بالون اختبار لِقاء السوداني بالشرع في قطر

كَثُرَت التعليقات حول اللقاء الذي تم تداول صورته في الإعلام قبل أيام، والذي جَمَع رَئيس الوزراء العراقي محمد شِياع السوداني والرَئيس السوري أحمد الشَرع بحُضور الأمير تميم بن حَمَد آل ثاني في قطر. وكان أغلبها هُجوميا ولا مَوضوعيا، لأنها استَنَدَت إلى العاطفة بدلا مِن العَقل والمَنطِق.
اللقاء الذي لم يَكُن مُفاجئا، على الأقل لهُما، خُصوصا وأن سوريا وقطَر أعلَنَتا عَنه وعَن تفاصيله رَسميا، أُريد به غالبا ضَرب عَصفورين بحَجَر. فالجِهة الراعِية للقاء، وهي قطَر ومِن ورائِها قوى دولية وإقليمية، أرادَت تصفية الأجواء بَين الرَجُلين، والتي تُعَكِّرها البروبَاغندا الخارجة عَن سَيطرتِهِما التي يَتَبَنّاها إعلام الدَولتين ضِد بَعضِها البَعض، خُصوصا الإعلام العراقي الذي تُسيطر عليه ميليشيات الحَشد الإيرانية. أما السوداني فيَبدو بأنه قد أرادَه كبالون اختبار وجَس نَبض لحلفائه مِن زُعَماء الميليشيات وقطعانها في العراق، وتنفيسا لجَعيرهم الذي لم يَتوَقّف مُنذ حُدوث التغيير ووصول الشَرع للحُكم في سوريا بحُجّة أنه كان داعشيا! كأن مَن يَنتقدونه هُم نوري السعيد أو جعفر العسكري أو تشرشل أو ديغول، وليسَ حَفنة مُلَطّخة أياديهم بدِماء أبناء جلدَتِهم، ويَجلسون في البَرلمان بفَضل انتِخاب قطعانهم المُجتَمَعية لهُم.
التغيير في سوريا باتَ أمرا واقِعا أقَرّت به أغلب دول العالم، وهو جُزء مِن خَارطة سياسية جَديدة في المَنطَقة، تُمَثِّل سوريا إحدى قطَع أحجِيَتَها، وأي سياسي بمَوقع السوداني عليه إيجاد موقِع آمِن لبِلادِه في هذه الخَارطة
فمَن يَنتقِد الشَرع أما أن يَكون أفضَل مِنه أو فليَصمُت. لكن أن يَكون أسوَأ مِنه ويُزايد عليه بخِطاب السَلام والإنسانية فلا. فَمَن يُهاجمونه ويُجَرّمونه هُم مُجرمون مَع سَبق الإصرار، أياديهم مُلطّخة بدِماء العراقيين. وإذا كانوا يُعايرونَه بالسِجن فقد كانوا شُركاءه في زنازين الأميركان بتُهمة الإرهاب. وإن كانوا يَتّهِمونه بالقتل والتَهجير، فهو نَفس ما فَعَلوه هُم في مُدُن الغربية بحُجة تحريرها مِن داعِش، ولا تزال تَداعِياته حَتى اللحظة مُتمَثِّلة بالمَلايين من المُهَجّرين والآلاف من المُغَيّبين في سُجون سِرِّية. وإذا كان الشَرع قد انشَق عَن تنظيم داعِش الإرهابي وتَبَرّأ مِنه، فَهُم ما زالوا يَفخَرون بأنّهِم مُرتَزَقة في حَشد إيران الإرهابي، وبعَمالتِهِم لوَليّها الفقيه ومَشروعِها التوَسّعي. وإذا كان الشَرع قد أبدى رَغبته في فتح صَفحة جديدة مَع مُحيطه الإقليمي وَأوّله العراق، رَغم التبايُنات السياسية والاختلافات المَذهَبية، فَهُم لا زالوا يُقَلِّبون دَفاتِر عَتيقة ويَجتَرّون خِطاب ثارات طائفية عُمرَها 1400 سنة، ويُعادون مُحيطهم الإقليمي لمُجَرّد اختلافه عَنهُم طائفيا، بَل ويَبتَدِعون القصص لتَبرير عدائَهُم له، وإقناع قطعانهم المُجتمَعية به. لذا هُم آخِر مَن يَتَحَدّث عَن التَعايُش والسَلام وتحقيق العَدالة!
إن التغيير في سوريا باتَ أمرا واقِعا أقَرّت به أغلب دول العالم، وهو جُزء مِن خَارطة سياسية جَديدة في المَنطَقة، تُمَثِّل سوريا إحدى قطَع أحجِيَتَها الكثيرة، وأي سياسي بمَوقع المَسؤولية كالسوداني، لديه ذَرّة مِن الحِكمة، عليه التعاطي مَع هذا الواقع، وإيجاد موقِع آمِن لبِلادِه في هذه الخَارطة. لذا لم يَرغَب بالانتظار إلى حين انعقاد القِمة العَرَبية في17 مايو، التي دُعيَ إليها الشَرع بشَكل رَسمي، ليَأتي الأخير وَسط اللغط الحاصِل مُنذ أشهُر، ثم يَتَفاجَأ برُدود أفعال مُشَوّهة مِن ميليشيات حَشد إيران وقطعانه ضِمن أجواء حَدَث دولي كالقِمّة، بل أراد لكُل هذا القيح الطائِفي أن يَتَفَجّر على خَبَر لقائِه به في قطر، أي استطلاع الآراء بشَكل غير مُباشر عِبر تَسريب الصورة للإعلام، ليَجس النبض ورُدود الأفعال ويُهَيّئ نفسه لما يُمكِن أن يَحدُث وَقتها أو يَتَعامَل مَعَه مِن الآن. وهو ما يَحصُل الآن فِعلا مِن تَبايُن في رُدود أفعال حُلفاء السوداني. فقد تم جَمع 50 توقيع نيابي يُطالب بمَنع حُضور الشَرع! كما وَرَدَت أنباء عَن انسحاب كتلة بَدر وكتلة السَند مِن تحالف البناء والتنمية الذي يَرأسُه السوداني احتِجاجا على لقائه بالشَرع! في حين طالَب أحد نواب الميليشيات بقَطع طَريق المَطار إذا وَصَل الشَرع إلى العراق! أما كتلة دولة القانون التي يَرأسها عَرّاب الميليشيات نوري المالكي، فقد تناقَضَت تصريحات نوابها بين مَن اعتَبَر الشرع نِتاج إرادة الشَعب السوري التي يَجب احترامها، وبَين مَن اعتبَر حُضوره للقِمة إهانة للعراق!
لذلك لنا أن نَتَخَيّل ما الذي كان يُمكِن أن يَحدُث لو لم يُبادر السوداني بهذه الخُطوة الاستباقية، وتَرَك الأمور على حالها إلى حين انعقاد القِمة وحُضور الشَرع، وحَدَثَت كل هذه المَهازل في حينِها، مِمّا كان سَيَضَعَه في مَوقف مُحرِج أمام ضيوفَه مِن زُعماء الدُول العَرَبية تَحديدا والعالم كَكُل. لذا لديه الآن أقل من شَهر تقريبا للتعامُل مع كل هذه الهَلوَسات، لامتصاص بعَضها وتنفيس بَعضها الآخَر، لتكون الطُرُق مُعَبّدة والأجواء أكثَر صَفاء لقدوم الشَرع دون جَعير وإحراج وإشكالات.