بحرب الجيل الخامس، الجنرال يهب قيادته المآل الدامس

الجيل الخامس من الحروب التي تمارسها قيادة الجزائر ضد المغرب هو مَشغلُها الأثير ومُبرٍّر استفْرادِها بالحكم ضد الشعب الجزائري وهو أيضا مصدر فشلها.. هي حربٌ خاسرةٌ في مُنطلقها وفي مَجراها.
الخميس 2024/06/13
الكلمة للجنرالات أوَّلا وأخيرا

لا يُضيِّع رئيس أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة، الفرصة التي تُتاح له لإثبات أن النظام الجزائري عسكري في جيناته وفي هَيْكله.. نظامٌ عسكري بلباس مدني، تأسيسًا على قواعدَ وتقاليد ومُمارسات سُنَّت منذ أن انتزَعت “جبهة التحرير الوطني” السُّلطة من الحكومة المدنية المؤقَّتة بُعيْد استقلال الجزائر قبل أكثر من ستين سنة.

رئيس الأركان، بلباسه العسكري وبنَياشينه، افتتح الاثنين 03 يونيو الجاري، مُنتدى “الدفاع” الوطني في مواجهة حربِ “العقول”، وفي مُقدِّمة الحضور الَّذي تابع كلمة الفريق أول شُوهد الوزير الأول الجزائري وكوْكبَة من الوُزراء، وكبار موَظَّفي الدولة من المدنيين، وطبعا، من الأمنيين العسكريين. كان شنقريحة يُلقِّن الوزير الأول معنى “حرب العقول”، ويُنبِّهُه للتعبئة في مُواجهة أخطارها على الجزائر، مع أن “حرب العقول” هي حربٌ شاملةٌ، والبعد العسكري فيها مُتوارٍ خلف أبعادها الإعلامية والتعليمية والمعلوماتية والرقمية والأدبية والفنية، وأخيرًا الدِّعائية والاستخباراتية. وبذلك يكون الوزير الأول هو المعني، المفترض، بتدبير توحيد جهود كل المتدخلين في تلك “الحروب”، ومن بَيْنهم المتدخل العسكري. ولكن في الجزائر، المايسترو هو الجنرال، والباقي، وضمنهم الوزير الأول، مُجرد جَوْقة عازفين وكومبارس.

في حالة هذا “المنتدى” وافتتاح الفريق أوَّل له، ليس المثير فقط هو الإمعان في الكشف العلَني عن لَخْبَطة النظام السياسي والإداري في النظام الجزائري.. المثيرُ أوّلا، هو الْتِباس المعنى في موضوع المنتدى.

◄ هجماتُ قيادة الجزائر الإعلامية والاستخباراتية على المغرب أخطأت مَرَاميها باسْتمرار، وبدَت مُجرد فُقاعات أو صرخات مَلسوع بِحقده. حمَلات تلك الحرْب مُنيت بالفشل

كل الحروب هي صِراع عُقول، وراء الجيوش والآليات، عقولٌ تُدَبِّر تحرُّكاتها، إقبالها أو إدبارها، تقدمها أو تراجعها، ولها مُكملات أو امتدادات في روافد نفسية ودعائية، تنصهر في التخطيط الإستراتيجي للحروب، في كليته وفي تفاصيله التكتيكية.. شُغل عقول. لم يكن هذا هو موضوع المنتدى.

المنتدى انشغل “بالحرب ضدَّ العقول”، وهو ما ليس واضحًا في العنوان. ويُفهم من كلمة الفريق أول الذي استشعر “الخطوة الإستراتيجية لما يُحاك ضدَّ الجزائر باستعمال التقنيات المرتبطة بالحروب من الجيل الخامس”. وهي الحروب التي عرَّفها خبيرٌ بأنها التي “تجعل من التناقُضات الموجودة في المُجتمع مِحورًا أساسيا في وُجودها، ويُعبَّر عنه باحتلال العقول لا الأرض”. الجيل الخامس من الحروب، يُعرَّف في المراجع العسكرية بأنه “حرب يتم إجراؤها بشكل أساسي من خلال عمل عسكري غير حرَكي، مثل، الهندسة الاجتماعية والمعلومات المُضلِّلة والهجمات السيبرانية”.

وسيشرح رئيس أركان الجيش الجزائري “على غرار المُمارسات الخبيثة التي تعتمِدُها في الآونة الأخيرة الأطراف الحاقدة على الجزائر، (افْهَم أنت ضمنها ولعلّ أولها المغرب)، بسبب ثباتها على مواقفها ومسانَدَتها للقضايا العادلة في العالم”. القضية الأولى التي تُوليها القيادة الجزائرية أقصى جُهدها وحماسها، هي تلك المفتعَلة الانفصالية ضدَّ المغرب وغير العادلة، والتي تُهدد أمن ومستقبل الجزائر قبل غيرها. أما القضية الفلسطينية فقيادة الجزائر تقدِّم لها الكثير من الجمل الإنشائية والتمنيات والحسرات فقط وفقط.

مرَّة أخرى، تضع قيادة الجزائر عناوين لكلامها، مُضلِّلة أو غيرَ واضحة، حتى تحفظَ للجنرالات حق إماطة الغُموض عنها. الكلمة للجنرالات أوَّلا وأخيرا.

