بوكو حرام تعيد انتشارها تجنبا للمواجهة مع داعش والجيش النيجيري

قادة جماعة بوكو حرام الجدد يبحثون عن استراتيجية جديدة لمنع اضمحلال التنظيم.
الخميس 2021/10/21
أي ولاية ستتخذها بوكو حرام معقلا جديدا لها؟

أبوجا - تطرح التحولات الدرامية المتسارعة التي يشهدها تنظيم بوكو حرام بعد مقتل زعيمه أبوبكر شيكاو في مايو الماضي في هجوم لداعش ولاية غرب أفريقيا واستسلام آلاف العناصر من بوكو حرام للجيش النيجيري خلال الأشهر الأخيرة، تساؤلات حول مستقبل هذا التنظيم وهل ستؤول هذه التغيرات إلى اندثاره أم أنها ستدفعه إلى البحث عن مساحات جديدة للنشاط خارج معاقله التقليدية في شمال شرق نيجيريا؟

ويُعدّ هجوم داعش غرب أفريقيا على معقل بوكو حرام في غابة سامبيسا بولاية بورونو (شمال شرق)، في مايو، نقطة تحول رئيسية في طبيعة الصراع بين التنظيمين، خاصة بعد تفجير أبوبكر شيكاو نفسه حتى لا يقع أسيرا في يد داعش.

وشكّل مقتل شيكاو، الزعيم الأبرز لبوكو حرام منذ 2009، صدمة كبيرة للتنظيم الذي كان يسيطر على أجزاء واسعة من ولاية بورنو، وحوض بحيرة تشاد الذي تتقاسمه أربع دول (نيجيريا، تشاد، الكاميرون والنيجر) إلى غاية انضمامه لداعش في 2015.

واختار داعش أبومصعب البرناوي الذراع اليمنى لشيكاو، على رأس ولاية غرب أفريقيا، الأمر الذي رفضه الأخير، ما أدى إلى انشطار بوكو حرام إلى نصفين. وتمركز شيكاو في غابة سامبيسا جنوبي بورنو، بينما تمركز البرناوي وعناصر داعش في منطقة “بحيرة تشاد”، التي بقي بوكو حرام يسيطر على أجزاء منها.

واشتعل القتال بين التنظيمين الإرهابيين منذ 2016 حيث تمكنت بوكو حرام من السيطرة على معظم القرى والبلدات على ضفاف بحيرة تشاد من جهة نيجيريا إلى غاية 2019. لكن التوازن اختل في مايو 2021 بعد مقتل شيكاو واقتحام داعش معقل بوكو حرام في سامبيسا، وأدى ذلك إلى استسلام آلاف العناصر من بوكو حرام لجيش نيجيريا بينهم قياديون، حتى لا يقعوا أسرى في يد داعش.

إعادة انتشار مسلحي بوكو حرام سيجعل معظم ولايات النصف الشمالي والعاصمة أبوجا تحت التهديد الإرهابي

وليس مستبعدا أن عناصر داعش في ليبيا الذين انهارت إماراتهم في مدينة سرت (شمال وسط) في ديسمبر 2016، فروا عبر الصحراء إلى أن وصلوا شمال شرقي نيجيريا.

وبحسب معهد الدراسات الأمنية الأفريقي فإن عناصر داعش وتنظيم ولاية غرب أفريقيا، يفضلون استخدام طريق “ليبيا – الجزائر – مالي – النيجر – نيجيريا”، بدلًا من الممر المباشر (والأقرب) بين ليبيا والنيجر ونيجيريا.

وهذا أحد الأسباب التي توضح لماذا خسرت بوكو حرام معركتها ضد داعش غرب أفريقيا، خاصة بعد اكتمال القوس الرابط بين فروع داعش في ليبيا ومالي والنيجر ونيجيريا، والذي حذر منه خبراء أمنيون منذ سنوات قليلة.

كما أن العمليات العسكرية والغارات الجوية التي شنها الجيش النيجيري، خصوصا في الأعوام الثلاثة الأخيرة، ساهمت في إضعاف بوكو حرام، وخسارتها للعديد من المناطق كان يسيطر عليها في بورنو، الحدودية مع الكاميرون وتشاد والنيجر.

