بعد أفغانستان وسوريا.. حكم إسلامي وشيك في الصومال

لم تعد حركة الشباب الصومالية مجرّد تمرد مسلح، بل تبدو اليوم كأنها تتهيأ لتقديم نفسها بديلا محتملا للحكم في الصومال، ليس فقط عبر السيطرة الميدانية، بل أيضا من خلال رسائل محسوبة للمجتمع الدولي.
القاهرة - انتقلت حركة الشباب الصومالية في شهر أبريل الجاري من مرحلة تهيئة الداخل لفرضية استيلائها على السلطة وإعطاء انطباع بأنها أقدر على توحيد البلاد والأجدر من النخب الفاسدة الحاكمة، إلى تهيئة المجتمع الدولي عبر رسائل مفادها أن كل الأهداف الحصينة والحساسة في مرماها.
وكشفت التطورات المهمة في المشهد عن أن فرع القاعدة القوي ينوي حكم الصومال في القريب العاجل؛ فالحركة باتت في وضع يسمح لها باحتلال المناطق الإستراتيجية المهمة والتمركز فيها لا الانسحاب منها، علاوة على أن المطار رمز السيادة الوطنية ومركز التواصل بين القوى الدولية والحكومة المركزية لم يعد بمنأى عن الخطر.
واستهدفت حركة الشباب التي جهزت الآلاف من عناصر نخبتها منشآت إستراتيجية ذات رمزية سيادية مثل مطار آدم عدي الدولي، وبالتزامن مع استهداف المطار كان هناك هجوم آخر جرى تنفيذه ضد معسكر هالاني الذي تعمل به جهات أممية ودولية.
وأرادت حركة الشباب عبر هذه الهجمات لفت انتباه القوى الدولية إلى أن الأوضاع في البلد المهم في القرن الأفريقي لم تعد كالسابق، وأن حكمًا على غرار طالبان في أفغانستان أو هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) في سوريا على وشك إنجازه قريبًا في الصومال.
ووصلت رسائل استهداف المطار عبر ضربه بقذائف هاون في السابع من أبريل الجاري، حيث أن الهدف لم يكن إيقاع ضحايا ومصابين بقدر ما كان إشارة تنبيه للقوى الدولية التي لا تزال تدعم الحكومة الفيدرالية وتثق بقدراتها أن حساباتها خاطئة وأن المعادلة السياسية والعسكرية قد تتغير خلال وقت قياسي.
وركزت حركة الشباب هجماتها في العاصمة مقديشو خلال مارس وأبريل ما يدل على أن مركز السلطة مستهدف وسقوط البلاد وشيك بسقوط عاصمتها، بجانب الأهداف ذات البعد الدولي التي ترمي إلى فك الارتباط بين السلطة وحلفائها في الخارج.
◙ الهجمات على منشآت سيادية، دون إيقاع خسائر أجنبية، تشير إلى تحوّل تكتيكي يعكس استعدادا لتكرار نموذج طالبان بنسخة محلية
وحرصت الحركة خلال هجماتها على أهداف ذات رمزية سيادية وحساسية دولية، مثل المطار ومعسكر هالاني الحصين، على عدم وقوع قتلى ومصابين أجانب، ما يلفت إلى أنها تبعث برسائل للمجتمع الدولي تقول إنها وصلت إلى هذا المستوى من القوة وإنها باتت قريبة جدًا من العاصمة، ويجب أن يفكر الغرب في سيناريو قبولها كبديل في السلطة.
والطريقة التي نُفذت بها الهجمات دون قتلى ومصابين، على عكس أساليب وتكتيكات الحركة الوحشية المعتادة، تنم عن إبداء الجماعة المحسوبة على تنظيم القاعدة المركزي ولا تزال تعتنق منهجية وأدبيات الإرهاب العابر للحدود، استعدادها للتحول إلى الجهاد المحلي على غرار جماعة أحمد الشرع في سوريا بهدف كسب القوى الدولية والتركيز على الحكم المحلي.
وتكاد تكون الحالة الصومالية مُهيأة لحكم إسلامي تقوده حركة الشباب من زاوية شيوع قناعة بأن الجماعة المتشددة أكثر كفاءة في الإدارة وتوفير الخدمات الأساسية من النخب الحاكمة الفاسدة، وهي في وارد إقناع القوى الدولية بها عبر إبداء الاستعداد للدخول في صفقات وتفاهمات تفضي إلى تبادل مصالح.
ووضح أن تكتيك الحركة المدروس يتضمن، بجانب دفع القوى الدولية إلى تقليص أنشطتها ووجودها ما يضعف الحكومة ويفقدها غطاء أمنيا ودبلوماسيا، فتح آفاق لصفقات تعزز هيمنة الحركة مستقبلًا على السلطة وتحييد الأوروبيين والأميركيين عبر توظيف ورقتي جماعة الحوثي وتنظيم داعش.
