"بيت من ألوان" سيرة فنان تبدأ من قصة حذاء

الأديب محمود شقير اتبع في روايته أسلوب السرد التشويقي مع الحفاظ على مسارها الأساسي وهو قصة الحب التي جمعت الفنان بزوجته.
الثلاثاء 2022/02/08
فنان بنى بيت ألوان لا تستطيع كل قوى العدوان هدمه

توصف الرواية أحيانا بأنها لوحة مرسومة بعناية من قبل كاتب ينتحل دور الرسام في التقاط التفاصيل، ليقوم بتظهيرها تاليا وتلبيسها لشخصياته؛ فعلاقة السرد بالرسم ليست جديدة ولا هي بغريبة، وهنا اختار الروائي الفلسطيني محمود شقير أن تكون روايته الجديدة سيرة لواحد من رواد الفن التشكيلي الفلسطيني والعربي.

رام الله (فلسطين)- يتناول الأديب الفلسطيني محمود شقير في روايته الجديدة بعنوان “بيت من ألوان” سيرة مواطنه الفنان إسماعيل شموط، الذي يعتبر من رواد الفن التشكيلي في فلسطين.

ويقول شقير في حديث له إن هذه الرواية “سيرة روائية عن الفنان الفلسطيني إسماعيل شموط وزوجته الفنانة تمام الأكحل”، مضيفا أنها تعتمد على جزيئات من كتاب “اليد تكتب والقلب يرسم” الذي صدر للفنانة الأكحل وتناولت فيه تجربتها وتجربة زوجها الراحل.

محمود شقير بنى السرد كله متناولا حذاء إسماعيل شموط

ويضيف أنه أراد تقديم كتاب الأكحل بصورة مبسطة للفتيات والفتيان، فكتب “بيت من ألوان” بعد أن أضاف إلى سيرتي شموط والأكحل تفاصيل كثيرة.

سرد تشويقي

يوضح شقير أنه بدأ السرد في روايته، الصادرة عن دار طباق للنشر والتوزيع، من لحظة إبعاد شموط عن مسقط رأسه مدينة اللد على أيدي سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ثم لجوئه إلى مدينة خان يونس في قطاع غزة وإقامته في المخيم بعد التهجير عام 1948.

ويشير الكاتب إلى أن الفنان تطوع في مدرسة للاجئين الفلسطينيين لتعليم الفتيان والفتيات فن الرسم، ومنحته إدارة المدرسة آنذاك حذاء بلونين؛ فردة بيضاء والأخرى زرقاء، ولإزالة الفروق بين الفردتين قام شموط بطلاء الفردة البيضاء باللون الأزرق، فإذا أمطرت السماء زال الطلاء وظهر اللون الأبيض إلى أن استطاع فيما بعد شراء حذاء ذي لون واحد.

وتابع شقير قائلا “من هذه المفارقة بنيت السرد كله متناولا حذاء شموط، واستعرضت في روايتي مجموعة من الأحذية، وعلاقات الناس بالأحذية عبر مجموعة من الحكايات”.

ومن هذه الحكايات حكاية فان غوخ الذي حصل على حذاء قديم ضيق فتركه ورسمه في لوحة باتت من أشهر اللوحات في العالم، وحكاية أولف ستارك، الروائي السويدي الذي زار فلسطين وكتب قصة للفتيات والفتيان عن جدار الفصل العنصري في فلسطين، وحكاية علي وزهراء، وهما طفلان من إيران؛ إذ كان علي يلبس الحذاء صباحا ذاهبا إلى مدرسته ويخلعه عند العودة لتلبسه أخته زهراء في الفترة المسائية عند ذهابها إلى مدرستها.

سيرة روائية لإسماعيل شموط الفنان الذي سكن وطنُه لوحاته

واتبع شقير أسلوب السرد التشويقي في روايته، مع الحفاظ على المسار الأساسي لها، المتمثل في قصة الحب التي جمعت إسماعيل شموط بتمام الأكحل بعد لقائهما في القاهرة واشتراكهما في معرض فني افتتحه الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر.

