بلوغ الفتيات في الدول العربية مصحوب بالخوف والعار ونقص المعلومات

الوصم الاجتماعي المقترن بالحيض والدورة الشهرية يؤثر سلبا على حياة النساء و طموحاتهن.
الأحد 2021/06/20
الشعور بالخجل يصاحب الفتيات عند الحيض الأول

يعدّ الحيض حقيقة بيولوجية في حياة النساء، إلا أن المعلومات الخاطئة والحرمان من المعلومات والوصم والتمييز تحوّل هذه العملية الطبيعية إلى ضائقة جسدية وعاطفية واقتصادية تؤثر على حياة الفتيات وتقيد طموحاتهن. ويرجع الخبراء جذور المشكلة إلى مراحل مبكرة تنقص فيها مواد تعليمية أو توعوية حول الجانب البيولوجي للمسألة.

القاهرة – ما زال الحيض يمثل وصمة للمرأة في بعض المجتمعات العربية، ومازال الحديث عنه يرتبط بالتقزز والخوف والشعور بأن المرأة كائن يفتقر للطهارة.

وقد لا يصدق بعض الأشخاص حتى اليوم أن نساء في بعض المناطق الريفية في اليمن يقع منعهن من الحصاد والزراعة في فترة الحيض “كي لا تنشف الشجرة”، ومن إطعام الماشية “كي لا تمرض الحيوانات”، ومن تحميم أطفالهن “كي لا يمرضوا”؛ أو أن نساء وفتيات في منطقة الأغوار في الضفة الغربية يضطررن للمشي بين الجبال أحيانا للوصول إلى مصادر للماء؛ فغالبا لا ماء في بيوتهن المهددة بالهدم، ليستخدمنه في فترة الدورة الشهرية.

كما أن البعض لا يتخيل مدى صعوبة الوصول إلى الفوط الصحية خاصة في أماكن تعاني من النزاعات التي تدفع بالعائلات إلى مغادرة منازلها، ولا يعرف أن فتيات في عمر الـ12 تقريبا لا يجدن سوى ثيابهن لاستخدامها بديلا للفوط، فلا يستطعن التحرك ومغادرة المنزل.

إحراج وسوء معاملة

ورغم أن الحيض يعتبر حقيقة بيولوجية في حياة المليارات من البشر حول العالم، إلا أن المعلومات الخاطئة والحرمان من المعلومات والوصمة والتمييز يمكن أن تحوّل هذه العملية الطبيعية إلى ضائقة جسدية وعاطفية واقتصادية لا داعي لها.

وقالت شابة من فلسطين وهي تتذكر دورتها الشهرية الأولى في سن الثانية عشرة “شعرت بالخجل من جسدي. لم أكن أعرف كيف أنظّفه أو كيف أعتني به. لم أفهم الغرض من دورتي الشهرية لأنني لم أتلق أي معلومات عن الصحة الجنسية في ذلك العمر”. وتابعت “شعرت بالعجز في كل شهر ولسنوات. لم يتغيّر الأمر حتى وقت متأخر، عندما أصبحت في العشرينات من عمري، وبدت الأمور منطقية أكثر”.

وتعتبر تجربة هذه المرأة شائعة جدا في منطقة الدول العربية.

وقد نشرت دراسة استقصائية غير رسمية حديثة على الإنترنت أجراها صندوق الأمم المتحدة للسكان 69 إجابة من جميع أنحاء المنطقة. من بين هؤلاء، قالت 24 مستجوبة إنهن لم يتلقين أي معلومات عن الدورة الشهرية قبل تجربتهن الخاصة. وعلمت 27 منهن عن الأمر من أمهاتهن أو أحد أفراد الأسرة الآخرين، و8 منهن من الأصدقاء، وسبعة من المعلمة، بينما علمت ثلاث بالأمر من الكتب أو من مصادر أخرى.

سنتيا خوري: المجتمعات الذكورية تصور العادة الشهرية على أنها حالة أقرب إلى القذارة
سنتيا خوري: المجتمعات الذكورية تصور العادة الشهرية على أنها حالة أقرب إلى القذارة

ومن بين 69 مستجوبة، قالت 54 إن رد فعلهن تجاه الدورة الشهرية لأول مرة كان الخجل أو الخوف أو القلق أو الإحراج. وقال بعضهن إنهن واجهن العار وسوء المعاملة.

