بايدن لم يركن سلاح ترامب لردع إيران

ضجّت الفترة التي تلت الانتخابات الأميركية وإعلان فوز جو بايدن بالرئاسة، بالكثير من النقاشات داخل أوساط المحللين حول السياسات التي ستتبعها الإدارة الجديدة مع الخصوم، وخاصة الأداة التقليدية المستخدمة طيلة عقود ألا وهي العقوبات، غير أن هذه السياسة تعترضها الكثير من التحديات تماما كما حصل مع الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب.
واشنطن – ستدخل الإدارة الأميركية الجديدة بعد أسابيع من الآن وفي جعبتها الكثير من الخطط الاستراتيجية بهدف مواجهة تهديدات الخصوم، ولاسيما في ما يتعلق بسياسة الردع المتبعة من قبل الحكومات السابقة والمتمثلة في العقوبات.
ومع أن مصادر مطلعة على تفكير الرئيس المنتخب جو بايدن أكدت أنه لن يتوانى عن استخدام سلاح الرئيس دونالد ترامب المفضل في إطار مساعيه لإعادة رسم السياسة الخارجية لواشنطن، لكن ذلك يتوقف على إعادة تقييم نهج سلفه والتمهل قبل إجراء أي تغييرات جوهرية في ما يخص الدول الرئيسية المستهدفة بالعقوبات مثل إيران والصين.
وتتأرجح العقوبات الأميركية بين نقطتين أساسيتين، الأولى تستهدف سياسات التسليح التي تتبعها بعض الدول، والثانية تتعلق بحقوق الإنسان، لكن ليس دائما تكون مجدية، ويتضح ذلك في موجة العقوبات التي انتهجها ترامب.
وسيكون التحدي الأبرز الذي سيواجهه بايدن هو تحديد أي العقوبات تستحق الحفاظ عليها، وأيها سيتم الاستغناء عنها، وأيها سيتم التوسع فيها، وسيحدث ذلك بعد أربع سنوات فرض فيها ترامب عقوبات اقتصادية بوتيرة غير مسبوقة كانت في الكثير من الأحيان أحادية الجانب لكنه أخفق رغم ذلك في إخضاع خصوم الولايات المتحدة لإرادته.
وستتم صياغة الاستراتيجية المعدلة بالاستفادة من مراجعة واسعة لبرامج العقوبات ستبدأ عقب تنصيب بايدن، لكن مصادر رفضت الكشف عن هويتها قالت لوكالة رويترز، إنه من المتوقع حتى قبل اكتمال هذا التقييم أن يوضح الرئيس المنتخب أن العقوبات ستظل أداة محورية في يد الولايات المتحدة ولن تُستخدم تحت شعار “أميركا أولا” كما فعل ترامب.
وثمة احتمالات أن يتم رفع العقوبات التي فرضها ترامب في سبتمبر الماضي عن مسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية بسبب التحقيق فيما إذا كان الجيش الأميركي قد ارتكب جرائم حرب في أفغانستان؟
وفي المقابل، هناك إمكانية أن يفرض بايدن عقوبات مماثلة للعقوبات التي تفرضها بريطانيا والاتحاد الأوروبي على روسيا بسبب تسميم أليكسي نافالني معارض الكرملين، والذي نفست موسكو أي دور لها في ذلك.
ومما يزيد التحديات على بايدن أن ترامب حافظ على وتيرة فرض العقوبات في الأيام الأخيرة لإدارته والتي كانت الفوضى سمتها الغالبة، فقد فرض عقوبات قد تجعل من الصعب على من يخلفه العودة إلى الاتفاق النووي التاريخي، الذي وقعته إيران وكذلك إقامة علاقة عمل على نحو سريع مع الصين وذلك بعد استهداف مسؤولي الحزب الشيوعي فيها.
