"بومبونيرا" الفرح والغضب

ملعب “البومبونيرا” أو قطعة الشوكولاتة عاش على وقع سهرة رياضية تاريخية بين أعتى فريقين في الأرجنتين، “قطعة الشوكولاتة” هذه شهدت، السبت، كتابة فصل جديد من فصول التنافس المستعر بين البوكا والريفر، وهنا تكمن المتعة.
الأحد 2018/11/11
كتابة فصل جديد من فصول التنافس المستعر بين البوكا والريفر

كرة القدم هي المتعة بالأساس، هي التنافس القوي والحماس. كرة القدم ليست حكرا على بلد دون سواه، ولا هي فضاء منغلق يلفظ الغرباء ولا تفتح أبوابه وفقا للرغبات والأهواء. كرة القدم هي عشق أزلي ومتعة تتخطى الزمان والمكان  وتعبّر البحار، سحرها يكسّر كل القواعد ونواميسها لا تعترف بالحدود.

بالأمس القريب تابع الملايين من العرب مباراة نهائي دوري أبطال أفريقيا، لقد انحبست الأنفاس وتناسى بعض عشاق هذه الملهمة الجميلة ولو لبرهة ميلهم للكرة الأوروبية القوية، لمتابعة أطوار وفصول تلك المباراة النهائية الأفريقية بين الشقيقين العربيين الترجي التونسي والأهلي المصري.

يوم واحد فقط بعد العرس الأفريقي كان الموعد مع نهائي آخر قد لا يقل إثارة، فالإثارة الكروية هكذا هي دوما عابرة للقارات، فانتقلت إلى القارة الصفراء حيث الحوار تجدد بين بيرسيبوليس الإيراني وكاشيما انتلرز الياباني.

بين هذا النهائي وذاك كانت الأعين المغرمة بمتعة كرة القدم تتنقل بين الفينة والأخرى للملاعب الأوروبية كي تتابع “أطباقا” مغرية وصنوفا ملونة من المباريات الجميلة في مختلف الدوريات الأوروبية القوية.

لكن هل يوجد في “الدار” من وقع يوما في هوى الكرة اللاتينية؟ هل هناك من جلبته ولو بالصدفة تلك الصدامات القوية حامية الوطيس التي تميّز دوريات ومنافسات بلدان أميركا الجنوبية؟ ربما ثمة البعض ممّن يعشقون سحر تلك المنافسات المستعرة حماسا وهوسا يبلغ أحيانا حد الجنون..

سرّ هذه الديباجة الطويلة، هو ذلك السيل الجارف من الأخبار المتعلقة بنهائي “كوبا ليبرتادوريس” بأميركا الجنوبية والذي جمع وسيجمع ذهابا وإيابا، تماما مثلما يحصل في أفريقيا وآسيا، بين عملاقي الكرة الأرجنتينية بوكا جونيورز وريفر بليت.

فهذا الموعد النهائي يعتبر تاريخيا بكل المقاييس، فهي المرة الأولى التي سيتبارى خلالها هذين الفريقين في مباراة نهائية مدارها الحصول على لقب “كوبا ليبرتادوريس” الذي يساوي لقب دوري الأبطال في بقية القارات.

 فالسحر والجنون والفرجة والإثارة والندية ستكون عناوين مناسبة لديربي “الغضب” بين أعرق الفرق الأرجنتينية. الجميع في الأرجنتين وحتى في أميركا اللاتينية تجنّد لمتابعة هذا الحدث، ولا أحد يتوقع مصير هذه المواجهة التي استحوذت على نصيب الأسد من الاهتمام الجماهيري والإعلامي هناك، وكأن المواجهة أقوى وأصعب وأشد قوة من أي نهائي آخر حتى وإن كان نهائي كأس العالم.

في بلد يعشق كرة القدم حد النجاح، في بلد أنجب مارادونا وميسي وباتيستوتا وكانيجيا ودي ماريا وأغويرو وتيفيز وكريسبو وفيرون وريكلمي وغيرهم كثر، يجب أن تحبس الأنفاس عندما يكون الجميع في حضرة مباراة عادية بين “البوكا” و”الريفر”، فما بالك لو كان الموعد متعلقا بكأس قارية معتبرة.

