بايدن المنتصر يعد بأن تلتئم جراح الولايات المتحدة

توّج جو بايدن رحلته السياسية الطويلة بالوصول إلى منصب الرئاسة في البيت الأبيض بعد محاولتين فاشلتين وذلك بعد هزيمته للرئيس دونالد ترامب. ووعد بايدن بتوحيد بلده في ظل الانقسامات العميقة داخل المجتمع، غير أن مهمته لن تكون سهلة في ظل ملفات ثقيلة يرثها عن إدارة ترامب، وأبرزها ملف الأزمتين الصحية والاقتصادية اللتين تعصفان بالبلاد، وكيفية التعامل مع الاحتجاجات المنددة بالعنصرية. ويبقى التحدي القائم أمام بايدن هو مواجهة الترامبية التي ستشكل تيارا قويا وهي ستعمل على الثأر عبر توجيه الانتقادات والتشكيك في نجاعة اختيار الأميركيين.
ويلمينغتون (الولايات المتحدة)- وعد جو بايدن خلال احتفاله بـ”فوزه المقنع” في الانتخابات الرئاسية الأميركية بمدينته ويلمينغتون السبت، بأن يكون الرئيس الذي سيوحد الولايات المتحدة بعد أربع سنوات من الاضطراب والانقسام.
بعد ساعات من إعلان نتائج الانتخابات، دعا الرئيس الديمقراطي المنتخب أمام حشد كبير تجمع داخل سيارات في جو احتفالي، الأميركيين إلى عدم معاملة “خصومهم كأعداء”. وقال ”هؤلاء ليسوا أعداءنا. إنّهم أميركيّون”.
أضاف بايدن في خطاب حماسي في معقله بولاية ديلاوير “أتعهد بأن أكون رئيسا يسعى إلى التوحيد لا إلى التقسيم”.
وبعد أربعة أيام من التشويق والتوتر، تجاوز نائب الرئيس السابق باراك أوباما العتبة “السحرية” الممثلة بـ270 من كبار الناخبين التي تسمح له بأن يصبح رئيسا. وينهي انتخاب بايدن (77 عاما) فصلا سياسيا غير مسبوق هز الولايات المتحدة والعالم.
وسعى بايدن الديمقراطي القادم من ولاية ديلاوير للتركيز على خبرته السياسية خلال حملة الدعاية الانتخابية المثيرة للانقسام، معتبرا نفسه زعيما يتمتع بالخبرة، قادرا على أداء مهمة إشفاء شعب أنهكته جائحة فايروس كورونا وتحقيق الاستقرار بعد سنوات ترامب العاصفة في الرئاسة.
ولمّ شمل البلاد هو أمر يرغب بايدن في القيام به، وذلك على عكس ترامب.
وستدخل كامالا هاريس المرشحة معه لمنصب نائب الرئيس، التاريخ بصفتها أول امرأة تشغل هذا المنصب. وقد أكدت السناتورة السوداء عن كاليفورنيا السبت أنها “لن تكون الأخيرة”. وأشادت بـ”أجيال النساء” من جميع الأصول، التي “مهدت الطريق” لها.
أما ترامب الذي تنتهي ولايته الرئاسية في 20 يناير المقبل، فلم يعترف حتى الآن بهزيمته. وفي رسالة وصفها موقع تويتر بالـ”مضللة”، واصل التأكيد بأنه حقق انتصارا سرق منه. وكتب في التغريدة بأحرف كبيرة “فزت في هذه الانتخابات بشكل واسع”.
ومن دون توجيه أي كلمة لخصمه، احتفل بايدن “بفوزه المقنع” ومد في الوقت نفسه يده إلى ناخبي الرئيس الجمهوري مؤكدا أنه يتفهم “خيبة الأمل”.
وبينما أطلق الحشد منبهات السيارات بحماس قال بايدن “لنتقابل ونتحدث (…) ولنمنح أنفسنا فرصة”، مشددا على أنه “حان الوقت لمعالجة جرح” البلاد ووضع حد “للشيطنة”.
وشكر “التحالف الواسع والمتنوع” الذي تقدم بترشيحه مشيدا بالأميركيين الأفارقة الذين لعبوا دورا أساسيا في فوزه. وقال “إنهم يدعمونني دائما كما أدعمهم”. وأكد بايدن مجددا “قمت بحملة لاستعادة روح أميركا”.
ووصل بايدن بكمامة سوداء وهو يهرول إلى المنصة لإلقاء خطابه على أنغام أغنية لبروس سبرينغستين، فيما بدا محاولا لنفي صورة المرشح المسن التي أثرت على حملته. وسيكون الرئيس الأكبر سنا في تاريخ البلاد عند بداية ولايته في يناير المقبل.
وتجمعت أكثر من 350 سيارة أمام المنصة بينما تجمع الآلاف من مؤيديه خارج ساحة انتظار السيارات الكبيرة حيث وضعت المنصة. وحملت هذه التجمعات رسالة المرشح الذي جعل من مكافحة وباء كوفيد – 19 محور برنامجه. وقد أعلن جو بايدن أنه سيشكل خلية أزمة لمكافحة كوفيد – 19 الاثنين.
فرحة عارمة
وأثار الإعلان من قبل وسائل إعلام أميركية عن فوز جو بايدن أجواء من الفرح في جميع أنحاء الولايات المتحدة. ففي واشنطن، توافد آلاف الأشخاص إلى محيط البيت الأبيض وساحة “حياة السود مهمة”، التي تشكل جزءا من الجادة المؤدية إلى المقر الرئاسي واشتهرت في الربيع الماضي بالتظاهرات المناهضة لعنف الشرطة ضد الأميركيين من أصل أفريقي.
