اهتمام ملكي بجهود مكافحة الإجهاد المائي في المغرب

إستراتجيات مغربية استثنائية لمواجهة التغير المناخي.
الجمعة 2024/01/19
متابعة ملكية دقيقة

المغرب يواجه كسائر دول شمال أفريقيا موجة جفاف، الأمر الذي دفعه إلى اتخاذ عدد من الإجراءات الاستثنائية لتعزيز إستراتيجياته طويلة الأمد في مواجهة الظاهرة وترشيد استخدام الموارد المائية في ظل شح الأمطار.

الرباط - يحظى ملف مكافحة الجفاف والتغيرات المناخية في المغرب بمتابعة ملكية دقيقة لما للملف من تأثيرات على الأهداف التنموية والاقتصادية المرسومة في المملكة.

وترأس العاهل المغربي الملك محمد السادس، بالقصر الملكي بالرباط، الثلاثاء، جلسة عمل خصصت للنظر في الإجراءات العملية المتخذة، خصوصا مع تسجيل عجز ملحوظ على مستوى التساقطات وضغط قوي جدا على الموارد المائية في مختلف جهات المملكة.

وقدم وزير التجهيز والمياه نزار بركة في مستهل جلسة العمل عرضا حول الوضعية المائية، والتي عرفت خلال الفترة من سبتمبر إلى منتصف يناير 2024، تسجيل عجز في التساقطات بلغت نسبته 70 في المئة، فيما بلغت نسبة ملء السدود 23.2 في المئة مقابل 31.5 في المئة خلال الفترة نفسها من السنة الماضية.

وحذر بركة من “أزمة عطش” قد يعاني منها المغرب في السنوات المقبلة، بسبب نقص الموارد المائية، خصوصا بعدما سجلت المملكة إلى غاية سبتمبر تساقطات متوسطة تراوحت ما بين 110 ملمترات بحوض زيز، و515 ملمتر بحوض سبو، في حين سجل عجز على مستوى الأحواض المائية لملوية وكير زيز وغريس وسوس ماسة.

رشيد ساري: جهود المغرب تدخل ضمن إستراتيجية مائية بميزانية ضخمة
رشيد ساري: جهود المغرب تدخل ضمن إستراتيجية مائية بميزانية ضخمة

واتخذ المغرب إجراءات لمكافحة الظاهرة في إطار البرنامج الوطني للتزويد بمياه الشرب ومياه السقي 2020 – 2027، ما مكنه من تزويد العديد من الأقاليم والجهات بشكل كاف في السنوات الأخيرة.

ومن ضمن الإجراءات إنجاز الربط بين حوضي سبو وأبي رقراق وتشغيل محطتي تحلية المياه بأكادير وآسفي/الجرف الأصفر.

ويقول رشيد ساري، رئيس المركز الأفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة والخبير الاقتصادي، “إن مجهودات المغرب في التعاطي مع إشكالية المياه تدخل ضمن إستراتيجية مائية من 2020 إلى 2027 بميزانية ضخمة تبلغ 142 مليار درهم، والتي تخص تحلية مياه البحر وبناء السدود والطريق السيار المائي واستعمال المياه العادمة، لكنها تأخرت بشكل كبير إذ كنا نتوفر على معطيات تنذر بما سنعيشه وكان لازما أن تكون هذه الإجراءات قبل هذا التاريخ”.

وأوضح ساري، في تصريح لـ”العرب”، أن “هذا الوضع كان متوقعا منذ أكثر من عشر سنوات، حيث أكدت مجموعة من التقارير أننا سوف ننتقل من مناخ شبه جاف إلى مناخ جاف، وخروجه من المنطقة البرتقالية إلى المنطقة الحمراء القاتمة، والزراعات التي يتم الاعتماد عليها تستنزف الماء بشكل كبير جدا”.

وأضاف الخبير الاقتصادي أن “توالي سنوات الجفاف والاستعمال غير المعقلن للمياه من طرف وزارة الزراعة بشكل خاص على اعتبار أنها تدعم زراعات الأفوكادو والبطيخ الأحمر والأصفر والبرتقال الموجهة للتصدير والتي تستنزف الفرشة المائية نحن في حاجة ماسة إليها لضمان الأمن الغذائي للمغرب مستقبلا، خصوصا مع انخفاض كبير بين شهري سبتمبر ويناير الجاري بنسبة 70 في المئة وحقينة السدود لا تتوفر إلا على 23 في المئة”.

ورغم المجهودات التي يبذلها المغرب لمكافة الجفاف فإنها لا تزال غير كافية، ما دفعه إلى تفعيل مخطط طوارئ لمعاضدة الخطة الوطنية قصيرة ومتوسطة المدى.

ويشمل مخطط الطوارئ مجموعة من الإجراءات على المدى القصير، منها التعبئة المثلى للموارد على مستوى السدود والآبار ومحطات التحلية الموجودة وإقامة تجهيزات طوارئ لنقل المياه والتزويد بها، وتقييد استعمال مياه الري وتقليص صبيب التوزيع كلما اقتضت الوضعية ذلك.

