بعد هنية والضيف.. مستقبل حماس يحدده جيل وطني جديد

الحركة أمام تبني خيارات سياسية واقعية قبل لفظها فلسطينيا.
الاثنين 2024/08/05
ديناميكيات جديدة قد تدفع نحو التغيير

تركيز حماس على السلطة بدل الخيارات الوطنية العليا ساهم في ارتكاب أخطاء تكتيكية وإستراتيجية تسببت في الأوضاع الكارثية التي تمر بها غزة الآن. ومع اغتيال أبرز القادة المؤسسين للحركة تبدو الفرصة سانحة أمام الجيل الجديد لتعديل مسارات الفشل.

القاهرة - تمر حركة حماس الفلسطينية وعموم ما يُعرف بمحور المقاومة بمرحلة مفصلية بعد توجيه إسرائيل ضربات نوعية مركزة أخرجت عددا من كبار الرموز العسكريين والقادة السياسيين من الحلبة، وآخرهم إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة بالتزامن مع تأكيد مقتل القيادي في الجناح العسكري البارز بها محمد الضيف، وهو ما طرح أسئلة عديدة بشأن مستقبل حماس، ومدى قدرتها على التكيف مع الواقع الجديد ومسايرته؟

ويُضاف اغتيال إسماعيل هنية بعد مشاركته في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان في مقر استضافته بطهران إلى نجاحات تكتيكية أحرزتها القيادة الإسرائيلية في سياق تلويحها أمام جمهورها بالداخل والحليف الأميركي، بما تعوض به الإخفاق في تحقيق الأهداف الرئيسية للحرب على قطاع غزة، والمتعلقة بحسمها ميدانيًا واستعادة الأمن والقضاء تمامًا على حماس واستعادة الرهائن.

ويعد التوجه لتصفية كبار قادة حماس طريقا مفضلا لإسرائيل بهدف التهرب من ضغوط إيقاف الحرب والتوصل إلى صفقة تبادل الرهائن والأسرى، وتعويض الإخفاق بشأن الأهداف الكبيرة الخاصة بتحقيق نصر شامل والقضاء الكلي على حماس بنجاحات مرحلية تستهدف ضرب معنويات حماس وإحباطها دون إخضاعها واضطرارها إلى الاستسلام.

ويتعلق اغتيال هنية من زاوية ما بالأهداف بعيدة المدى والنظر إلى مراحل ما بعد انتهاء الحرب، مع التيقن من صعوبة القضاء على حركة حماس بشكل كامل وتصميمها على العودة مجددًا حتى بعد تدمير جانب كبير من بنيتها العسكرية وتفكيك جزء من هيكلها التنظيمي ميدانيًا.

لا قيمة لاستبدال قيادة إذا لم تكن القيادة الجديدة قادرة على استيعاب دروس المراحل السابقة التي شهدت تخبطا في الخيارات والتحالفات

وتدرك تل أبيب أن تقويض قدرات حماس العسكرية لا يكفي لهزيمتها، وأن الحركة ستكون قادرة بعد أشهر قليلة على تجنيد وتدريب عناصر جديدة والعودة إلى الاستحواذ على المساعدات لاستعادة بنيتها التحتية والإمساك تدريجيًا بزمام غزة، معتمدة على جهود قادتها السياسيين والممولين لها.

ويعني ذلك أن تقويض حركة حماس وشل قدرتها كي لا تعود مجددًا وتعوض ما جرى استنزافه من جسدها يستلزم تدمير قوتها السياسية وتحييد سياسييها والقائمين بمهام الاتصال بمموليها الرئيسيين.

ولعب هنية الذي أدار علاقات حماس الدولية والإقليمية، الدور المركزي في جمع الأموال للحركة والدفع بعلاقاتها نحو إيران باتجاه الاستمرارية على الرغم من استمرارية التخلي والخذلان، ولذلك كان في صلب خطة إعادة بناء حماس بعدما لحق بها من أضرار جسيمة لجعلها تنمو كجيش مناوئ لا تُؤمَن مفاجآته على طول الحدود الجنوبية لإسرائيل.

وتطل من خلف نجاحات إسرائيل التكتيكية بتصفية عدد من الرموز والقيادات حقائق ميدانية من الصعب تجاوزها، فلا يزال لدى حماس قرابة الاثني عشر ألف مقاتل، ما يعكس إعادة نشر نحو خمس عشرة كتيبة، تزداد قدرتها على تشكيل خطر ميداني حال بقيت بعض القيادات العليا لحماس على قيد الحياة بجانب بعض المخضرمين المتمرسين في القتال.

وتختلف حماس عن جماعات مسلحة تنتمي إلى الإسلام الحركي والسلفية الجهادية التي تنجح معها الإجراءات التقليدية في مكافحتها مثل تصفية القادة والممولين والحرمان من الملاذات الآمنة وإنهاء سيطرتها المكانية.

اغتيال هنية يتعلق من زاوية ما بالأهداف بعيدة المدى والنظر إلى مراحل ما بعد انتهاء الحرب

ومن المرجح أن تنجح الحركة الفلسطينية في تجديد نفسها استنادًا إلى إيمانها بمشروعية المقاومة ضد المحتل، وهو ما لا يتأثر كثيرًا في ما يتعلق بالقناعات والقدرة على تجنيد أجيال جديدة في زمن قياسي بحجم الأضرار والتضحيات، مع رسوخ يقين مفاده أن مسار المفاوضات والتسويات السياسية وتقديم المزيد من التنازلات لن يؤدي إلى إقامة دولة.

وتفشل جماعات السلفية الجهادية في إقناع أغلبية جمهورها بجدوى حمل السلاح في ظل أهداف تتعارض مع المصالح العليا للدول والمجتمعات وبرامج لا تخدم قضايا وطنية أو حتى دينية واضحة.