وقالت أليكس نورتون (31 عاما) وهي تحمل رضيعها بين ذراعيها “مرتاحة. مرتاحة جدا”. وأضافت “بتنا نعرف على الأقل أنه لن يكون لدينا دونالد ترامب لأربع سنوات أخرى”.
وفي نيويورك، مسقط رأس الرئيس الجمهوري، استقبل إعلان هزيمة ترامب بإطلاق منبهات السيارات. وقال جي دي بيب (35 عاما) “أنا مسرور”. ورحب باراك أوباما، الرئيس الأميركي الرابع والأربعون، السبت بالانتصار “التاريخي” لـ“صديقه”.
وينص الدستور على تسليم السلطة في 20 يناير. بحلول ذلك التاريخ، يتعين على الولايات المتحدة المصادقة على نتائج الانتخابات، وسيجتمع 538 ناخبا في ديسمبر لتعيين الرئيس رسميا.
وكان دونالد ترامب، عند إعلان النتائج، في نادي الغولف الخاص به بالقرب من واشنطن، واتهم جو بايدن بـ”التسرع بتقديم نفسه زورا على أنه الفائز”.
ولا شيء يلزم الرئيس الجمهوري بالاعتراف رسميا بالهزيمة، لكن ذلك يُعد عرفا في واشنطن. واتخذ ترامب موقفًا عدائيًا للغاية مساء الثلاثاء، متوعدًا بحرب قضائية حقيقية.
ويعد التحدي الأول أمام بايدن هو توجيه البلاد خلال الأسابيع المقبلة، حيث أن النتائج الكاملة والنهائية للانتخابات سوف تستغرق فترة من الوقت حتى يتم الانتهاء منها، كما سيتعين التوصل إلى حل بشأن العديد من المناورات القانونية. ورغم أنه شبه مؤكد أن ذلك لن يؤدي إلى تغيير في النتيجة، إلا أنه قد يؤدي إلى تأجيج الغضب وعدم الاستقرار. وإلى أن تتم تسوية المسألة وحتى يخرج دونالد ترامب من الساحة سيحتاج بايدن إلى التحلي بالصبر والثبات.
تكريس متأخر
جاء تكريس جوزيف روبينيت بايدن جونيور كرئيس متأخرا، بعد حياة سياسية غنية تخللتها مآس. بعد خسارته في 1988 و2008، وتردده في 2016، اكتفى الرجل الذي بدأ حياته السياسية الوطنية في مجلس الشيوخ قبل نصف قرن تقريبا – ويعرف كيف تعمل واشنطن عن ظهر قلب – بالظهور بشكل محدود، ما يعد أميركا بالهدوء.
وفي تناقض صارخ مع الطاقة التي أظهرها ترامب على منصات الحملة الانتخابية، بدا المرشح الذي أطلق عليه لقب “جو الناعس” أحيانًا بصورة رجل ضعيف. ونادرا ما تستمر خطبه، مثل ليلة السبت، لأكثر من 20 دقيقة.
ربح أخيرًا رهانه بالفوز في بنسلفانيا وميشيغن وويسكونسن، وهي ثلاث ولايات صناعية ديمقراطية تقليديا كان دونالد ترامب قد انتزعها من هيلاري كلينتون في عام 2016. ويتعين عليه اتخاذ الموقف الملائم في ظل بلد منقسم بوجود مجلس شيوخ قد يسيطر عليه الجمهوريون.
وبالنظر إلى أن تشكيلة مجلس الشيوخ المقبل ما زالت غير مؤكدة، سوف يتعين على بايدن أن يكون مستعدا للعمل مع الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، من أجل تمرير مشروع قانون من شأنه أن يعمل على تقديم الدعم لحكومات الولايات والمدن المتعثرة، وعلى تقديم إعانات البطالة التكميلية بصورة حكيمة، بالإضافة إلى تقديم إعفاء إضافي موجه للعمال من ذوي الأجور المنخفضة.
ظل الوباء
تمثل هذه الهزيمة لترامب، الذي دخل معترك السياسة بقوة من خلال فوزه الذي لم يكن متوقعا في الانتخابات الرئاسية في عام 2016، نهاية حياته السياسية.
ولم تحدث الموجة الديمقراطية التي أعلنها البعض بينما أثبت ترامب أنه يتمتع بدعم قاعدة قوية جدًا من الناخبين، لكن امتناعه عن توسيع جمهوره كلفه غاليا.
وأدت إدارته للوباء، الذي قلل من شأنه على الدوام، رغم الخسائر الفادحة في الأرواح التي تجاوزت 236 ألف حالة وفاة، إلى توجيه انتقادات له، حتى داخل معسكره.
وبالنسبة إلى بايدن يتعين عليه أن يعمل مع حكام الولايات ومسؤولي الصحة، من أجل تنظيم استجابة وطنية موحدة، ما يؤكد على المسؤولية الشخصية والشعور المشترك بالواجب ، أما مهمته التالية، فستكون إعادة اقتصاد البلاد إلى مساره الصحيح.
ويخلص المتابعون إلى أن إصلاح الولايات المتحدة في عهد بايدن لن يكون أمرا سهلا، حيث لم يوضح على مدار أكثر من 18 شهرا من الحملة الانتخابية، أي رؤية شاملة وكبيرة لسياسته.
وقد كان من أكثر وعوده حماسة هو ببساطة العودة إلى الحياة الطبيعية: إلى حكم جيد بقدر معقول، وسياسة أقل انقساما، وإلى حياة مدنية خالية من الفوضى والفساد (المعهودين) في عهد ترامب.