وبالموازاة، سيتم تسريع وتيرة إنجاز المشاريع المبرمجة التي لها وقع على المدى المتوسط، خصوصا السدود في طور التشييد ومشاريع الربط بين أحواض سبو وأبي رقراق وأم الربيع، والبرنامج الوطني لمحطات تحلية مياه البحر، وبرنامج إعادة استخدام المياه العادمة المعالجة، وبرنامج اقتصاد المياه على مستوى شبكة نقل وتوزيع المياه الصالحة للشرب ومياه الري.

ومع تزايد الطلب على المياه الذي أصبح مكثفا نظرا للتطور الحاصل في النشاط الصناعي والمجالات الزراعية إلى جانب عدم المسؤولية في التعامل مع هذه المادة الحيوية، حث العاهل المغربي القطاعات والهيئات المعنية على مضاعفة اليقظة والجهود لرفع تحدي الأمن المائي وضمان التزويد بمياه الشرب على مستوى جميع مناطق المملكة، كما دعا الحكومة إلى اعتماد تواصل شفاف ومنتظم تجاه المواطنين حول تطورات الوضعية المائية والتدابير الاستعجالية التي سيتم تفعيلها، مع تعزيز توعية العموم بأهمية الاقتصاد في استهلاك الماء ومحاربة جميع أشكال التبذير والاستخدام في غير محله.

أزمة المياه

وللتعامل مع خطر شح المياه، شرع المغرب في اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات التي من شأنها ضمان استعمال أكثر نجاعة، تقوم على ثلاث دعامات أساسية تروم التحكم في الطلب على المياه وتثمينها.

أولا، إعداد برامج عمل تهم تدبير الطلب على الماء الصالح للشرب، برفع المعدل الوطني لمردوديات شبكات توزيع المياه الصالحة للشرب إلى 80 في المئة كمعدل وطني في أفق 2025، وثانيا، المحافظة على نفس المستوى حتى سنة 2030 عن طريق إنجاز أشغال إعادة تأهيل شبكات التوزيع، وتطوير نظام العد.

وأما الركيزة الثالثة فتتمثل في صيانة الشبكة بالإضافة إلى أشغال التقطيع والتنظيم والبحث عن التسربات وإصلاحها حيث سيمكن هذا البرنامج من تخفيض الطلب على المياه الصالحة للشرب بقرابة 120 مليون متر مكعب في السنة في أفق 2025.

وحسب ما جاء في المخطط في ما يخص اقتصاد مياه السقي سيتم تحويل أنظمة السقي الانجذابي إلى السقي الموضعي بوتيرة 50000 هكتار في السنة، واقتصاد 4.1 مليار متر مكعب في أفق 2020، حيث يهدف المغرب إلى اقتصاد 3.2 مليار متر مكعب في أفق 2030.

للتعامل مع خطر شح المياه، شرع المغرب في اتخاذ مجموعة من التدابير التي من شأنها ضمان استعمال أكثر نجاعة، تقوم على ثلاث دعامات أساسية

ويرنو المغرب من ضمن التدابير إلى تنمية العرض عبر مواصلة تعبئة المياه السطحية عن طريق إنجاز السدود، حيث يوجد 14 سدا في طور الإنجاز و35 سدا مبرمجا، واللجوء إلى الموارد المائية غير التقليدية كتحلية مياه البحر بحجم يناهز 510 ملايين متر مكعب، وإعادة استعمال 325 مليون متر مكعب من المياه العادمة بعد تنقيتها.

ويعتقد رشيد ساري أن “المجهودات الكبيرة التي يقوم بها المغرب لن تحل المشكلة إذا استمر الاستهتار بهذه الوضعية وعدم عقلنة استعمال هذه المادة الحيوية”.

وأضاف “المواطن المغربي لا يملك سوى 520 متر معكب والرقم يتضاءل، ونحن في حاجة إلى ترشيد استعمال الماء من طرف الجميع من المؤسسات العمومية والضيعات الزراعية مع ترسيخ الوعي بأهمية الحفاظ على الموارد المائية”.

وأصر رئيس المركز الأفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة على ضرورة “الحد من تصدير عدد من المنتجات الزراعية كون العائد المادي من العملة الصعبة لا يقارن بما سنخسره فعلا مع تفاقم هذه الوضعية التي نعيشها اليوم، لأن مجموعة من المناطق المغربية مهددة بالعطش، والمنتجات الزراعية الموجهة للاستهلاك المحلي ارتفعت أثمانها بأكثر من 200 في المئة”.

 

اقرأ أيضا:

     • الجفاف يجبر ليبيا على استيراد نحو 75 في المئة من حاجياتها الغذائية

     • الجفاف يفرض على تونس البحث عن حلول مبتكرة لندرة المياه

     • الجزائر تكتفي بمخطط طوارئ لمواجهة الجفاف

6