بيت العطور في دبي يسرد تاريخ التطيب عند العرب

متحف بيت العطور يسلط الضوء على المكونات الطبيعية المختلفة التي استخدمت في خلطات العطر الإماراتي ويوفر مادة نظرية للتعرف إلى الدور الذي تضطلع به الروائح التقليدية.
الخميس 2020/09/17
فضاء الطيب يوحّد بين الأصالة والمعاصرة

للعطر أو التطيّب تاريخه في الثقافة العربية، حيث ارتبط بتقاليد لدى النساء والرجال وثّقها متحف بيت العطر في دبي بالمباخر وقوارير العطور المعتقة من أصناف العنبر والعود والورود وأساليب خلطات الطيب التي كانت تستعمل عند الإماراتيين والعرب بعضها مازالت له مكانة في البيت العربي.

دبي- في “بيت العطور” في متحف الشندغة بدبي يتوه الزائر بين  المباخر وقوارير العطور المعتقة من العنبر والعود والورود ليسافر بحواسه وخياله إلى الروائح التي تجمع العالم في مكان واحد، وأبجدية تسرد تفاصيل ماض العطر وتقاليد صناعته العريقة.

ويعتبر العطر جزءا لا يتجزأ من الثقافة المحلية وعنصرا بارزا من تقاليد الضيافة لاسيما وأن استخدام الإماراتيين للعطور نابع من قيم متجذرة في موروثهم الإسلامي وتراثهم الثقافي التاريخي.

ويتكون متحف بيت العطور من غرف واسعة ومتداخلة في ما بينها، وتحكي كل واحدة مرحلة من تاريخ العطور في الإمارات، لتنتهي الرحلة في غرف الورش والتدريب المتخصصة في صناعة العطور والدخون.

تقليديا، كانت أنواع مختلفة من العطور تستخدم بصفة يومية، إذ كانت قوارير العطور توضع الواحدة تلو الأخرى بعناية وبطريقة تعكس الهوية الشخصية لمستخدميها حيث قامت العائلات الإماراتية بالإبقاء على أساليب استخدام العطور ونقلتها من جيل إلى آخر.

العطر له أسراره في الشرق
العطر له أسراره في الشرق

ويسلط “بيت العطور” الضوء على المكونات الطبيعية المختلفة التي استخدمت في خلطات العطر الإماراتي، كما يوفر مادة نظرية للتعرف إلى الدور المهم الذي تضطلع به الروائح التقليدية وأساليب التطيّب في الثقافة الإماراتية وكيفية ارتباطها بالماضي.

يقول راشد بطي المهيري، وهو مرشد ثقافي رئيسي في المتحف، إن المبنى يمتاز بالتفاصيل التراثية القديمة، مع لمسات عصرية طوَّعت التكنولوجيا في تقديم فكرة كاملة عن أبرز العطور ومكوناتها المحلية ومصادرها، فيما يتم عرض العطور بطريقة مبتكرة تناسب الصغار والكبار، عبر تقنيات خاصة توصل المعلومة بسهولة، وتأخذ الزوار إلى زمن مضى ويلتقون من خلاله بعدد كبير من المقتنيات الأثرية التاريخية.

وأضاف المهيري أن ‏متحف بيت العطور هو الأول في المنطقة الذي يختص في العطور العربية الإماراتية، والتي كانت تستخدمها الأمهات قديما، ولا تزال إلى اليوم تصنع في البيوت عن طريق خلط بعض المواد الأساسية كالعود والعنبر والمسك.

وقال “إلى جانب استخدامها تجميليا، فإن العطور الإماراتية لها استخدامات أخرى عديدة جعلتها أمرا لا غنى عنه في حياة الإماراتيين، وبما أن العطور كانت تصنع من المكونات الطبيعية وبجودة عالية، فقد كان الإماراتيون يستخدمونها لأغراض عدة مثل التعبير عن الفرح في المناسبات الاجتماعية المهمة، أو كوسيلة للشعور بالراحة والرفاهية أو حتى للمحافظة على الإحساس بالانتعاش والبرودة من حر الصحراء، والصور المعروضة في المتحف تعرض لقطات من الحياة اليومية الإماراتية خلال أواسط القرن العشرين، وتسلط الضوء على الاستخدامات المتنوعة للعطور في الإمارات”.

