بين الصورة والأصل.. فراغ

بين التطوّر والتحرّر والحفاظ على القيم الاجتماعية والإنسانية في مجتمع ما، نقطة فاصلة، نقطة عبور قد تبدو للناظر إليها، هذا إن رآها واستطاع تمييزها عن النقاط الأخرى، نقطة نهائية ليس بعدها سوى الفوضى والفراغ.
وبين الصورة والأصل مسافة واضحة لا نقاط تملؤها ولا تفاصيل تحدّد هوية حاملها، أما الواقع والخيال فبينهما علاقة ودّ تصوّرها الدراما والإطلالات الإعلامية بشكل مغاير ومختلف كليا عن الواقع، ولكن التصوير يأتي أحيانا متقنا لدرجة يبدو فيها للمشاهد أنها الحقيقة والصورة المطابقة للواقع.
مما لا شك فيه، أن المرأة بشكل عام، واللبنانية بشكل خاص، قد استطاعت في السنوات الأخيرة الانتقال بشكل واضح إلى مرحلة مميزة من تاريخ نضالها الذي حاولت من خلاله العبور إلى الضفة الأخرى من مجرى الاعتراف بها وبقدراتها ومقدرتها على إثبات وجودها، ولكن بقيت الصورة التي تُقدّم للعالم مختلفة في جوانب كثيرة عن الأصل.
المرأة التي نراها اليوم تطلّ عبر شاشات التلفزة كإعلامية تقدّم البرامج المنوّعة وتحاور كبار رجال السياسة والاقتصاد بموضوعية وثقافة وسعة اطلاع لا شائبة فيها، أو كممثلة تلعب دورا كتب لها، أو لسواها، وبرعت في أدائه حتى بدت وكأنها تروي قصتها هي من خلاله يبقى الفرق شاسعا بين الحقيقة وما نراه ونعتقد أنه الحقيقة.
فتلك التي تحاور نهارا وتبدو أكثر إلماما في أحايين كثيرة من ضيفها وحتى أكثر تمكّنا منه من المعلومة التي تناقشها، تتحوّل إلى أخرى لا تشبه ذاتها حين تُطفأ الكاميرات وتعود هي إلى عالمها الحقيقي.
إنها المحاورة الفذّة، مقدّمة البرامج، صاحبة الوجه الجميل والبسمة الدائمة، الناشطة المُطالبة برفع الظلم عنها، وفي الوقت عينه هي الصامتة الأزلية عن تلك الحقوق والمبادئ مقابل الحصول على صورة قد لا تشبهها بشيء.
صحيح أن المرأة اللبنانية استطاعت بعد جهد اقتحام مكان كان محظورا عليها حتى سنوات مضت، وتبوأت مناصب لم تكن تتوقع أنها قد تحصل عليها بهذه السرعة ولكنها، وللأسف، لم تستطع حتى اليوم نقل ما ربحته وراء الشاشة إلى عالمها الحقيقي، فهي تجيد التمثيل، تتقنه، تبرع في تقمّص أصعب الأدوار، ولكنها، وبالرغم من تخطيها العوائق والتحديات الاجتماعية والإنسانية لم تبارح مكانها في قاعات انتظار تسجنها ضمن حدود التمثيل.
وأخيرا، يمكن الإيجاز بأن المرأة اللبنانية لم تستطع حتى اليوم، حتى وإن لم يوافق البعض، أن توحّد بين عالمين تريدهما واحدا تحيا فيه وتثبت وجودها من خلاله. للأسف، هي لم ولن تقوَ على الخروج من قوقعة الضياع بين الصورة والأصل، طالما الفكر الذكوري هو سيد الموقف.