لم يقل المنتدى في الجزائر بأنَّ المثال الفاقع على مُمارسة “حرب الجيل الخامس”، هو جنرالات الجزائر أنفسُهم، وهم أيضا المثال الأبرز على الفشل في تلك الحرب، وهم يمارسونها في المقام الأول ضد الشعب الجزائري، ولعقودٍ، وذلك ما يتَّضح من حالة الانْحباس السياسي التي تعتري الجزائر اليوْم. على بُعد “فَرَاسِخ” زمنية، حوالي ثلاثة أشهر، من الانتخابات الرئاسية، لا صَوْت يعلو في الفضاء السياسي على صَوت الرئيس، المُرشَّح المُفترض، وصوْت “المُطالبين” بترشُّحه، وبمُجرد “أناشيد” تُمجِّد إنجازاته.. الإنجازات التي يُكذِّبُها أصدقاء الجزائر أوَّلا، حين رُفِض طلب انضمام الجزائر إلى مجموعة “بريكس” بسبب تقييم هُزالي لمُقوِّماتها الاقتصادية، بينَما لا يمل الرئيس من تكرار أن الجزائر قوة ضاربة، وهي ثالث قوة اقتصادية في أفريقيا.

وهكذا، صار الفضاء السياسي لقيادة الجزائر مجالا تسرح فيه ولا تمرح، لأنها خَلقت، بحربها النفسية ضد الشعب الجزائري انْصرافَه عنْها… بدأ الرئيس عبدالمجيد تبون عُهدته بمشاركة شعبية ضعيفة في الانتخابات الرئاسية، التي عبَر منها إلى الرئاسة وبمشاركة من نفس درجة الضّعف في الاستفتاء على الدستور، واليوم يؤشر الانصراف الشعبي، وعدم اكتراث النُّخب الجزائرية السياسية والثقافية بالانتخابات الرئاسية، على توسُّع رقعة التباعد بين الشعب الجزائري والقيادة التي تحكم البلاد. الإفراط في “الجيل الخامس من الحرب” ضد الشعب الجزائري، بالتضليل الإعلامي وبالتَّرْهيب العمَلي، الاقتصادي والنفسي، أدّى إلى شفْطِ الحيوية الشعبية من التفاعل السياسي في الجزائر… قيادة مستفرِدة بالحكم منافعه وشعب مكلوم في آماله ومنصرفٌ إلى آلامه.

◄ كل الحروب هي صِراع عُقول، وراء الجيوش والآليات، عقولٌ تُدَبِّر تحرُّكاتها، إقبالها أو إدبارها، تقدمها أو تراجعها، ولها مُكملات أو امتدادات في روافد نفسية ودعائية، تنصهر في التخطيط الإستراتيجي للحروب

الجيل الخامس من الحروب التي تمارسها قيادة الجزائر ضد المغرب، هو مَشغلُها الأثير ومُبرٍّر استفْرادِها بالحكم ضد الشعب الجزائري، وهو أيضا مصدر فشلها.. حربٌ خاسرةٌ في مُنطلقها وفي مَجراها… الرعاية المطلقة للشّغَب الانفصالي ضد المغرب أفشلها المغرب بصلابة الوطنية المغربية، وفي طليعتها وطنية مُواطني الأقاليم الصحراوية، بسداد وبصوابية واسْتباقية، وحكمة قيادة الملك محمد السادس للمشروع الإصلاحي والتحديثي للمغرب، بامتداداته على أقاليم الصحراء المغربية وباستقطابه لتفاعلاتها داخله، وبما يَنْضح منه على المستوى الدبلوماسي، ما جعل المغربَ فاعلا إيجابيا في اقتراح أفُقٍ لحلّ النِّزاع وأثْمَر له اقتناعا دوليا عامرا، بمُمْكنات المَغرب في الانتصار للسِّلم والأمن في العالم.

هجماتُ قيادة الجزائر الإعلامية والاستخباراتية على المغرب أخطأت مَرَاميها باسْتمرار، وبدَت مُجرد فُقاعات أو صرخات مَلسوع بِحقده. حمَلات تلك الحرْب مُنيت بالفشل من نوع استئجار خدمات شِرذِمَة تافهين، ومنحرفين ومُرتزقة ضدّ بلدهم، إطلاق إشاعاتٍ مكشوفة الدّسيسة، محاولات تدويرِ فضلات غيْظ مصالح معادية من تقدم المغربِ وصوْنه لسيادته، مُحاولات السّطو على علامات عراقةِ الحضارة المغربية..  وغيرُ هذا كثير.

“حرب العقل” هي تلك التي يجدر برئيس أركان الجيش الجزائري أن يُوقف توجيهَها ضد المغرب وضد شعبه، لأنّه فاشل فيها بالحجّة والبُرهان، ولأن التحوُّلات الجيوستراتيجية التي تحدَّث عنها تستوجب إعداد الجزائر لرفع تحديات المُستقبل سياسيا واقتصاديا، وتقتضي ملاحظة أن المغربَ فاعلٌ قويٌ صاعد في التقاطعات الجيوستراتيجية الدولية.. وهو منشغل عن المناوشات العدائية للقيادة الجزائرية، بالانكباب على تقويم رافع تنميته وتجديدها وتقويتها، كما أعلن عن ذلك في مجلس الوزراء الأخير الذي ترأسه الملك محمد السادس.. وستمكن الجزائر من الاقتداء بالمغرب وبمرافقته. ولنْ تجني قيادتَها من مُعاداته ومشاغباته “بحرب العقول” غير الذُّهول وما يسرّع مضيّها نحول الذّبول.

9