ويعتبر الباحث الفرنسي مارك أنطوان بريسوس دو مونتكلوس أن التحالف العسكري الخماسي لدول حوض بحيرة تشاد (نيجيريا والنيجر وتشاد والكاميرون بالإضافة إلى بنين)، لعب دورا في تنسيق الهجمات ضد بوكو حرام، وأعطت أبوجا الصلاحيات للجيش التشادي بمطاردة المسلحين عبر أراضيها.

خلال النصف الأول من الشهر الجاري، قتل الجيش النيجيري عشرات العناصر من بوكو حرام فيما استسلم أكثر من 13 ألفا آخرين، بعد أن استسلم نحو 6 آلاف مقاتل في سبتمبر الماضي.

ويعكس هذا الاستسلام نزيفا حادا في صفوف بوكو حرام، في الوقت الذي سعى داعش غرب أفريقيا لاستهدافهم في هجمات متفرقة.

وإثر اقتناعهم أنهم خسروا المعركة أمام داعش في بورنو، بدأ القادة الجدد لجماعة بوكو حرام في البحث عن استراتيجية جديدة لمنع اضمحلال التنظيم.

وكان القرا، إعادة الانتشار في مناطق أخرى بعيدة عن معقلهم في شمال شرق نيجيريا. وقطع عناصر بوكو حرام المئات من الكيلومترات نحو ثلاث ولايات استراتيجية لإعادة هيكلة التنظيم.

أول هذه الولايات “كادونا” (شمال شرق)، تقع على الطريق بين العاصمة أبوجا ومدينة كانو، عاصمة الجزء الشمالي ذو الغالبية المسلمة، والتي من المقرر أن يعبر منها خط أنابيب الغاز “أجاوكوتا – كادونا – كانو”، الذي يعد جزءا من خط الغاز العابر للصحراء نحو أوروبا مرورا بالنيجر والجزائر.

Thumbnail

وذكر موقع “فاو” نقلا عن وكالة الأنباء الفرنسية أن نحو 250 عنصرا من بوكو حرام قطعوا المئات من الكيلومترات للانضمام إلى مجموعة إجرامية، تتدرب على استعمال السلاح في غابات “ريجانا شيكون”، في كادونا.

واختطفت هذه الجماعات الإجرامية التي لها صلات مع بوكو حرام نحو 1400 طالب في هجمات على المدارس والجامعات في العام 2021، وفقا لمنظمة حماية الطفولة “يونيسف”.

أما الولاية الثانية فهي “سوكوتو”، الواقعة في منطقة الشمال الغربي على الحدود مع النيجر، والتي تنتشر فيها عصابات الجريمة والاختطاف منذ 2017.

وتعد سوكوتو إحدى الخيارات أمام عناصر بوكو حرام لجعلها معقلا جديدا لها، بالنظر إلى وجود بؤر لها في الولاية وصلاتها ببعض العصابات الإجرامية. إلا أن هذه الولاية ينشط بها أيضا عناصر من داعش غرب أفريقيا وتنظيم محلي موال للقاعدة يسمى “أنصارو”، بحسب “مركز صوفان للدراسات”.

وتعتبر سوكوتو أقرب ولاية في نيجيريا للمنطقة الحدودية الثلاثية الملتهبة في النيجر ومالي وبوركينا فاسو، التي تنشط بها العديد من الجماعات موالية للقاعدة بالإضافة إلى فرع داعش بالصحراء الكبرى.

وليس مستبعدا أن تعزز هذه التنظيمات نشاطها بالمنطقة الشمالية الغربية لنيجيريا، لسهولة التسرب إليها عبر الحدود الطويلة والمفتوحة مع النيجر.

أما الخيار الثالث بالنسبة إلى القادة الجدد لبوكو حرام، فهو ولاية النيجر، بإقليم الشمال الأوسط، وأهميتها الاستراتيجية تتمثل في قربها من العاصمة، وهذا ما يجعل أبوجا نفسها تحت التهديد الإرهابي مستقبلا، ويجعل بنين المجاورة هي الأخرى تحت تهديد أكبر.

ويسيطر مسلحو بوكو حرام على 8 بلدات من إجمالي 25 في منطقة شيرورو بولاية النيجر. كما أن سيطرة داعش غرب أفريقيا على معظم الشمال الشرقي الذي كان خاضعًا لبوكو حرام سيدفع مسلحي الأخير للانتشار في الشمال الغربي ووسط البلاد وغربها، ما سيجعل معظم ولايات النصف الشمالي من البلاد ذات الغالبية المسلمة تحت التهديد الإرهابي الذي قد يطال العاصمة أبوجا أيضًا.

7