخ، فالدين الإسلامي.. يمنع على المسلم قتل طفل أو شيخ أو امرأة من العدو بعكسه تماما الذي يُمعن بقتل أطفالنا وشيوخنا ونسائنا. فإن كان الإسلام يحث على ذلك فكيف بأطفال المسلمين وشيوخهم ونسائهم. فالأجدر أن لا نخسر المزيد من الشباب بدفعهم إلى الموت.. بل يجب إيجاد أفق سياسي وطني يمنحهم الأمل بحياة أفضل بعيدا عن ويلات الاحتلال ومآسيه.