وقالت امرأة في المغرب، بدأت تجربتها في سن الثانية عشرة “أخبرت والدتي. أعطتني قطعة قماش قديمة ورفضت شراء الفوطة الصحية ومنعتني من تناول العشاء في تلك الليلة… أعطتني حساء أكلته بمفردي. شعرت أنني منبوذة. أصبحت دورتي الشهرية جحيما لا يطاق”.

ووصفت النظرات الساخرة من إخوتها، وقالت إنها كانت تعاني من الألم الجسدي “لقد غمرني أهلي بالأعمال المنزلية، بالإضافة إلى دراستي. وحرمتني والدتي من الراحة وأجبرتني على القيام بكل الأعمال المنزلية دون أدوية أو زيارة الطبيب”.

وأظهر المسح غير الرسمي (الذي لم يكن القصد منه أن يكون دراسة تمثيلية بل جمع تجارب من بعض النساء) أن النساء والفتيات في العديد من بلدان المنطقة غالبا ما يُحرمن من الحق في إدارة دورتهن الشهرية في بيئة كريمة وبطريقة صحية.

واستجابت المشاركات من الجزائر والعراق ومصر والأردن والكويت ولبنان والمغرب وفلسطين واليمن والسعودية والسودان وسوريا وتونس والإمارات العربية المتحدة واليمن. وتُظهر تجاربهن الأولى السلبية مع الدورة الشهرية مدى الحاجة إلى التغيير لضمان حقوق الفتيات وكرامتهن.

وقالت امرأة في المملكة العربية السعودية “تزوجت والدتي في سن مبكرة، وحتى الآن لا تعرف حتى أساسيات الدورة ولا تريد أن تتعلم”.

وتقول سنتيا خوري اختصاصية الصحة المجتمعية في جمعية مرسى مركز الصحة الجنسية بلبنان “النظرة إلى العادة الشهرية تختلف من مجتمع إلى آخر، فبعض المجتمعات تعتبرها عيبا وأمرا يجب إخفاؤه والتستر عليه وعدم الحديث عنه، في حين أن مجتمعات أخرى تربط الدورة الشهرية بالولادة وتجدد الحياة، ومنها من يقيم للفتيات اللواتي يبلغن احتفالات تسمى احتفالات الخصوبة”.

وتشير إلى أن تلك الدول التي تحتفل ببلوغ فتياتها، تعتبر المرأة التي تنتهي خصوبتها أنها دخلت سن الأمل.

وتتابع “نريد التأكيد أن الدورة الشهرية ليست لغزا، بل هي أمر طبيعي بيولوجي مقترن بجسد المرأة، هو ليس عيبا أو عارا”. كما تشير إلى أن “المجتمعات الذكورية التي تتسلط على جسد المرأة مثلما تتسلط على أفكارها، تصور العادة الشهرية على أنها حالة أقرب إلى القذارة”.

ودون معلومات دقيقة، وصفت العديد من الفتيات طرقا مرتجلة لإدارة دم الحيض. وقالت فتاة من اليمن “لطالما استخدمت الأقمشة القطنية. أنا من أسرة غير متعلمة، لذا لم أكن أعرف أن هناك فوطا صحية لهذا الغرض”.

وقالت امرأة في المملكة العربية السعودية “كنت أستخدم الملابس القديمة كمناديل صحية. عندما بدأت ملابسي تنفد واكتشفت والدتي وأختي أنني أستعمل أقمشتهما، سخرتا مني دون أن تقدما لي بديلا”.

وتؤكد جولييت توما المديرة الإعلامية لمكتب اليونيسف لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هذه النظرة السلبية المنتشرة في المنطقة، حتى إنها تقول إن الدورة الشهرية تعتبر “وصمة عار” في بعض الأماكن، لذا تسعى المنظمة إلى تغييرها من خلال برامج عدة.

في الكثير من البلاد العربية تمر الكتب المدرسية بسرعة على موضوع الدورة الشهرية سواء أكان ذلك في مادة العلوم، أم في مادة التربية الدينية

ويبدو أن جذور المشكلة تعود إلى مراحل مبكرة تنقص فيها مواد تعليمية أو توعوية حول الجانب البيولوجي للمسألة؛ ففي الكثير من البلاد العربية تمر الكتب المدرسية بسرعة على موضوع الدورة الشهرية سواء أكان ذلك في مادة العلوم، أم في مادة التربية الدينية، فيبقى الحديث العلني عن الدورة الشهرية “عيبا” في معظم المجتمعات.

