بغداد تفقد سالم الآلوسي مؤرخ فلكلورها

بغداد - فقدت الأوساط الثقافية العراقية، مساء الثلاثاء 16 ديسمبر الجاري، رمزا من رموز القرن العشرين هو عميد المؤرخين العراقيين سالم الآلوسي، عن عمر ناهز الـ89 سنة وشيعت بغداد جثمانه إلى مثواه الأخير صباح أمس الأربعاء.
حفلت حياة الفقيد بإنجازات ثقافية كبيرة وتبوأ مناصب رفيعة عدة، إلا أنه غلب عليه حب الوثائق والاهتمام بها، وفي الستينات من القرن الماضي كانت محطة التلفزيون العراقية تستقبله أسبوعيا، ليقدم برنامجه الذي حظي باهتمام شعبي واسع وهو “الندوة الثقافية”، لتسليطه الضوء على مواضيع مهمة، من مثل تاريخ مدينة بغداد، والتاريخ الإسلامي، والوثائق القديمة، والآثار، والشخصيات المؤثرة في المشهد الثقافي آنذاك.
واستضاف الفقيد الآلوسي في برنامجه شخصيات علمية قريبة من الناس، وتتحدث بلغة مفهومة سهلة وفي مختلف الاختصاصات متناولة المواضيع الثقافية المهمة، وكان من بين تلك الشخصيات العلامة الراحل مصطفى جواد، الذي كان يتحدث عن بغداد وتاريخها والمدارس العلمية القديمة فيها وقصور الخلفاء وآثارهم.
كما استضاف الراحل أحمد سوسة الذي تحدث عن حضارة بلاد ما بين الرافدين سومر وأكد وبابل، والراحل كوركيس عواد وشقيقه ميخائيل عواد، وفؤاد عباس وجعفر الخليلي وعلي الوردي، وغيرهم.
ولد الفقيد الآلوسي في سوق حمادة، أحد محلات بغداد القديمة في الكرخ، من أسرة دينية معروفة، وأكمل دراسته الابتدائية والإعدادية في بغداد، ولظروفه المعيشية الصعبة عمل في دائرة المتحف العراقي، وفي العام 1952 كان على مقاعد الدراسة في كلية الاقتصاد والتجارة.
ثم انتقل مشرفا عاما على البرامج الثقافية والأدبية في إذاعة بغداد، ثم مديرا لدائرة الثقافة في وزارة الثقافة والإرشاد، ثم مديرا في المركز الوطني لحفظ الوثائق، وظل متواصلا مع المشهد الثقافي العراقي عبر اللقاءات التلفزيونية والمنتديات الثقافية والنشر، حتى آخر يوم في حياته.
وأسهم في إصدار مجلة سومر والمورد والتراث الشعبي والوثائق التي هي من أشهر المجلات التي صدرت في العراق، ومازالت تصدر فضلا عن مراكز البحوث والدراسات العالمية.
كما شغل منصب الأمين العام للمركز الوطني للوثائق في وزارة الثقافة والإعلام العراقي، والأمين العام للفرع الإقليمي العربي للمجلس الدولي للوثائق، ومعاون مدير الآثار العام، ومعاون مدير عام الإذاعة والتلفزيون، ومدير الإذاعة وكالة، ومدير التأليف والترجمة والنشر بوزارة الثقافة والإعلام، ومدير السياحة العام، وعميد معهد الوثائقيين العرب وكالة.
ويقول الصحفي علي ناصر الكناني إن الآلوسي دخل الكتاب وختم القرآن الكريم، ثم دخل المدرسة الابتدائية وتأثر بمعلميه ومدرسيه حمدي قدوري الناصري وعزت الخوجة وصالح الكرخي، وبعد إكمال الدراسة المتوسطة والإعدادية، كان يطمح أن يكون طبيبا.
لكنه قرأ إعلانا في جريدة البلاد عن وجود حاجة إلى دليل آثار في دائرة الآثار فتقدّم وفاز بالوظيفة، وأمضى في الآثار أكثر من 20 عاما، عمل فيها مع نخبة من الآثاريين والأدباء الكبار أمثال: ساطع الحصري ومصطفى جواد والأخوين كوركيس عواد وميخائيل عواد وناجي الأصيل والشيخ جلال الحنفي وفؤاد سفر وطه باقر وفرج بصمجي وناصر النقشبندي وصادق كمونة ويعقوب سركيس وأحمد حامد الصراف وعباس العزاوي.
ومن مؤلفات الفقيد سالم الآلوسي: “ناجي الأصيل: سيرة شخصية” صدر سنة 1964، و”ذكرى مصطفى جواد” سنة 1970، و”الراهب العلامة: ذكرى الأب أنستاس الكرملي” سنة 1970، و”موجز دليل آثار الكوفة” سنة 1965، و”دليل آثار سامراء” سنة 1965، و”انقذوا آثار النوبة” سنة 1966، و”مراجعة كتاب مختصر التاريخ لابن الكازروني الذي حققه مصطفى جواد” سنة 1971، إلى جانب العشرات من الدراسات والبحوث المنشورة في مجلات عراقية وعربية وأجنبية.
وبرحيل سالم الآلوسي يفقد العراق آخر العنقود من المؤرخين الرواد، والمأمول أن تتعهّد وزارة الثقافة العراقية، التي أفنى حياته في خدمتها، بإعادة طبع مؤلفاته وإطلاق اسمه على أحد قاعاتها الكبيرة.