ومع عدم امتلاك القدرة على إنزال هزيمة ساحقة بها تظل الفرص الدعائية سانحة مستقبلًا أمام حركة حماس عبر تسويق رواية الاستبسال والصمود رغم ضعف الإمكانات البشرية وفقر الأسلحة في مواجهة أحد أقوى الجيوش بالمنطقة مدعومًا من القوة العظمى في العالم.

وتكمن قوة حماس المتبقية بعد تفكيك جزء كبير من بنيتها العسكرية وقتل غالبية قادتها المؤثرين، فضلًا عن القضاء على قرابة نصف مقاتليها الفعليين في استعصائها على التدمير الكلي وقدرتها على تشكيل جيل جديد من المقاتلين من منطلق تأييد المجتمع المحلي لبرامجها في ضوء اعتبار عدد من الفلسطينيين عنف حماس ضد المدنيين الإسرائيليين مقبولًا، خاصة ممن فقدوا أفردًا من أسرهم في الحرب، ناهيك عمن هُجروا ونزحوا وفقدوا منازلهم وخسروا ممتلكاتهم وأراضيهم بالضفة والقطاع.

من المرجح أن تنجح الحركة الفلسطينية في تجديد نفسها استنادًا إلى إيمانها بمشروعية المقاومة ضد المحتل

ولا يُعد استعصاء حماس على التدمير وقدرتها على خوض مواجهات مطولة في المستقبل من خلال قادة ومقاتلين جدد مقياسًا على نجاح الحركة في صنع إنجاز في سياق مشروع التحرر الوطني، ما لم تقدم على إجراء مراجعات كبرى تعيد في ضوئها تحديد هويتها كحركة وطنية تتبنى خيارات سياسية واقعية تصلح لاستثمارها في صورة إنجازات رمزية، وهو ما يضمن استمرار تحمل شريحة من الشعب الفلسطيني لتبعاتها.

وعلى حماس التخطيط والتصرف من منطلق كونها فصيلا مقاوما لا كونها حكومة أو جيشا، فالتركيز على السلطة استغلته إسرائيل في تكريس الانقسام بين الفلسطينيين لفصلهم عن حلم الدولة، كما وظفت تصرف حماس كجيش يطلق صواريخ مقابل جيش لجعل غزة مكانا غير قابل للحياة، واستدراجها إلى حرب أكبر من قدراتها وخارج نطاق نشاطها الذي يعتمد على الضربات الخاطفة وحرب العصابات واستنزاف العدو تدريجيا.

ولا قيمة لاستبدال قيادة بقيادة أخرى على رأس الحركة إذا لم تكن القيادة الجديدة مبدعة وقادرة على استيعاب دروس المراحل السابقة التي شهدت تخبطا في الخيارات والتحالفات وعدم إدراك لموازين القوى بعدما تعززت مكانة إسرائيل في المنطقة وسقطت أو تفككت بعض الجيوش العربية.

وتقتضي الواقعية التي من المفترض أن تصبح هي سلاح حماس الأهم بهدف تعويض الإخفاقات، إدراك طبيعة ما يجري على الأرض في ما يتعلق بالضعف الذي طرأ على قدراتها العسكرية وخسارة قادتها المخضرمين وانكشاف إيران كحليف برغماتي يُعلي من مصالحه الخاصة ويزج بوكلائه في مغامرات، وهو عاجز عن مجابهة إسرائيل والولايات المتحدة.

وتضمن حركة حماس عدم استدراجها للفخاخ مجددًا تحت عنوان السلطة بحذفها من أولوياتها خاصة أن إسرائيل تتخذ من بقائها كسلطة في قطاع غزة مبررًا لجعلها مكانًا غير قابل للحياة.

Thumbnail

ويفوت خيار الزهد في الإدارة والحكم والالتحام بالجسم الفلسطيني والعمل على إصلاح منظمة التحرير على تل أبيب فرصتها النادرة لتقليل أعداد سكان غزة إلى الحد الأدنى وإنهاء مشروعي المقاومة والدولة وفرض واقع جديد لن يستطيع أحد تغييره بسهولة.

وعلى الرغم من الأخطاء الكارثية التي ارتكبتها حماس على مستوى التحالفات والتكتيكات والقرارات والتوقيتات وتآكل قوتها العسكرية وخسارتها أهم قادتها والآلاف من كوادرها المدربة، إلا أن الحركة لا تزال حاضرة ولم تُهزم نهائيا وقادرة على ترميم شعبيتها بعد أن تصلح أخطاءها.

ولو حرصت حماس من البداية على تجنب الأخطاء وعلى ضبط تحالفاتها وكانت ركنًا في مشروع التحرر الوطني تتسق أجندتها مع المصالح العليا للفلسطينيين ومدركة للمعطيات الدولية والإقليمية وغير معزولة عن الواقع العربي ولم تصبها المبالغة في القدرات الذاتية والانخداع في المحور الإيراني، لكانت قضيتها أكثر شعبية وقادتها أكثر رمزية في الوجدان العربي، بمعزل عن شبهات العمل بالوكالة لطهران التي أسهمت في خراب جزء من المشرق العربي وأمعنت قتلا في بعض الشعوب العربية.

وإذا راهنت حماس بعد الواقع الجديد على السلطة ولا تولي المصالح الوطنية العليا الرعاية التي تستحقها، سيبحث الفلسطينيون تحت الضغوط الاستثنائية عن بديل يحقق أهدافهم ويخدم مشروعهم التحرري بفاعلية أكبر وأخطاء أقل دون برامجها وتصوراتها، والأهم بدون عنادها ومكابرتها.

6