وتقول شفاء أحمد الطبيبة اليمنية المشرفة على برنامج “الإصحاح البيئي” مع منظمة كير أنترناشونال، إنها زارت مرة إحدى المناطق الريفية في اليمن وعندما سألت أمهات نازحات عن المشكلات التي كن يواجهنها خاصة بسبب نقص المياه، كانت معظم الأجوبة حول الإسهال وأمراض الأطفال.

وتقول “نحن مجتمع محافظ تصعب فيه مناقشة موضوع الدورة الشهرية حتى بين النساء. لذا سألتهن بشكل مباشر عن الموضوع بحكم عملي وأدركت أن كل امرأة تعاني وحدها من مصاعب تتعلق بالحيض”.

وتضيف “تمر الكثير من النساء والمراهقات بمواقف محرجة جدا بسبب ذلك. حتى إن فتيات لا يجدن ماء لغسيل قطع الثياب التي يستخدمنها فيضطررن لدفنها بحفرة في التراب لإخفائها”.

كما تقول إن فريق عملها مُنع مرة من قبل رجال إحدى المناطق من توزيع رزم مساعدة تحوي فوطا صحية عندما علموا بأن فيها “أشياء تتعلق بالدورة”.

والأمر لا يقتصر على المناطق الريفية أو مناطق النزاع، بل تنتشر هذه الثقافة حتى في المدن.

كما أكدت كارول عوض مسؤولة المياه والصرف الصحي في مكتب فلسطين لمنظمة اليونيسف، أنها تحدثت مرة مع مجموعة طالبات في بعض المدارس المختلطة بعد أن علمت بأنهن لا يستخدمن دورات المياه رغم توفيرها بكل المستلزمات، لتعلم أن الفتيات يخجلن من الذهاب إلى الحمام على نحو متكرر “كي لا يحس أحد أن لديهن الدورة الشهرية”.

وتعتبر إدارة فترة الحيض أكثر صعوبة في الظروف الإنسانية. وقد تكون الخصوصية نادرة وغالبا ما تكون مرافق الصرف الصحي غير متوفرة. وفي مخيمات اللاجئين والنازحين، أو في حالات الطوارئ الأخرى، قد تكون المراحيض ومرافق الاستحمام غير آمنة، حتى أنها تعرض النساء للاعتداء الجنسي.

كما تؤثر المصاعب الاقتصادية على الوصول إلى مستلزمات صحة الدورة الشهرية والنظافة، مما يحد من تنقل النساء والفتيات، ويقيد حضورهن في المدارس ومشاركتهن في الحياة المجتمعية، ويضر بصحتهن ويقلل من مساهمتهن في الاقتصاد.

وخلال الأزمات الإنسانية، يوزع صندوق الأمم المتحدة للسكان “حقائب الكرامة” التي تحتوي على مستلزمات النظافة مثل مسحوق الغسيل، والمناديل الصحية والملابس الداخلية التي يمكن إعادة استخدامها والتي يمكن التخلص منها. كما يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان على تحسين التعليم والمعلومات حول الدورة الشهرية وما يتصل بها من مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان أيضا. فعلى سبيل المثال، يعمل الصندوق على زيادة الوعي بأن الدورة الشهرية صحية وطبيعية من خلال برامج تمكين الشباب وجهود التثقيف الجنسي الشاملة. ويعمل على تبديد المعلومات المغلوطة المنتشرة على نطاق واسع بأن الحيض يشير إلى الاستعداد للزواج أو الإنجاب.

صناعة الفوط تحارب فقر الدورة الشهرية
صناعة الفوط تحارب فقر الدورة الشهرية

وقال المشاركون في الاستطلاع إن هذه المعلومات هي التي يرغبون في الحصول عليها.

وكتبت امرأة في العراق “ترى الناس يبالغون في الأمر ويعاملونك كامرأة لأنك وصلت إلى مرحلة النضج الجنسي”.

وقدمت هذه النصيحة للفتيات الصغيرات اللاتي يواجهن هذه الضغوط “لا تهتمي وعيشي حياتك. لا داعي للشعور بالخجل… إنها عملية بيولوجية طبيعية”.