وستصبح الولايات المتحدة وعواصم أوروبية مستعدة لقبول حكم إسلامي في الصومال إذا تعهد الحكام الجدد بالتحول إلى الجهادية المحلية والتنصل من الإرهاب العابر للحدود، ما يعني تفكيك التحالف والشراكة الخطرة بين حركة الشباب والحوثيين والتفرغ لتقويض داعش في الصومال. وتلوح حركة الشباب للفرقاء الدوليين بأنها على استعداد لخوض هذه التحولات، ما يُعد صفقة جيدة لواشنطن الراغبة في تحقيق الاستقرار وتقليص نفوذ إيران والقضاء على خطر داعش المتنامي في الصومال.
وحل الإشكالات المعقدة في منطقة القرن الأفريقي، خاصة المتعلقة بقطع الروابط التنظيمية وروابط الإمداد المتبادلة بين الحوثيين وفرع القاعدة في الصومال وتقويض داعش الذي يتخذ من الصومال مركز إدارة وتمويل عالمي، بات مطروحًا من خلال تصور سيناريوهات هيمنة حركة الشباب على السلطة. ويدشن استيلاء حركة الشباب على الحكم في الصومال المعادلة المُريحة للغرب وفروع تنظيم القاعدة؛ فلا إرهاب مُعَولم عابر للحدود سنيّا وشيعيّا، مقابل تصعيد لسلطة الجهاديين.
◙ تكتيك الحركة المدروس يتضمن فتح آفاق لصفقات تعزز هيمنة الحركة مستقبلا على السلطة وتحييد الأوروبيين والأميركيين
ولا تضع حركة الشباب في اعتبارها -في سياق تخطيطها للسيطرة على مقديشو وفرض سلطتها الحاكمة- فقط استغلال المشكلات الراهنة وحالة عدم الاستقرار التي تعصف بالحكومة الاتحادية، إنما تراهن على حرص الأميركيين والأوروبيين على تحقيق مصالحهم مع أي شريك، والراغبين في الوقت ذاته في الانسحاب من نقاط الصراع الساخنة العالمية.
وتؤشر التطورات على عزم الحركة على دخول العاصمة مقديشو قريبًا بقوة عسكرية مدربة تدريبًا متطورًا، في أعقاب نجاحها في إضعاف قبضة الحكومة الحالية عبر عدة مسارات. وضربت الحركة بقوة في بنية الجسد العسكري الحكومي وأضعفت الثقة والروح المعنوية داخل الجيش من خلال عمليات نوعية مؤثرة مثل محاولة اغتيال الرئيس الصومالي الذي نجا منها بأعجوبة، وتاليًا الهجوم على القصر الرئاسي، والذي خلف قتلى وجرحى ودمر منشآت داخل القصر.
وبالتوازي مع تنامي نفوذ الحركة وإحكامها السيطرة على مناطق إستراتيجية بالقرب من العاصمة، فضلًا عن إحكام الحصار على مقديشو استعدادًا للزحف إليها، تنهار الحكومة الصومالية على العديد من المستويات وتتدهور علاقاتها مع بونتلاند وجوبالاند، وسط اتهامات بأن الرئيس الصومالي يعيد كتابة الدستور الاتحادي لتعزيز سلطته.
وسيرت حركة الشباب دوريات تفتيش على الطرق المُوصلة بين بلدات ومدن هامة استولت عليها في ولايتي شبيلي الوسطى والسفلى والعاصمة، فضلًا عن الطريق الواصل بين مقديشو وأفجوي غربًا، ما يعكس جهودًا وخططًا منسقة لشن هجوم وشيك للاستيلاء على العاصمة.
وعزز حصول هذا السيناريو قريبًا سيطرة حركة الشباب على مناطق ومدن إستراتيجية قريبة جدًا من العاصمة مثل منطقة بلقاد التي تقع على بعد ثلاثين كيلومترًا فقط من العاصمة. وصار التمرد طويل الأمد والارتباط بقوى طائفية في الإقليم بشكل غير مباشر وشن هجمات متفرقة على المدن والبلدات الإستراتيجية ثم الزحف إلى العاصمة، هو خريطة طريق الحركات الجهادية إلى السلطة لإكمال التحول من التمرد المسلح إلى ممارسة الحكم.
وإذا سقطت مقديشو في يد الجهاديين فستكون الصومال محطة محورية جديدة في مشهد تمكين فرع القاعدة المحلي وما يُعرف بالجهادية السياسية من الحكم في العديد من الساحات وبؤر الصراع الساخنة حول العالم.
ومن المرجح أن يكون هذا التطور مدخلًا لصيغة إسلامية متعددة تستكشف مسارها الخاص وتتحول من الإرهاب إلى نموذج حكم وتُضاعف نفوذ وحضور الجهاديين، لأن الحالة تتصل بالهيمنة على السلطة في مناطق إستراتيجية بالعالم، بداية من أفغانستان مرورًا بسوريا ووصولًا إلى الصومال.