بريكس اختارت أن تبقى كتلة اقتصادية

خطة توسيع بريكس بنيت على أسس اقتصادية أراد قادتها أن يصوبوا اتجاه منظمتهم نحو تحدياتهم الاقتصادية دون الالتفات إلى غايات أخرى قد تجعل منها نسخة جديدة من حركة عدم الانحياز.
الثلاثاء 2023/08/29
بريكس فتحت بابها لمن يقدم الإضافة المرجوّة

كان حدث توسيع مجموعة بريكس الحدث الأبرز الذي تصدر عناوين الصحف الإلكترونية في العالم العربي وغطى على المستجدات الأخرى من حيث حجم متابعة التغطية الإعلامية المواكبة لاجتماع جوهانسبرغ، خاصة وأن الأمر يتعلق بقبول عضوية ثلاث دول عربية وإخفاق أربعة دول أخرى، لقد نجحت بريكس في أن تكون مادة دسمة في حديث المقاهي ومنشورات السوشيال ميديا، وكأن الأمر يتعلق بتصفيات كأس العالم أو ببرنامج من برامج المواهب الغنائية والاستعراضية.

ربما كان الحدث مجرد زوبعة في فنجان في فلسطين، ذلك لأن طلب العضوية بالنسبة إلى الفلسطينيين لا يعدو كونه طلبا رمزيا يأتي من سلطة محاصرة جوا وبرا وبحرا ومكبّلة بـ”بروتوكول باريس”، ليس بإمكانها أن تمارس حق السيادة حتى على مطارها الوحيد، ولا يمكنها أن تقدم إضافة إلى مجموعة بريكس التي تتوسع لغايات اقتصادية لا سياسية، وحتى وإن تضمن بيان القمة الختامي بعضا من كلام قمم العرب الذي عهدناه عن فلسطين إلا أن هذا كله اندرج ضمن خانة ما يسمّى بالمصطلح الشعبي “حكي فاضي” .

صدمت بريكس عامة الجزائريين وحرمتهم من شحنة معنوية كانت سترفع من آمالهم المعلقة في السير نحو نهج اقتصادي جديد يحرر البلاد من ثقافة الريع، كانت الصدمة بحجم النفخ الإعلامي الذي صاحب ملف الترشح للعضوية، والذي بدل أن يقدم قراءات اقتصادية واقعية تجعل من مسألة الانضمام وعدمه مسألة خاضعة أيضا لمنطق الأرقام، أعطى الأولوية لقراءات خاطئة جاءت مبنية فقط على فكرة الصداقات والتحالفات التاريخية. وذهب البعض للبحث عن تفسير مقنع يشرح قبول مصر المثقلة بالديون وإيران المحاصرة بالعقوبات، فيما ذهب البعض الآخر إلى تأويل كلام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والبحث في فرضيات وجود طرف معرقل أو رافض.

◙ بانضمام الأرجنتين وضعت بريكس يدها على مضيق ماجلان الأرجنتيني الذي يربط المحيط الأطلسي بالمحيط الهادئ، هذا المضيق الذي يربط بين خمس دول في أميركا الجنوبية

أسهم الاتفاق السعودي – الإيراني الذي رعته الصين عن كثب لتمهيد الطريق نحو توسع إستراتيجي لبريكس، ليحقق هذا التقارب وجود إيران والسعودية والإمارات في صف واحد، وهو ما أضاف بدوره لرصيد المجموعة شركاء جدد يمتلكون ما يزيد عن 10 في المئة من إجمالي الناتج العالمي للغاز، وما يقارب 20 مليون برميل نفط يوميا، وهو ما يعني أن دبلوماسية الصين الناعمة في الخليج قد حققت ضربة موجعة للولايات المتحدة بعد أن تمكنت من جمع نقيضين في وعاء واحد وفي صالح بريكس ليضيف لها ثقلا ضخما في موازين الطاقة العالمية.

