بقايا كورونا المختبئة في أمعاء المتعافين تساعد على تطوير المناعة ضد السلالات الجديدة

تعدّ السلالات الجديدة من أكثر السيناريوهات مدعاة للقلق في الظرف الراهن، إلا أن دراسة جديدة حملت بعض الأخبار السارة، مرجحة أن الأشخاص الذين تعافوا من كوفيد – 19 يتمتعون بالحماية من طفرات كورونا الجديد لمدة ستة أشهر على الأقل، وربما لفترة أطول من ذلك، ويبدو أن الخلايا المناعية لديهم تستمر في التطور، بسبب التعرض المستمر لبقايا الفايروس المخبّأة في أنسجة الأمعاء.
لندن – أظهرت دراسة حديثة أن جهاز المناعة لدى الأشخاص الذين تعافوا من الإصابة بفايروس كورونا قد يتطور لمحاربة السلالات الجديدة للفايروس.
ورغم أن طفرات الفايروس تعد من أكثر السيناريوهات مدعاة للقلق بسبب ما تنطوي عليه من احتمالات عدم تمكن المتعافين وكذلك التلاقيح من تكوين مناعة طويلة المدى ضد كورونا والسلالات الجديدة للوباء، فإن الباحثين المشرفين على الدراسة يعتقدون أنه عندما يواجه المتعافون الفايروس مرة أخرى، فإن الاستجابة ستكون أسرع وأكثر فعالية.
وتقول الدراسة التي أجراها باحثون من جامعة روكفلر في الولايات المتحدة ونشرت في مجلة “نيتشر” (nature) إن الأجسام المضادة التي تنتجها الخلايا المناعية تستمر في التطور، على ما يبدو بسبب التعرض المستمر لبقايا الفايروس المختبئة في أنسجة الأمعاء.
وبينما يمكن للأجسام المضادة التي يكونها جهاز المناعة ضد كورونا أن تبقى في بلازما الدم لعدة أسابيع أو أشهر، فإن معظم الدراسات السابقة كشفت أن مستوياتها تنخفض بشكل ملحوظ مع مرور الوقت.
الحماية لفترة أطول
48 في المئة
من عينات دم الأشخاص الذين أصيبوا بكورونا لم تظهر رد فعل مناعي للسلالة الجديدة
وبينما تقول الدراسة الجديدة إن الأشخاص الذين يتعافون من كوفيد – 19 يتمتعون بالحماية من طفرات كورونا الجديد لمدة ستة أشهر على الأقل، وربما لفترة أطول، وذلك لأن جهاز المناعة لديهم يتطور بعد فترة طويلة من الشفاء من كورونا، وقد يمنع إصابتهم بالأشكال الطافرة من الفايروس، مثل السلالة الجديدة التي ظهرت في جنوب أفريقيا.
وفقا للعلماء تقدم الدراسة الجديدة “أقوى دليل حتى الآن” على أن الجهاز المناعي “يتذكر” الفايروس، ويعمل على تحسين نوعية الأجسام المضادة حتى بعد فترة طويلة من تماثل المصابين بكورونا للشفاء التام.
الخلايا الذاكرة "بي"
وقال ميشيل سي نوسينزويج، رئيس مختبر علم المناعة الجزيئية في جامعة روكفلر بنيويورك والباحث المشارك في الدراسة “هذه أخبار مثيرة حقا، إن نوع الاستجابة المناعية يمكن أن يوفر الحماية لبعض الوقت، من خلال تمكين الجسم من المقاومة السريعة والفعالة للفايروس عند التعرض له مرة أخرى”.
ونظرا إلى أن الفايروس التاجي الجديد يتكاثر في خلايا الرئتين وأعلى الحلق والأمعاء الدقيقة، فإن الباحثين يرجحون أن الجزيئات الفايروسية المتبقية والمختبئة داخل هذه الأنسجة يمكن أن تكون الدافع وراء تطور الخلايا الذاكرة “بي” (Memory cells) والتي تعرف باسم الخلايا البائية.
ودرس العلماء في بحثهم الحالي، استجابات الأجسام المضادة لدى عينة تتكون من 87 شخصا بعد شهر من إصابتهم بالفايروس، ثم بعد ستة أشهر أخرى.
وعلى الرغم من أن الأجسام المضادة كانت لا تزال قابلة للاكتشاف بعد ستة أشهر من الإصابة، فقد انخفضت أعدادها بشكل ملحوظ، حيث كشفت التجارب المعملية أن قدرة عينات البلازما للمشاركين على تحييد الفايروس قد انخفضت بمقدار خمسة أضعاف.
وفي المقابل، وجد الباحثون أن الخلايا الذاكرة “بي” لدى المرضى – خاصة تلك التي أنتجت أجساما مضادة لفايروس كورونا – لم ينخفض عددها.
