بعد خراب البصرة

عشت الأسبوعين الماضيين محنة التفتيش عن حلول ناجعة لتوفر الماء لأهلنا في البصرة، ولأني لم أكن مهندسا أو مختصا بتصفية المياه ذهبت إلى عدد غير قليل من المهندسين المختصين بتحلية المياه، وأغلبهم عراقيون يحملون شهادات اختصاص ويملكون هم الاستجابة لحل الأزمة المتفاقمة هناك، كونهم يبنون مشاريع مماثلة وكبيرة في دول الخليج العربي وهي أغلبها ناجحة في تصفية المياه وتحليتها.
خلصت من خلال جولتي في البحث أن البصرة المدينة الثانية في العراق من حيث أعداد السكان، ذات الأربعة إلى خمسة ملايين نسمة، تتفاقم أزمتها لسببين رئيسيين.
الأول مياه البزل المالحة التي تأتي من الأراضي الإيرانية بعد تحويل مجرى الكارون عنها والذي كان يغذي شط العرب طبيعيا بالمياه الحلوة، وصعود مدّ موجات الخليج الراجع على شط العرب واختلاطه بالمياه الحلوة، إضافة إلى انحسار المياه أصلا بعد تشغيل سد اليسو التركي، وانحسار مستوى الماء في دجلة والفرات المكونين لشط العرب، حتى بلغت الملوحة من 5 بالمئة إلى 20 بالمئة وبذلك لا تتمكن المعدات التقليدية لشبكة المياه الحالية في البصرة من تحمل التصفية والتحلية، والعقود التي أبرمتها الحكومة لتوفير المياه لم تحسب لهذه المضاعفات في نسبة الملوحة غير المتوقعة خلال السنوات العشر الأخيرة بنسبة أربعة أضعاف، حتى مات الزرع والضرع، وحرم الناس من نعمة الماء الحلو، في مدينة أصلا لا تشرب من مياهها بل من منطقة البدعة الواقعة على نهر الغراف التي تبعد مئتين وستين كيلومترا عنها، حيث تزود البصرة بالماء الحلو بأنبوب منذ نصف قرن.
لكن النقص في مياه الفرات المغذية حال دون وصول كميات كافية من مياه الشرب والسقي فخربت البساتين ولم يراع ذلك طيلة العقود الماضية حتى خرج الآلاف من المتظاهرين مطالبين بالماء والكهرباء في ثورة عارمة أخرجت البصريين عن طورهم وتحملهم وهم يهددون بوقف استخراج النفط والتظاهر الاحتجاجي على سوء الخدمات، ووصلوا إلى مفترق الطرق مع الحكومة الحالية ومطالبتها بالعلاج الفوري لمجمل النقص في الخدمات، سألت المهندسين ما الحل السريع؟
قالوا ببساطة، تغيير سستم العمل كليا في التصفية والتنقية وربط ذلك على الشبكة الوطنية بمنظومات متكاملة جديدة تعمل بمولدات ذاتية، وهي متوفرة في العالم وتتمكن الدولة العراقية من استجلابها إذا أرادت حلا سريعا لمعالجة حرمان الناس من مياه الشرب بأسرع وقت ممكن، لكن الفوضى التي تعيشها الدولة العراقية وقلة الخبرة وانحسارها تزيد هم الناس وتشي بأزمة تلد أخرى.
المضحك المبكي أن وزيرا معنيا بالمياه أتت به المحاصصة السياسية قال مبررا متفائلا بارتفاع نسب الملوحة “لندع الملوحة تعقم مياه الأنهر لحين ما نفتش عن حلول”!