كما تتحدث الرواية عن علاقة شموط والأكحل بعدد من الأدباء والشعراء والرسامين الفلسطينيين مثل محمود درويش وناجي العلي، وتتضمن قصيدة للشاعر إبرهيم نصرالله يهجو فيها الأحذية ويتعاطف مع الحفاة الذين رسمهم ناجي العلي، ولعل شخصيته الشهيرة حنظلة أهم الحفاة. كما يتم الربط بين الأحذية التي يتحدث عنها شقير وبين الفقراء الذين لا يجدون أحذية ينتعلونها.

واستوحى شقير عنوان الرواية من إجابة إسماعيل شموط على سؤال تمام له “أين سنسكن بعد أن نتزوج؟”؛ فقد قال لها “سأبني لك بيتا من الألوان لا تستطيع كل قوى العدوان هدمه وتدميره”، وكان يقصد بالبيت الفن التشكيلي. أما لوحة الغلاف فهي للفنانة تمام الأكحل.

سيرة فنان ووطن

“لم نرسم مناظر طبيعية ولا طبيعة جامدة. لا زهور ولا فواكه” تقول تمام الأكحل وهي رفيقة عمر الفنان منذ سنة 1959 حتى وفاته سنة 2006. غير أن تلك المرأة كانت أيضا شريكة مغامرته الفنية.

حتى الزهور التي رسمها إسماعيل شموط في عدد قليل من لوحاته كانت أشبه بالرسائل التي تكشف عن مزاجه الذي اشتبك مع مزاج شعب معذب. لذلك كانت زهورا متألمة وموجعة.

الراحل إسماعيل شموط من رواد الفن التشكيلي في فلسطين

كان مزاجه الفني الذي يصنع موضوعاته يتأثر بتجليات ما يقع من حوله. ذلك الرسام الذي لم يكن يملك الوقت لما هو شخصي كان ملكا لقضية أكبر منه وكان في الوقت نفسه واحدا من رسلها إلى العالم.

فكانت لوحاته بمثابة مؤشر يسجل بحركته ارتفاعا وانخفاضا ما يجري لذلك الشعب المعذب الذي أوكل إليه مهمة التعبير عن فجيعته من خلال الرسم. ولم يكن شموط كأي رسام فلسطيني آخر. كان بسبب ريادته خالق لغة، ستشكل مفرداتها في ما بعد المعجم الذي ينهل منه رسامون فلسطينيون، قدر لهم أن يتمسكوا بهوية وطنية كان العالم كله قد قرر محوها.

وقد ولد إسماعيل عبدالقادر شموط في اللد عام 1930. بعد النكبة التي حلت بالفلسطينيين عام 1948 بقيام دولة إسرائيل على أرضهم التحق بصفوف المطرودين حيث أقام مع عائلته في مخيم للاجئين في خان يونس بقطاع غزة الذي ألحق بمصر.

درس فن الرسم في القاهرة بين عامي 1950 و1954 وكان قد أقام معرضه الشخصي الأول في مدينة غزة عام 1953، وحين تخرجه أقام معرضه الشخصي الثاني بمشاركة زميلته تمام عارف الأكحل.

بعدها مباشرة تابع دراسته الفنية في روما لينهيها عام 1956. بين عامي 1957 و1983 عاش في بيروت وكان قد أصبح أمينا عاما لاتحاد الفنانين التشكيليين الفلسطينيين عام 1969، بعد ذلك بعامين اُنتخب في بغداد ليكون أمينا عاما لاتحاد الفنانين العرب.

ثم انتقل من بيروت إلى الكويت وإثر ذلك قضى سنتين في ألمانيا ليستقر أخيرا في عمان، ثم توفي في أحد مستشفيات ألمانيا.

ولا تتطرق الرواية إلى سيرة شموط فحسب بل تتناول سيرة الفنان في محيطه وتأثره به وتأثيره فيه، علاوة على علاقته بزوجته الفنانة أيضا، إنها سيرة روائية لفنان استثنائي ووطن ظل يسكنه ويسكن لوحاته كالحلم.

13