بعثة يونامي في العراق.. حسابات الربح والخسارة

في الوقت الذي كان فيه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يهيئ القرار الحكومي لتحديد شكل العلاقة المستقبلية مع بعثة الأمم المتحدة، خلال لقائه الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وذلك على هامش مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي بدورته الـ54 المنعقدة في سويسرا، كانت جينين بلاسخارت رئيسة البعثة الأممية في العراق تكتب بيانها الذي يشير إلى غياب الاستقرار في المنطقة، وإمكانية تعرض العراق لخطر المزيد من الانجرار نحو الصراع المحتدم في الشرق الأوسط على خلفية الحرب في قطاع غزّة.
تقرير بلاسخارت الذي رسم صورة متشائمة حين كُتب بين سطوره أن الهجمات المستمرة التي تنطلق من داخل الحدود العراقية وخارجها من شأنها أن تؤدي إلى تقويض الاستقرار الذي تحقق بعد جهد في البلاد.
التقرير يؤكد أن الصراع المحتدم في غزّة يهدد بانتقاله إلى أماكن أخرى وبمواجهات أكبر، مما يؤشر على أن مجلس الأمن قد يدفع إلى تجديد تفويض بلاسخارت وبعثتها للعمل في العراق بنفس الشكل الذي تعمل عليه منذ عقدين.
◙ محاولة السوداني التفاوض لرسم علاقة جديدة مع البعثة الأممية وتلميحات بلاسخارت بعدم وجود استقرار في العراق، ستجعل من مهمة إخراج تلك البعثة صعبة في ظل توافق أميركي ودولي على بقائها
تتمتع بعثة يونامي بدور واسع في العراق منذ تأسيسها في 14 آب/أغسطس عام 2003 وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1500 الذي نص على إعطاء المشورة والمساعدة للعراق بشأن تعزيز الحوار السياسي والمصالحة على المستوى الوطني، وتقديم الدعم للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات ومؤسسات العراق الأخرى في الجهود المبذولة للتحضير للانتخابات، كما أن من واجب المنظمة الأممية تقديم المشورة للحكومة ومجلس النواب بشأن مراجعة الدستور وتسوية الحدود المتنازع عليها داخليا، إضافة إلى قضايا الطاقة والتجارة والبيئة واللاجئين والصحة وحقوق المرأة والمساواة، مما يجعل لبعثة يونامي سندا قانونيا للعب دور أكبر في الوضع السياسي بالعراق الذي تتواجد على أرضه، وتعادل دبلوماسيا مرتبة السفارات بين دول العالم، ويكون تمثيلها الدبلوماسي كما في ممثلية الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية وغيرها من الممثليات.
تعمق تدخل بعثة يونامي في الشأن العراقي مع ازدياد الانسداد السياسي والدستوري وفي ظل تعثر النظام السياسي، في حين يرى البعض أن وجودها غير قانوني وينتقص من الحق السيادي للبلد، على اعتبار أنها أُنشئت عام 2003 دون طلب من العراق في ظل الاحتلال الأميركي. وكان من المفترض انتهاء مهمة البعثة بعد خروج العراق من الوصاية الدولية تحت طائلة البند السابع الذي فُرض بعد حرب الخليج الثانية عام 1991.
آخر تجديد للبعثة كان في 30 أيار/مايو من عام 2023 حين جدد مجلس الأمن الدولي بالإجماع تفويض بعثة الأمم المتحدة في العراق يونامي عاما آخر، مطالبا بإجراء مراجعة إستراتيجية لعملها ودراسة الوضع السياسي القائم في البلد قبل نهاية آذار/مارس 2024.
◙ بعثة يونامي تتمتع بدور واسع في العراق منذ تأسيسها وفق قرار مجلس الأمن الدولي الذي نص على إعطاء المشورة والمساعدة للعراق بشأن تعزيز الحوار السياسي والمصالحة على المستوى الوطني
فقدان الاستقرار الذي تحدثت عنه بلاسخارت سيعرقل سعي الحكومة العراقية إلى إعادة ترتيب العلاقة بين الطرفين، إضافة إلى وجود تدخل من دول الجوار في الشأن الداخلي مع عدم التوافق بين المكونات في إدارة شؤون البلاد، مما سيكون عوامل مؤثرة أو مصدّات تمنع مغادرة تلك البعثة الأراضي العراقية التي يرى العراقيون أن سلبياتها أكثر من إيجابياتها في ميزان حياتهم اليومية، عندما كانت هذه المنظمة شاهد زور وتدليس لكل ما يحدث من انتهاكات وتزوير في الانتخابات، وساهمت في تقاريرها بالتغطية على فشل النظام وفساد طبقته السياسية وعدم الكشف عن قتلة تظاهرات الأول من أكتوبر/تشرين الأول عام 2019 التي انطلقت ضد حكومة عادل عبدالمهدي معلنة إسقاطها لتنتهي بإبقاء الوضع على ما هو عليه.
مؤخرا كشف تحقيق أجرته صحيفة الغارديان البريطانية عن حجم التغوّل في فساد المنظومة الأممية حين ذكر أن الموظفين العاملين لدى الأمم المتحدة في العراق يطالبون برشاوى وإتاوات لمساعدة رجال الأعمال في الفوز بعقود في مشاريع إعادة الإعمار بعد الحرب في العراق، حيث تصل نسب الرشاوى التي يطالب بها هؤلاء إلى 15 في المئة من قيمة العقود حسب زعم الصحيفة، وتؤكد أن تلك العمولات هي أحد مزاعم الفساد وسوء الإدارة التي كشف عنها في مرفق التمويل لتحقيق الاستقرار، وهو مخطط لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي تم إطلاقه في عام 2015 وبقيمة 1.5 مليار دولار يمول من أكثر من 30 جهة مانحة، مما يثبت أن تلك المنظمة تغذي ثقافة الرشوة التي تغلغلت في المجتمع العراقي بعد عام 2003.
محاولة السوداني التفاوض لرسم علاقة جديدة مع البعثة الأممية ووضع خطوات مستقبلية لمغادرتها العراق وتزامنها مع تلميحات بلاسخارت بعدم وجود استقرار في العراق، ستجعل من مهمة إخراج تلك البعثة من العراق صعبة في ظل توافق أميركي ودولي على بقائها. ليبقى السؤال هل تغادر بعثة يونامي العراق؟