لا يخفى أن وجود دولة الإمارات قدم مكسبا جيوستراتيجيا واقتصاديا هاما لمجموعة دول بريكس إذ تستحوذ هذه الدولة صغيرة المساحة على شبكة موانئ في 40 دولة وعبر القارات الست، أبرزها في قلب المنافذ البحرية التي تعتبر شريان التجارة العالمية، إلى جانب كل خصائص الإمارات الاقتصادية فقد استقطبت في الآونة الأخيرة حركة أموال ضخمة من رجال الأعمال الروس، وحصصا معتبرة من عائدات إعادة بيع النفط الروسي مستفيدة من سلسلة العقوبات المفروضة على روسيا جراء الحرب في أوكرانيا.

رغم المتاعب الاقتصادية التي تتخبط فيها مصر والتي زادت نتيجة لتداعيات الحرب في أوكرانيا إلا أن ضمها لمجموعة بريكس لم يكن خاليا من المكاسب الجيوستراتيجية لما يقدمه موقعها الجغرافي من إضافة، فهي العصب الرابط بين قارتي آسيا وأفريقيا والذي من خلاله يمر هامش كبير من حركة التجارة الدولية، وهي مشروع لمركز إقليمي لتداول الغاز الطبيعي من الشرق الأوسط إلى أوروبا، وهي حلقة الوصل الهامة في طريق الحرير الصيني، فضلا عن أنها ستكون أرض الفرص الواعدة بالاستثمارات بعد أن قررت الحكومة المصرية بيع حصص في 32 شركة لمستثمرين إستراتيجيين، بما في ذلك شركتان مملوكتان للجيش وثلاثة بنوك بحلول نهاية مارس 2024، ومن المؤكد أن هذا المستثمر الإستراتيجي لن يكون من خارج مجموعة بريكس.

◙ بريكس صدمت عامة الجزائريين وحرمتهم من شحنة معنوية كانت سترفع من آمالهم المعلقة في السير نحو نهج اقتصادي جديد يحرر البلاد من ثقافة الريع،

بانضمام الأرجنتين وضعت بريكس يدها على مضيق ماجلان الأرجنتيني الذي يربط المحيط الأطلسي بالمحيط الهادئ، هذا المضيق الذي يربط بين خمس دول في أميركا الجنوبية، والذي تعبر من خلاله 75 في المئة من حركة التجارة الخارجية للأرجنتين، سيسهّل الوصول إلى سوق إقليمية تضم أكثر من 240 مليون شخص تقريبًا. وبانضمام إثيوبيا كافأت الصين شريكها الأفريقي الواعد، وتوجت معها ميلاد علاقة جديدة تحت مظلة بريكس ستفتح لها الباب واسعا نحو زحف أوسع داخل أفريقيا عبر طريق الحرير، وعبر توسيع نطاق استثماراتها في بيئة اقتصادية إثيوبية توفر كل فرص النجاح خاصة وأنها تزخر بموارد مادية وبشرية هائلة.

كانت خطة توسيع بريكس مبنية على أسس اقتصادية بحتة، حتى وان روعي فيها الجانب الجيوستراتيجي لما له من تقاطع مباشر مع لغة الاقتصاد. لهذا سقطت الحسابات السياسية أمام واقعية المنظمة وأهدافها، والتي أراد قادتها أن يصوبوا اتجاه منظمتهم نحو تحدياتهم الاقتصادية دون الالتفات إلى غايات أخرى قد تجعل منها نسخة جديدة من حركة عدم الانحياز. لهذا وبعيدا عن أيّ مغالطات أو تأويلات فإن بريكس قد فتحت بابها لمن يقدم الإضافة المرجوّة، دون أن يعني التقليل من قيمة أو وزن الأعضاء الذين فشلوا في الظفر بمقعد إضافي فيها، لكنها في نفس الوقت قدمت لهم حكمة عميقة المعني وهي أن لا تضع العربة أمام الحصان.

9