تحديات

وتناقش نساء مسلمات عبر وسائل التواصل الاجتماعي التحديات المتعلقة بالأكل أثناء الدورة الشهرية خلال شهر رمضان.

وأشار البعض إلى أنهن يختبئن بعيدا عن الأقارب الذكور لتجنب التعرض للإحراج أو الاضطرار إلى الكذب حيال الدورة الشهرية.

وقالت المدونة في مجال الجمال والموضة صوفيا جميل “البعض لا يريد الاعتراف بوجود هذه المشكلة لأنهم يرون أنها قد تعكس صورة سلبية عن الدين الإسلامي، لكن في واقع الأمر هناك مشكلة”.

لكن بعض النساء يشعرن بأنهن لا يمكن أن يكن صريحات حول موضوع الدورة الشهرية مع الذكور في عائلاتهن.

وأضافت جميل “أعتقد أن الدورة الشهرية يجب أن تكون أمرا طبيعيا، يجب أن يتحطم هذا التابو. يجب أن يكون هناك المزيد من الحوار حول هذه القضية، إن جيلنا معني بإحداث هذا التغيير”.

وقالت رئيسة جمعية الطلاب المسلمين صابرين إمتاير إنها تريد مساعدة الناس على التحدث عن السلوكيات والمواقف تجاه موضوع الدورة الشهرية، وإنها نشرت تغريدة على موقع تويتر لتشجيع الحوار على الإنترنت.

وتابعت إمتاير “عائلتي منفتحة جدا على مواضيع كهذه، لكن بعض الفتيات، خصوصا خلال شهر رمضان، لا يأكلن حتى أمام أقاربهن الذكور ويشعرن بالدنس والعار خلال فترة الطمث”.

وأردفت “هناك وصمة عار كبيرة، وإخفاء الفتاة لواقع أنها في دورتها الشهرية وشعورها بالعار يرسخ اضطهاد النساء، إنه يناقض مفهوم الأنوثة”.

صورة

وتبدو تجربة صابرين الخاصة تجربة مختلفة، فهي قادرة على تناول الطعام والشراب في شهر رمضان خلال فترة طمثها أمام أفراد عائلتها، وتقول “ذهبت مرة لشراء عصير وأخي كان صائما وسألني لماذا أطلب عصيرا في شهر الصيام، وعندما قلت له إنني في فترة الطمث تقبل الأمر بشكل جيد جدا”.

ومع ذلك، تدرك صابرين الحاجة إلى التحدث بشكل أكثر علانية عن الطمث، وتقول “لقد علمتني أمي كيف أتعامل مع دورتي الشهرية بما يختص باللباس والنظافة، لكنها في الواقع لم تعلمني كيفية إخبار الناس عنها”.

وتضيف “لم أبدأ بالحديث مع الناس حول الدورة الشهرية سوى مؤخرا، إنه موضوع من المحرمات، لكن جعل الأمر طبيعيا، يقع على عاتقنا”.

ويترافق وصم الدورة الشهرية مع ظهور مصطلح “فقر الدورة الشهرية” للإشارة إلى عدم القدرة على شراء منتجات صحية أثناء الحيض، ولا تقتصر هذه المشكلة على دول المنطقة العربية، فحتى في بريطانيا لا تتمكن واحدة من بين كل عشر فتيات بريطانيات من شراء فوط صحية، وتضطر بعضهن إلى استخدام الجوارب ومناديل المطبخ.

وتعمل الكثير من وكالات الأمم المتحدة والجمعيات غير الحكومية الدولية والمحلية على تزويد العائلات المحتاجة بالفوط الصحية اللازمة.

وعلى المستوى العالمي هناك اهتمام متزايد بإدماج إدارة النظافة الشخصية أثناء الدورة الشهرية في الاستجابة الإنسانية. ويعد توزيع مواد تنظيف الدورة الشهرية من العوامل الفاعلة للاستجابات المقدمة من الفتيات والنساء أكثر الأنشطة شيوعا في أغلب حالات الطوارئ.

وأشارت دراسة بعنوان “التخلص من الدورة الشهرية إدارة المخلفات والغسيل في الحالات الطارئة” إلى أنه

يجب على النساء والفتيات الحصول على المعلومات اللازمة بشأن الصحة والنظافة الشخصية أثناء الدورة الشهرية، بالإضافة إلى القدرة العملية على استخدام المواد المتاحة للتنظيف أثناء الدورة الشهرية على النحور المنشود.

20