في بلد يتنفس كرة، وصدّر لأوروبا عددا لا يحصى ولا يعد من اللاعبين الرائعين والتاريخيين، قد تتوجب معرفة سر ميلاد هؤلاء النجوم عبر متابعة حلقة من حلقات مسلسل الصراع الأزلي المستعر تاريخيا بين الغريمين القويين.

كل أعين كشافي الفرق الأوروبية القوية ستتركز صوب هذه المواجهة التي جمعت وستجمع الغريمين في مقابلتين، فصائدو المواهب الصاعدة قد لا تتوفر لهم أفضل من هكذا فرصة للظفر “بصيد ثمين”.

والأمتع في هذه المواجهة أنها ستقام على فصلين، مباراة أولى يكون خلالها بوكا جونيورز هو المضيّف، أما مباراة العودة فسيخوضها ريفر بليت على ملعبه.

هي معركة إثبات الذات والاقتراب أكثر ما يمكن من اللقب، ففي الليلة الفاصلة بين السبت والأحد أقيمت مباراة الذهاب، التي كان مسرحها دون شك المعقل التاريخي لنادي بوكا جونيورز، ذلك الملعب الشهير الذي يسمى ملعب “البومبونيرا”.

هو ملعب ارتبط كثيرا بنجاحات “البوكا” وتألق المنتخب الأرجنتيني، ملعب أسطوري مرت على تأسيسه حوالي 80 سنة، وخلال هذه الفترة اهتزت أركان هذا الملعب على وقع الكثير من الأحداث التاريخية والمثيرة.

أما الحدث الراهن فلم يكن أقل إثارة ومتعة، فملعب “البومبونيرا” أو قطعة الشوكولاتة عاش على وقع سهرة رياضية تاريخية بين أعتى فريقين في الأرجنتين، “قطعة الشوكولاتة” هذه شهدت، السبت، كتابة فصل جديد من فصول التنافس المستعر بين البوكا والريفر، وهنا تكمن المتعة.

ربما قد يدهش المرء المحب لكرة القدم بذلك الانضباط الرائع والتنظيم المحكم في المباريات الأوروبية، وخاصة عندما يتعلق بالمباريات النهائية. ربما يستلذ المولع بالكرة الأفريقية ببعض “الأطباق الدسمة” التي تقدمها بعض الأدوار النهائية، لكن في فنّ الكرة اللاتينية بعض من السحر الغامض الذي بقي حكرا على منافسات هذه الرقعة من الأرض حتى وإن صدّرت أفضل لاعبيها إلى أوروبا.

هذا الأمر ينطبق على وجه الخصوص على مباريات بوكا جونيورز وريفر بليت، و”البومبونيرا” شاهدة كعادتها على هذا الأمر في موعد الذهاب.

لكم أن تتخيلوا أن تذكرة هذه المباراة بلغ سعرها في السوق السوداء حوالي خمسة آلاف دولار، رغم أن ثمنها الأصلي لا يتجاوز 74 دولارا، لكم أن تتخيلوا أن شرطة الأرجنتين بدأت تتجهز لهذا الموعد منذ ما يزيد عن أسبوع، نظرا للحساسية المفرطة في أغلب مواجهات الفريقين ولولع الجماهير المهووسة بمثل هذه المباريات، لكم أيضا أن تتخيّلوا أن الرئيس الأرجنتيني تدخل شخصيا كي يساهم في ضمان نجاح هذه المواجهة.

إنها “البومبونيرا” التي تتماهى عندما تستضيف مباريات الفريقين مع الحلوى في مذاقها وسحرها وتأثيرها، فأي موعد تاريخي عاشه عشاق الكرة اللاتينية، في انتظار موقعة الإياب في “المونيمونتال”، وتلك حكاية أخرى.

23