بين أطفال درعا وطفل داريا

الجمعة 2015/07/03

بعد أربع سنوات ونصف السنة على اعتقال حمزة الخطيب ورفاقه من أطفال مدينة درعا والتنكيل بهم والتمثيل بجثثهم على أيدي أجهزة الأمن السورية بسبب ما خطته أناملهم من عبارات على جدران مدرستهم، يعمد جنود الجيش الأسدي إلى التنكيل بأحد الأطفال السوريين على أحد حواجزهم، ويسومونه سوء العذاب حتى القتل بأيديهم وبكل وحشية لسبب مشابه.

فبينما كان أحد الأطفال يمر بحاجز للقوات الأسدية قام الجنود بتفتيشه فعثروا معه على هاتف محمول اكتشفوا أنه يحمل نغمة “قاشوشية”، فمـارسوا كل ما زرعه فيهم نظام الأسد من حقد وسادية على الجسد النحيل الطري حتى أجهزوا عليه بأيديهم.

المقطع المصور الذي تداوله الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي الذي يحكي تلك الجريمة، وُجد على الهاتف المحمول لأحد هؤلاء الجنود كان قد وقع في قبضة عناصر من المعارضة المسلحة في المعارك الدائرة على أطراف بلدة داريا. هذا المقطع لا يزال يؤرقني، كما أنني أظن أنه سيؤرق كل من يشاهده مهما كانت خلفيته السياسية أو موقعه. فكيف لجنود أن يمارسوا هذا الفعل الوحشي ولماذا؟ وما هي العوامل النفسية التي زرعها فيهم نظام الأسد فمكنتهم من ارتكاب تلك الجريمة البشعة؟ وما هو الخطر الكبير الذي كان يتهددهم من طفل لا يتجاوز الرابعة عشرة من عمره؟

هذا المقطع، الذي تجرأتُ على مشاهدة بضعة ثوان منه لم يفارق بصري ولا بصيرتي، ولست مُدّعيا لو قلت إنني منذ ذلك الوقت فقدت الكثير من القدرة على التركيز وعلى اختيار المواضيع وعلى الكتابة. لم أكن أبدا في وارد أن أكتب عن هذا الموضوع. ولكني وجدتني مدفوعا لذلك دون تخطيط مسبق.

لقد لخص هؤلاء الجنود في تعذيبهم وقتلهم لذلك الطفل مجمل ما جرى ولا يزال يجري على الأرض السورية بين شعب أراد الحياة، الحياة الإنسانية الكريمة، وبين نظام لا يرى في العالم ما يستحق الوجود إلا سيطرته وسطوته، فأقام لنفسه دوائر أمان متمركزة حوله من أجهزة أمنية وعسكرية تربت على الحقد والعداء للناس وللحياة، لم ينج منها إلا من سارع إلى تركه والانخراط في الجيش الحر ليتخلص من هذه اللوثة/ اللعنة، وليحاول أن يحمي أهله من هذا الوحش الدموي الهائج، الجيش الحر الذي تعرض لكل أشكال الحصار من كل قوى العالم من أجل تفكيكه وإلحاقه بقوى ظلامية زرعت في خندق الثورة لتخدم أجندات معادية لأهدافها. كما أقام لنفسه حلقات أمان خارجية من تحالفات حيوية مع أكثر أنظمة العالم فاشية ودموية. فكما ابتدأت حرب النظام على الشعب من خلال قتل أطفال درعا، ها هو يكملها بقتل طفل داريا بالطريقة نفسها. وكم من الأطفال قد أزهق ربيعهم بطرق وأشكال مختلفة!

بين تعذيب أطفال درعا وقتلهم، وتعذيب طفل داريا وقتله تتلخص حكاية الثورة السورية والشعب السوري مع نظام الأسد: أربع سنوات ونصف السنة من القتل، القتل بمختلف الأدوات والطرق. المجازر التي تساوت بها كل المدن والأحياء والمناطق، البراميل التي ألقيت بكل دم بارد على المدنيين، تدمير المدارس والأفران والمشافي على من فيها، وتحويل تلك التي ظلت تحت سيطرته إلى معتقلات تمارس فيها كل أشكال التعذيب.

اقتلاع البشر من حياتهم، من مدنهم، من قرى وبيوت كانوا سيبقون فيها حتى لو أصبحت ركاما، تواطؤ مع كل حثالات الأرض ودواعشها ومع كل قوى الهيمنة والمصالح الكبرى التي لا تعنيها الشعوب ولا معاناتها ولا تفهم ولا تريد أن تفهم معنى الحرية ومعنى الطفولة ومعنى الحياة، الحياة التي لابد أن تتفتح وتخرج من بين الركام، في داريا وفي درعا، في منبج وفي الغوطة وفي الرقة وفي حمص وفي حلب، وفي كل زاوية من زوايا سوريا مهما تكالب الأعداء وتغولت قوى الظلام.

كاتب لبناني

9