بين استقرار الاستبداد واستقرار الحرية

الخميس 2014/01/23

استطاع الاستبداد العربي التأثير على وعي المواطن العربي، وخلق لديه أفكارا، هي مجرد أوهام وخرافات، تم كشفها ميدانيا وسياسيا عبر ثورات الربيع العربي التي اندلعت ضد حقبة استبداد مقيتة دامت أكثر من أربعين عاما من ظلام الدكتاتورية وبؤس التوتاليتارية العسكرية والأمنية الساحقة لكل قيم الحرية والمواطنة وحقوق الإنسان.

لقد تذرع النظام الرسمي العربي بالاستقرار ومنَّ به على المواطن مشتريا بهذه النعمة صمته وخنوعه وقبوله لاستبداده وقمعه وغلق في وجهه كل منافذ الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ومفسحا المجال لنفسه بالتمدد ضمن نسيج المجتمع تدخلا سافرا وفظا وفسادا وإفسادا.

لكن هذا الاستقرار الذي كان يمنع المواطن من ممارسة حريته وحقوقه الحياتية المصانة عبر الشرائع الوضعية والسماوية كشفته الثورات العربية الراهنة وفضحت الأنظمة العربية التي كانت تتشدق به طيلة حقبة الاستبداد، وبينت أن لا استقرار مع القمع، ولا استقرار مع الدكتاتورية، وأن الاستقرار الحقيقي هو مع الديمقراطية وضمان حقوق الإنسان وحرية التعبير وحرية الصحافة. فالأنظمة الاستبدادية تتعامل مع مفهوم الاستقرار السياسي والاجتماعي بوصفه صنو الأمن، وأنه توأم القمع الذي لابد منه، ورفيق حجب الحريات.

وبموجب هذا الفهم الخاطئ للاستقرار، فإن هذه الأنظمة عندما تتعرض لأي اختلال فإنها تتوجه إلى الحلول الأمنية والعسكرية، وعندما تستفحل الأزمة وتصل درجات قصوى كما الثورات العربية، فإن هذه الأنظمة تزجّ بالجيش الذي أسس للدفاع عن الشعب والمجتمع ومؤسسات الدولة وليس قمع الشعب وكسر أرادته لتحقيق الأمن، وهي لا تفكر في الأسباب الحقيقية العميقة لأية عملية اختلال أمني، لكنها تزيد من الجرعات الأمنية متصورة أن غياب الاستقرار أو تعرضه لهزة ما، هو جراء تراخي الأمن وليس بفعل عوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية متعددة.

وهذا يفسر حالة الخوف والهلع لدى النخب السياسية الحاكمة من الحرية ونشر مبادئها وآليات ممارستها في البيئة الاجتماعية، وهي بذلك تضع الحرية وحقوق الإنسان مقابل الاستقرار بصورة متضادة ومتناقضة، وكأن الاستقرار نقيض الحرية وعدوها.

ولذلك فإن الدول التي تمارس القمع وتغيب لديها مناخات الممارسة الديمقراطية هي نفس الدول التي تتعرض إلى أزمات سياسية واقتصادية وتعيش الصراعات والمنازعات والاضطرابات الاجتماعية والسياسية، كنتيجة طبيعية لغياب معنى الاستقرار السياسي والاجتماعي الحقيقي. الاستبداد يوقف التناقضات الأفقية والعمودية (الطبقية والدينية والمذهبية والعشائرية) لكن بصورة مؤقتة وتبقى عوامل تفجرها نائمة تنتظر فتيل الاشتعال.

الدولة الديمقراطية تسمح لجميع المكونات القومية والاجتماعية والدينية بالتنفس، وحتى إنها تتصارع لكنها تصل إلى قناعة بضرورة الحوار للوصول إلى حلول مشتركة ضمن الدولة الواحدة.


كاتب سوري

9