وكان ترامب، الذي أصدر نحو 3800 قرار بفرض عقوبات جديدة مقارنة مع 2350 في فترة الولاية الثانية للرئيس باراك أوباما بينما ألغى عقوبات أقل بكثير وفق مركز الأمن الأميركي، قد عمد منذ تولى السلطة إلى استخدام العقوبات كرد مفضل على المشاكل الدولية من أنشطة إيران العسكرية إلى الترسانة النووية الكورية الشمالية إلى الأزمة السياسية في فنزويلا.
وفي الوقت نفسه كانت إدارة ترامب رائدة في فرض قرارات منع إصدار تأشيرات الدخول للولايات المتحدة وأثّر ذلك على أكثر من 200 مسؤول أجنبي فُرضت عليهم عقوبة المنع من السفر وهو إجراء نادرا ما استخدم قبل ترامب. كما صعّدت إدارته بشدة عبر استخدام ما يطلق عليها العقوبات الثانوية التي عاقبت بها الأصدقاء والأعداء على السواء.
ورغم أنه من المتوقع أن يواصل بايدن استخدام الإجراءات القسرية، ولكنّ محللين يرجحون أن تحدث تغييرات ومنها التمهل في عملية اتخاذ القرار والتنسيق بشكل أوثق مع الحلفاء.
وتقول هاجر حجار الشمالي، التي كانت من المسؤولين عن العقوبات في عهد أوباما، إن العقوبات ليست سلاحا سحريا. فمن الضروري استخدامها في إطار استراتيجية أوسع، وهذا ما كانت إدارة ترامب تفتقر إليه في الكثير من الأحيان.
ويصر مسؤولون في إدارة ترامب على أن استعراض القوة الاقتصادية الأميركية ألحق ضررا بالغا ببعض من خصوم الولايات المتحدة وهو ما يمكن أن يمنح بايدن ورقة ضغط، لكن تلك الحكومات لا تبدي بادرة على الإذعان لمطالب ترامب.
رغم أنه من المتوقع أن يواصل بايدن استخدام الإجراءات القسرية، ولكنّ محللين يرجحون أن تحدث تغييرات ومنها التمهل في عملية اتخاذ القرار والتنسيق بشكل أوثق مع الحلفاء
فإيران ترفض رغم إعادة ترامب فرض العقوبات الأميركية عليها أن تعيد التفاوض على الاتفاق النووي، الذي قرر الانسحاب منه وكذلك تحدى الرئيس الاشتراكي نيكولاس مادورو في فنزويلا جهود الإطاحة به، كما تواصل كوريا الشمالية تدعيم ترسانتها النووية.
ولا تبدي الصين كذلك أي بادرة لتغيير موقفها جراء سلسلة العقوبات التي فرضت على صناعة التكنولوجيا وبسبب هونغ كونغ وبحر الصين الجنوبي والحملة المشددة التي تشنها على أقليتها المسلمة.
ويشكك البعض من المنتقدين في توسع ترامب في فرض عقوبات على الأفراد وإدراج مسؤولين أجانب في قوائم سوداء بتجميد أرصدة ومنع الأميركيين من إبرام تعاملات معهم. ومن الممكن أن تكون مثل هذه الخطوات ذات فاعلية عندما يكون المستهدفون أثرياء أو لهم استثمارات في الولايات المتحدة غير أنها رمزية في الغالب إذا لم يكن هذا هو الحال.
ويشعر معاونو بايدن بالقلق خشية أن يؤدي الإفراط الواضح في استخدام العقوبات إلى نتائج عكسية خاصة إذا حفّز دولا أخرى على تطوير آليات للتحايل على الشبكات المالية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة.
غير أن وقوع اختيار بايدن على أنتوني بلينكن ليكون وزير خارجيته وعلى جيك سوليفان لشغل منصب مستشار الأمن القومي، يشير إلى أنه لن يكون هناك قدر كبير من التساهل رغم الاتجاه إلى استخدام العقوبات في إطار متعدد الأطراف.
وخلال الشهر الحالي تعهد أدويل أدييمو، الذي سيكون المسؤول الثاني في وزارة الخزانة الأميركية، بالتركيز الشديد على الأمن القومي بما فيه “استخدام نظامنا الخاص بالعقوبات في محاسبة الأشرار”.