بعد 20 عاما هل ما زال العراق بحاجة إلى واشنطن؟

أصبح العراقيون مدركين تماما أن المشاكل التي يمر بها بلدهم وحلولها باتت بأيديهم. فهم من يمتلك أدوات التغيير، حتى مع وجود واشنطن، التي مازالت تمتلك خيوطا لها كشريك، وليست مسيطرة على القرار السياسي الوطني.
ويبدو أن العراقيين باتوا يتوقعون من سياسييهم أن يكونوا على قدر المسؤولية في تنفيذ مطالبهم وحقوقهم. بالإضافة إلى إيجاد الحلول الناجعة لمشاكل الفساد، التي أخذت تتجذر أكثر فأكثر في مؤسسات الدولة، وغيرها من المشاكل التي بدأت تؤثر على المشهد الاقتصادي، وآخرها التأثير المناخي، المشكلة التي بدأت تلقي بظلالها على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وزادت من مخاوف المجتمع العراقي، ككل، في قدرتهم على تحسين وضعهم المعيشي، بما في ذلك العثور على وظائف، أمام تدهور الوضع الاقتصادي للبلاد وزيادة الأسعار، وما رافقها من أزمات أثرت على الوضع العام كأزمة المياه، وتسارع سياسة تركيا في زيادة أعداد السدود على نهري دجلة والفرات، ما سرّع كثيرا في ارتفاع نسبة التصحر، وهذا ما أكده تقرير البنك الدولي لعام 2020.
الشعب العراقي أصبح على يقين أن المشاكل التي تمر بها البلاد لا يمكن حلها من الخارج، وأن معالجتها ينبغي أن تكون داخليا، وليست هناك أي إرادة خارجية لإجراء أي تعديلات أو تغيرات على البناء الاقتصادي والسياسي للبلاد، لأن الأزمة ليست سياسية أو مالية اقتصادية، بقدر ما هي أزمة إدارة.
الولايات المتحدة كشريك أيضا، لها أدوات عقابية تجاه العراق، ويمكن لها أن تستغل القوانين لمعاقبته كقانون “ماغنسي” الذي يمكن استخدامه لمواجهة عمليات تهريب الأموال إلى الخارج، وتقديم الدعم اللازم لمجموعة مراقبة مكافحة الفساد في العراق. يمكن لواشنطن أن تساعد في إعادة الأموال وتجميد المهرب منها، والتي ترى أن الدولار عملتها الرسمية، ومن حقها متابعة عمليات تهريبه وملاحقة الفاسدين، وإيقاف أموالهم في البنوك الغربية.
◙ العراق بدأ يصبح أكثر قدرة على حماية نفسه، وتثبيت دعائم أمنه واستقراره وسيادته، ويمكنه الدفاع عن نفسه ضد أي خطر يهدد أمنة واستقراره، وآخر هذه التهديدات تنظيم داعش الإرهابي
يعتقد بأنه بات ممكنا للعراق أن يجد حلاً لمشاكله من خلال نظام “الحوكمة” الذي سيسهل عملية مواجهة تحديات الإصلاحات الاقتصادية، وجذب الاستثمارات في مختلف المشاريع، وأهمها المجال النفطي، واستثمار عمليات الغاز المصاحب في توليد الطاقة، واستخدام المياه العذبة التي بدأت تشح في بلاد الرافدين!
هناك من يرى أن على واشنطن أن تكون جادة ومهتمة باستقرار العراق وتطوره وازدهاره وتطوير قدراته الإدارية والاقتصادية، وأن تنفذ ما عليها من التزامات، وأن تكون صادقة في ذلك.. وإلا فإن العراق بقدراته البشرية والمالية يمكن أن يكون متقدما في المجال الاقتصادي، وسط الانفتاح على الوضع الإقليمي والدولي، الذي بالتأكيد سيؤثر بالإيجاب على اتساع رقعة الاستثمار في البلاد.
العراق بدأ يصبح أكثر قدرة على حماية نفسه، وتثبيت دعائم أمنه واستقراره وسيادته، ويمكنه الدفاع عن نفسه ضد أي خطر يهدد أمنة واستقراره، وآخر هذه التهديدات تنظيم داعش الإرهابي، حيث استطاع بقدرة أبنائه أن يقود حربا بالنيابة عن العالم ضد التنظيم الإرهابي، ومنع المخطط الدولي الهادف إلى تقسيمه.
يبقى الخطر الأكبر والأبرز الذي يهدد الدولة العراقية، هو الفساد المستشري الذي بدأ يضرب أركانها، ويصل إلى القيادات السياسية، والذي يعد أحد الموروثات السلبية للتدخل الأميركي، وساعد في تكوين طبقة من الأثرياء، حيث يصلها شهريا ما بين مليار وملياري دولار من البنك الفيدرالي الأميركي، لدعم رواتب موظفيها وتوفير رأس المال للمشاريع والاتفاقيات التجارية الخارجية. وهو ما وفر بيئة للفاسدين لسرقة المال والتلاعب به، حتى وصل الأمر إلى اختلاس مليارين ونصف المليار، في صفقة وصفت بأنها الأقوى والأكثر فسادا في القرن الحالي.