بيروت تاريخ مشرق لم تكسره المحن والنكبات طيلة قرون

بيروت- تعرضت العاصمة اللبنانية بيروت عبر تاريخها القديم والحديث، لكوارث ومحن ونكبات عديدة، ومع ذلك ظل تاريخ هذه المدينة مع اقتراب مئوية تأسيس دولة لبنان الأولى مشرقا رغم نكبة انفجار المرفأ التي اعتبرها المؤرخون الأكثر إيلاما لها.
وسبق أن تعرضت بيروت لزلازل وحروب واغتيالات واحتلالات، بداية من الزلازل الكبيرة، التي ضربتها في القرن السادس بعد الميلاد، مرورا بالاحتلال الإسرائيلي والحرب الأهلية، وصولا إلى اغتيال رفيق الحريري، وبعده انفجار المرفأ.
وفق المؤرخ اللبناني، الدكتور حسان حلاق، فإن هذه ليست المرة الأولى التي يتدمر فيها مرفأ بيروت حيث أكد خلال مقابلة مع وكالة الأناضول أن المرفأ تعرض لقصف من الأسطول الإيطالي خلال احتلاله العاصمة الليبية طرابلس في أعقاب توجه أكثر من 300 شاب لبناني لمساعدة قوة الدولة العثمانية في ليبيا في ثلاثينات القرن الماضي.
بيروت تعرضت على مر العصور لزلازل وحروب واغتيالات واحتلالات لكن كارثة المرفأ كانت الأسوأ
وقال “الأسطول الإيطالي قصف مرفأ بيروت، فدمره تدميرا شاملا، ودمر باخرة عسكرية تركية كانت موجودة تُعرف باسم عون الله، كما تضرر البنك العثماني قرب المرفأ، والفنادق التي كانت تُعرف باسم الخانات”.
وتعرضت بيروت لنكبات وكوارث، في مقدمتها الزلازل الشهيرة في القرن السادس بعد الميلاد حتى قبل الحكم العربي الإسلامي حيث كان لها سور وتعرضت لتسعة زلازل في سنوات مختلفة، ولذلك “البيارتة”، في إشارة إلى أهل بيروت، كانوا يتركون هذه المنطقة المعرضة باستمرار للزلازل.
وأردف حلاق بالقول “منذ تلك القرون إلى التاريخ الحديث والمعاصر تعرضت المدينة أيضا لزلازل، لكن ليست كالقديمة.. يذكر اللبنانيون و’البيارتة’ عندما تعرضت بيروت لزلزال كبير عام 1956، انهارت أبنية قديمة ومدارس وغيرها”.
وبحسب حلاق، فإن العاصمة اللبنانية من المدن التي تعرضت للغزو مرارا، منذ عهد الفراعنة والآشوريين والبابليين والأكاديين والفرس والرومان واليونان والدولة البيزنطية، الذين اجتاحوا بيروت، فعانت من ويلات تلك الموجات القادمة من الشرق والغرب.
وأوضح أن بيروت نعمت بهدوء واستقرار عند الفتوحات العربية والإسلامية، ثم تعرضت مجددا لكوارث في العصور الوسطى، عندما تم احتلال بلاد الشام وبيروت من جانب الحملات الصليبية، حيث عانت بيروت كثيرا في تلك الفترة.
كما مر على هذه المدينة، التي صارت إحدى أكثر المدن تداولا في وسائل الإعلام خلال الأيام القليلة الماضية، ظروف صحية مشابهة لليوم، حيث نعيش والعالم كله اليوم في ظل ظروف صحية جائحة كورونا.
وقال حلاق “في منتصف القرن التاسع عشر تعرضت لموجات الطاعون القادم من أوروبا ومناطق متعددة، وتم إنشاء ما عُرف بالكرنتينا، أي المحجر الصحي لمدة أربعين يوما، وتوفي الكثيرون جراء هذا المرض، وفي الحرب العالمية الأولى حصلت مجاعة في بيروت وبلاد الشام.
ومن الأحداث المهمة جدا في عهد الدولة العثمانية، وتحديدا عام 1888، هو إصدار السلطان عبدالحميد الثاني فرمانا بتحويل بيروت إلى ولاية، بعد أن كانت أحيانا تتبع دمشق وأحيانا طرابلس وأحيانا صيدا.
وبعد تلك الحقبة حصل الاحتلال الفرنسي للبنان عام 1918 حتى 1943، وبعد سنتين أعلن الجنرال غورو فصل لبنان عن سوريا، وتأسيس لبنان الكبير عام 1920، أي منذ مئة عام.
وفي مطلع سبتمبر 1920، أعلن الجنرال غورو دولة لبنان الكبير، بعد إعادة ترسيم الحدود بين البلاد، التي كانت خاضعة للحكم العثماني، وبينها سوريا ولبنان، معلنا بيروت عاصمة له، وتمثل علم الدولة آنذاك في العلم الفرنسي ووسطه شجرة الأرز اللبنانية.
وفي عام 1948، خلال عهد الرئيس بشارة الخوري، وبعد الخروج الفرنسي من لبنان، أثر قيام دولة إسرائيل على أراضٍ فلسطين، على بيروت بشكل كبير، وبقيت متأثرة لغاية اليوم، وخصوصا لغاية الحرب الأهلية بين 1975 و1990.
وخلال عهد الرئيس كميل شمعون حصلت في مايو 1958، ثورة بسبب سياسته مع الغرب، وكان ضد الوحدة بين مصر وسوريا والرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، ما جعل الشعب اللبناني يقوم بثورة، خصوصا أنه ظهرت بوادر على أن شمعون يريد أن يجدد لنفسه 6 سنوات أخرى في الرئاسة.
العاصمة اللبنانية من المدن التي تعرضت للغزو مرارا، منذ عهد الفراعنة والآشوريين والبابليين والأكاديين والفرس والرومان واليونان والدولة البيزنطية، الذين اجتاحوا بيروت
كما تأثرت بيروت بالعدوان الإسرائيلي على لبنان ومصر وسوريا، عام 1967، حيث حصل نزوح فلسطيني، وفي 1970 حصل نزوح فلسطيني من الأردن وبعض المناطق إلى بيروت وضواحيها، بحسب حلاق.
وتحت حجج وجود المقاومة الفلسطينية في بيروت، شنت إسرائيل في 1968 اعتداءات على مطار بيروت ودمرت طائرات لشركة طيران الشرق الأوسط اللبنانية وأصبح أسطولها مدمرا، بزعم أن هذا المطار ينتقل منه فدائيون إلى عواصم العالم لشن هجمات ضد سفارات إسرائيلية.
وخلال العام 1973 أتت قوات خاصة إسرائيلية من شواطئ البحر، ونفذت عمليات وتم اغتيال 3 من القيادات الفلسطينية المهمة جدا، هذا العنوان أثر مباشرة في بيروت ولبنان والعالم العربي، وأدى إلى استقالة رئيس الحكومة، صائب سلام.
ولكن انفجار مرفأ بيروت صدم سكان العاصمة حيث لم يشهده لبنان في تاريخه الحديث والمعاصر، وشكل زلزالا كارثيا دمر الكثير من المناطق البيروتية في شرقها وغربها.