ويحتوي المتحف على آثار تدل على قدم صناعة العطور العربية والرحلات والطرق التي كان يسلكها التجار قديما في تجارة العطور.

عطور

يحتوي المتحف على مدخن تم اكتشافه في منطقة الساروق الحديد في دبي ويعود إلى 3000 ‏سنة مما يدل على قدم هذه الصناعة، كما يحتوي على قطعة عود وزنها 28 كيلوغراما، ويبلغ طولها 1.2 متر.

 وينفرد العود من بين المكونات العطرية العديدة، لكونه الأكثر أهمية في العطور الإماراتية التقليدية، ويستمد العود رائحته المميزة من صمغ تفرزه الشجرة عندما تصاب بعدوى تسببها بعض الفطريات، والمادة العطرية هي نتيجة رد فعل دفاعي تقوم به الشجرة لمعالجة الضرر الذي أصابها.

ويتميز العود برائحة عطرية يصعب تشبيهها أو مقارنتها بأي روائح طبيعية أخرى، ليس ذلك فحسب، بل أيضا تختلف الرائحة من قطعة إلى أخرى، وذلك وفقا لمدى تركّز العود فيها. كما تتباين الرائحة العطرية حسب عمر شجرة الأكويلاريا والتربة التي تنمو فيها والفصيلة التي تنتمي إليها.

وتأتي أهمية المتحف لتعريف الزوار بالجانب الخفي في حياة ربات البيوت قديما والحفاظ على الإرث من الاندثار وتعليم أبنائنا تاريخ الإمارات والدور الذي كانت تقوم به السيدات خاصة في هذه الصناعة.

ويرتبط فن خلط العطور واستخدامه بالثقافة الإماراتية المتوارثة من جيل إلى آخر، شفويا وبالممارسة، فيما كان للشعر الإماراتي الوجداني دور مهم في وصف العطور التقليدية منذ زمن بعيد.

عطور دبي

ويعود استخدام الإماراتيين للعطور إلى قيم متجذرة في موروثهم الإسلامي وتراثهم الثقافي التاريخي. ففي الماضي، عند استقبال ضيف جاء بعد رحلة طويلة، كان أصحاب البيت يقدمون له عطرا مألوفا يشعره بأنه محل ترحيب واليوم أصبح العطر رمزا للكرم والاحترام المتبادل، فهو يعتبر ركنا أساسيا في مختلف المناسبات والتقاليد الاجتماعية، وما زال كل بيت إماراتي يستقبل ضيوفه بروائح عطرية مستمدة من تاريخ عريق، تتواصل ذكرى عبيرها الفواح على مر الزمن.

ويحتوي المتحف على غرفة مخصصة للتعريف بكيفية صنع العطور، ويمكن للزوار صنع خلطات بأنفسهم، فخلط العطور الإماراتية التقليدية هي عملية معقدة تتطلب دقة وعناية في جميع مراحلها، بدءا من اختيار المكونات وانتهاء بأساليب التعامل معها.

وتتمحور العطور التقليدية الإماراتية حول ثلاث وصفات رئيسية، فهناك أولا “الدخون” الذي تضاف إليه دهون عطرية يتم اختيارها وفقا لوصفات عائلية تحاط بالسرية والكتمان، أما الوصفة الثانية فهي

“المخمرية” التي تُحضر من أفخر المكونات لتستخدم في المناسبات، وتحمل الوصفة الثالثة تسمية “البضاعة” وهي مسحوق عطري يتطلب خلطه اتباع أسلوب فريد من نوعه.

وخلال جائحة كورونا واصل المتحف عمله من خلال جولات افتراضية، ويتنوع زوار المتحف إذ يأتي في مقدمتهم العطارون من مختلف بلاد العالم للتعرف على وصفات إماراتية تقليدية، ما زال بعضها مستخدما إلى يومنا الحاضر.

20