بيانات أردوغان تعيد الاقتصاد التركي إلى أزمة 2001

وكالات فيتش وموديز وستاندارد أند بورز أكدت مؤخرا أن النظام المصرفي والحكومة يفتقران للشفافية بشأن القروض المتعثرة.
الخميس 2019/03/14
الحسابات الرسمية تخالف المنطق

تتزايد الشكوك يوما بعد يوم بشأن انتشار التلاعب في موازنات القطاع المصرفي والقطاع الخاص التركي، اللذين يعتبران من الركائز الأساسية للاقتصاد، وهو ما يقوض مصداقية المعطيات التي تعلنها الحكومة والمؤسسات الرسمية عن المؤشرات الاقتصادية بدءا من التضخم وانتهاء بمشاريع التنمية.

وتأكدت تلك الشكوك بعد دفع بنك يابي كريدي فوائد قياسية بنسبة 8.25 بالمئة على سندات خارجية بقيمة 500 مليون دولار، في وقت تعطي فيه البنوك في تركيا فائدة بنسبة 3 بالمئة على ودائع العملات الأجنبية وتقدم القروض بفائدة 6 بالمئة.

كما وافقت شركة شيشه جام لصناعة الزجاج على دفع 7.25 بالمئة على دين بقيمة مماثلة، رغم أن سجلاتها تؤكد أن لديها فائضا من النقد الأجنبي بمئات الملايين من الدولارات.

تلك الفوائد الباهظة المدفوعة لسداد ديون الخارجية تتناقض مع المركز المالي الذي تظهره البيانات الرسمية التركية، التي تؤكد أن النظام المصرفي التركي قدم للقطاع الحقيقي قروضا مقوّمة بالعملات الأجنبية بقيمة 180 مليار دولار، في وقت بلغت فيه مدخرات العملات الأجنبية الموجودة في البنوك 201 مليار دولار.

وفي الأشهر الستة الماضية، زادت ودائع العملات الأجنبية بحوالي 33 مليار دولار، في حين ظل معدل نمو قروض العملات الأجنبية عند 19 مليار دولار فقط ليحقق النظام فائضا من النقد الأجنبي.

ويعني ذلك أن البيانات الرسمية تؤكد أن النظام المالي مليء بالعملات الأجنبية. وبالفعل انخفضت أسعار الفائدة على ودائع العملات الأجنبية بنحو 2.5 بالمئة خلال الأشهر الستة الماضية.

في حالة يابي كريدي، هناك تساؤلات أخرى حول المجالات التي سيستخدم فيها البنك الاقتراض الأجنبي الباهظ التكلفة. بالطبع من الممكن أن يكون الاقتراض لسداد ديون سابقة، لكن سجلاته تؤكد أنه كان يستطيع سدادها دون الحاجة للاقتراض.

ويثير ذلك سؤالا “أين سيستخدم بنك يابي كريدي هذا القرض؟” لأن السلطات حظرت بعد أزمة 2001 الاقتصادية على البنوك التركية تحويل قروض العملات الأجنبية إلى عملة محلية.

ويعني ذلك أن إمكانية موازنة الفوائد بتحويل القروض المقوّمة بالعملات الأجنبية من الخارج إلى الليرة التركية محدودة للغاية. فالبنوك التي تقترض بالعملات الأجنبية تقدم للشركات قروضا بالعملة الأجنبية أيضا.

لكن الطلب على قروض بالعملات الأجنبية في تركيا يشهد تراجعا منذ وقت طويل بسبب الركود الاقتصادي في وقت تتزايد فيه الودائع بالعملات الأجنبية في البنوك بسرعة كبيرة. وهذا يرجع إلى حد كبير إلى إحجام القطاع الحقيقي عن الاستثمار واستخدام الائتمان بسبب الركود في الاقتصاد.

وطبقا للميزانية العمومية المجمّعة للقطاع المصرفي، التي تنشرها يوميا وكالة التنظيم والرقابة المصرفية التركية، فإن نسبة القروض المتعثرة منخفضة للغاية بشكل غريب بحيث لا تتجاوز 0.6 بالمئة.

ورغم أن سعر الدولار ارتفع أكثر من 40 بالمئة خلال عام واحد، وزادت القروض المتعثرة المقومة بالعملة التركية بنسبة 7 بالمئة بسبب الصدمات الاقتصادية، إلا أن القروض المقومة بالعملات الأجنبية لم تتعرض لأي تعثر يذكر. أما نسبة قروض يابي كريدي المتعثرة فهي كذلك ليست أعلى من ذلك المتوسط.

المنطق الاقتصادي لا يجد وسيلة لتفسير مبادرة البنوك والمؤسسات إلى الاقتراض الخارجي مقابل فوائد قياسية في ظل تلك السيولة المريحة للغاية للعملات الأجنبية، وفق البيانات الرسمية.

ويقود ذلك إلى الشكوك التي أثارتها أولا وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، ثم أعادتها للأذهان وكالتا موديز وستاندارد أند بورز في الأسابيع القليلة الماضية، والتي أكدت جميعها أن النظام المصرفي والحكومة في تركيا ليست لديهما شفافية بما فيه الكفاية في شأن القروض المتعثرة.

ويكشف ذلك أسرار اقتراض يابي كريدي بفائدة مرتفعة للغاية. أي أن نسبة القروض المتعثرة أكبر مما أظهره البنك في الميزانية العمومية، وهو ما يفسر اضطراره للاقتراض الخارجي بفوائد مرتفعة لسداد العجز غير المعلن.

ويؤكد هذا وجود مشكلة في سيولة العملات الأجنبية، ليس في بنك يابي كريدي فقط، بل في النظام المصرفي كله، بشكل مختلف عمّا يظهر في البيانات الرسمية.

ويعد ذلك بالطبع جريمة، إضافة إلى أنه يخلق شبهات حول وجود معطيات مزورة تزعزع مصداقية تركيا ومؤسساتها المعنية مثل وكالة التنظيم والرقابة المصرفية على الساحة الدولية، وليس بنك يابي كريدي فقط.

ويزخر تاريخ تركيا الحديث بهذا النوع من جرائم التلاعب بالبيانات الرسمية. فقد أفلست العديد من الشركات الحكومية بصورة مفاجئة أثناء أزمة عام 2001، رغم بياناتها الرسمية الإيجابية. وتبين بعد خضوع تلك الشركات للتدقيق وجود عمليات تلاعب في المعطيات.

وأظهرت تلك الأزمة أن بعض البنوك مثل بنك “إعمار” باع سندات حكومية رغم أنه لا يملك تلك الصلاحية. كما قام بحساب ميزانيته العمومية بنظام محاسبة مستنسخ، ليظهر عجزا يقل كثيرا عن العجز الذي يعاني منه.

ونتيجة تلك المخالفات سدد دافعو الضرائب الأتراك ثمنا باهظا بقيمة 50 مليار دولار خلال أزمة عام 2001 والتي كشفت مشاكل عديدة، أبرزها التلاعب في البيانات.

السؤال الآن: هل يرتكب نظام أردوغان حاليا تلك الأخطاء أم أن تلك الشكوك لا أساس لها من الصحة؟

ومع أن السلطات تعهدت عقب أزمة 2001 بعدم تكرار مثل تلك الأخطاء مرة أخرى، إلا أن الأيام القادمة ستكشف عما إذا كانت الحكومة الحالية والمؤسسات ذات الصلة صادقة أم لا؟

10