وأشارت الدراسة إلى زيادة طفيفة في هذه الخلايا في بعض الحالات.
واكتشف العلماء أيضا أن الخلايا الذاكرة “بي” مرت بجولات عديدة من الطفرات حتى بعد الشفاء من العدوى. كما أنها أصبحت أكثر قدرة على الالتصاق بإحكام بالفايروس، ويمكنها التعرف حتى على النسخات المحوّرة منه.
وقال الدكتور كريستيان غايبلر، اختصاصي المناعة الجزيئية بجامعة روكفلر وأحد المشاركين في الدراسة إن “العدد الإجمالي لخلايا الذاكرة بي التي أنتجت أجساما مضادة تهاجم كعب أخيل للفايروس، والمعروف باسم مجال ربط المستقبلات، بقيت كما هي”.
ويعتبر”كعب أخيل”، نقطة الضعف المميتة للفايروس، أي البروتين الذي يستخدمه كورونا للالتصاق بالخلايا.
وأضاف غايبلر “هذه أخبار جيدة لأن هؤلاء هم الأشخاص الذين تحتاجهم إذا واجهت الفايروس مرة أخرى”.
ويساور العلماء القلق من الطفرات الجديدة لفايروس كورونا التي تم اكتشافها في بريطانيا وجنوب أفريقيا، وإمكانية تسللها عبر أجزاء من الجهاز المناعي لنحو نصف الأشخاص الذين أصيبوا بسلالات مختلفة في وقت سابق.
وقال باحثون من جنوب أفريقيا من جنوب أفريقيا إن التحور في جزء معين من البروتين الشوكي الخارجي للفايروس يكسبه قدرة على “الهروب” من الأجسام المضادة.
وخلص الباحثون إلى أن 48 في المئة من عينات الدم لأشخاص أصيبوا بفايروس كورونا في السابق لم تظهر ردَّ فعل مناعي للسلالة الجديدة التي ظهرت في جنوب أفريقيا.
وقال الدكتور بيني مور إن “الأشخاص الذين أصيبوا بأعراض قوية لفايروس كورونا في الموجة الأولى ولديهم رد فعل مناعي أقوى، أقل عرضة للإصابة مجددا”.
ويشار إلى أن الأجسام المضادة تعد جزءا رئيسيا من المناعة التي تنتج عن اللقاحات، ولكنها ليست الجزء الوحيد، لذلك إذا استمرّ الفايروس في التحور للهروب من الأجسام المضادة، فذلك قد يعني أنه يجب إعادة تصميم اللقاحات وإعطائها مجددا.
لكن الخبراء قالوا إنه حتى الآن لا يوجد سبب يدفع إلى الاعتقاد بأن اللقاحات لن تجدي نفعا، وذلك ربما لأنها تنتج رد فعل مناعي أقوى من أي إصابة متوسطة للغاية، أو لأنها تنتج أنواعا جديدة مختلفة من الخلايا المناعية.
ردّ فعل مناعي
ويبدو أن الفايروس يتحوّر ليصبح أكثر انتشارا بنحو 50 في المئة، ويتسلل من بعض الأجسام المضادة التي تكونت بعد الإصابة بسلالات أخرى من الفايروس.
وهذا يعني أن الأشخاص الذين أصيبوا بفايروس كورونا منذ ثلاثة أشهر أو أكثر ربما لن تكون لديهم المناعة الطبيعية الكاملة إذا ما أصيبوا بالسلالة الأحدث من الفايروس.
من ناحية أخرى، تعتبر الاستجابة المناعية بعد الإصابة بكورونا مسألة معقدة، حيث أوضح الأمين العام للجمعية الألمانية لعلم المناعة، كارستن فاتسل، في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية أن عدد الأجسام المضادة التي تتكون لدى الشخص المصاب يرتبط عادة بشدة الإصابة. وذكر فاتسل أن أولئك الذين لا تظهر عليهم أعراض على سبيل المثال غالبا ما ينتجون أجساما مضادات قليلة أو لا ينتجونها على الإطلاق.
وأوضح فاتسل أنه بالإضافة إلى ذلك تفقد الحماية المناعية فعاليتها بمرور الوقت بسبب انخفاض عدد الأجسام المضادة، موضحا أنه لا يمكن الجزم بالفترة التي يصبح خلالها الأشخاص المصابون محصنين، مشيرا إلى أن هناك بعض الحالات التي أصيب فيها الناس بالمرض مرة ثانية، “لكن هذه استثناءات مطلقة”.
وأشار معهد “روبرت كوخ” الألماني للسيطرة على الأمراض أيضا إلى أنه لا توجد حتى الآن إجابات نهائية للعديد من الأسئلة، موضحا أن الدراسات المتاحة حتى الآن توفر دلائل على أن إعادة العدوى ممكنة.