انهيار سوق البيتكوين يزيد من متاعب غزة

مع الانهيار الذي تشهده العملة الرقمية والتضييق المستمر للاحتلال على الأصول التي تدخل غزة يمكن القول إن أحد أحسن الملاذات التي كانت حماس والجهاد تتلقيان من خلاله الدعم من طهران قد سدّ.
الثلاثاء 2023/01/03
حماس تخفي أرصدة سرية لا تعرفها إلا دائرة ضيقة من علية القيادات

لم تكن سنة 2022 قاسية فقط على تجار العملات المشفرة في العالم بعد الهبوط المدوي الذي سجلته عملة بيتكوين وإيثريوم، وإنما وصل تأثيره أيضا إلى داخل قطاع غزة المحاصر وطال حكومة حماس والفصائل الفلسطينية اللتين تتلقيان دعما ماليا خارجيا يأتي من طهران عبر هذا النظام المالي الرقمي، وحتى وإن استطاع قسم الأمن السيبراني لدولة الاحتلال أن يقتفي أثر بعض التحويلات ويصادر منها مئات الآلاف من الدولارات، إلا أن التحويلات المتبقية في الأرصدة النائمة التي لم يكشف عنها بعد قد سجلت خسائر كبيرة شأنها شأن ما يحدث في السوق العالمية، وهو ما يعني أن أحد أهم منابع المال السهل الذي كانت حماس والجهاد الإسلامي تتلقيانه قد جفّ.

لا يخفى على أحد أن السوق المالية الرقمية قد شكلت الملاذ الآمن للعديد من المنظمات المحظورة دوليا تحت مبرر الإرهاب، بما فيها حماس التي ناشدت بشكل صريح عبر القنوات الرسمية لدعم المقاومة بالعملات المشفرة. ففي سنة 2019 وفي أوج ازدهار أسواق البيتكوين نستذكر دعوة المتحدث باسم كتائب القسام “أبوعبيدة”، عبر تطبيق التراسل الفوري (تليغرام)، جميع المتعاطفين مع القضية الفلسطينية إلى دعم الجناح العسكري للحركة بالمال من خلال عملة بيتكوين. وصدرت تلك الدعوة من دون تقديم إيضاحات ولا حتى أرقام عن القيمة المالية التي وصلت عبر هذا النظام المالي.

والأمر ليس غريبا ما دامت حماس لا تفصح عن إيراداتها ولا موازنتها المالية السنوية، وهو ما يعني أن موضوع الفوائد التي جنيت والخسائر التي سجلت في تحويل البيتكوين إلى عملات كلاسيكية يخفي وراءه نقاط استفهام كبيرة خاصة وأن الأمر يتعلق بأرصدة سرية لا تعرفها إلا دائرة ضيقة من علية القيادات.

◙ السوق المالية الرقمية شكلت الملاذ الآمن للعديد من المنظمات المحظورة دوليا تحت مبرر الإرهاب، بما فيها حماس التي ناشدت بشكل صريح عبر القنوات الرسمية لدعم المقاومة بالعملات المشفرة

وفيما لا تفصح حماس عن القيمة المالية التي وصلتها بالبيتكوين، يقدم الاحتلال تقريرا مفصلا عن الأموال والمحفظات الرقمية التي صادرها، ففي شهر ديسمبر 2021 قدمت سلطات الاحتلال تقريرا أمنيا يفيد بأنها صادرت 750 ألف دولار من 12 حسابا رقميا، تشمل حوالي 30 محفظة رقمية تابعة لشركة صرافة تنشط في غزة لها علاقة مباشرة بحماس، وخلال سنة 2022 صادر الاحتلال 150 محفظة رقمية بقيمة 2.6 مليون شيكل (نحو 830 ألف دولار أميركي) لها علاقة بشركة المتحدون للصرافة ومحلات أحد كبار التجار في غزة.

وبما أن القطاع يقبع تحت حصار شامل يتم فيه التضييق على حركة مجمل السلع التي يرخص لدخولها إلى غزة، إضافة إلى إغلاق جميع الأنفاق التي تربط غزة بمصر فإنه يصعب الحديث عن إمكانية أن تكون هذه الأموال قد خصصت للتمويل العسكري أو لشراء معدات عسكرية، ما يعني أن تلك الأموال تكون موجهة للإنفاق إما لسد عجز الموازنة لضمان رواتب المنتسبين إلى الفصائل أو نشاطات خارجية تخص قيادات الحركة.

يصف الاحتلال البيتكوين بـ”الأوكسجين الاقتصادي” الذي تخفف من خلاله حركة حماس والجهاد الإسلامي من وطأة الحصار المفروض عليهما، لذلك يولي أهمية قصوى لمحاصرة هذا النشاط لضمان أن تبقى معادلة “الاقتصاد مقابل الأمن” بيده، وأن تكون هناك حاجة دائمة إلى تسهيلات اقتصادية تخرج غزة من وضعها الاقتصادي الهش، فمن دون مال لن تستطيع حماس إعادة تحريك عجلة الاقتصاد وستضطر إلى المحافظة على الهدنة من أجل ضمان استمرار تصاريح العمل وحركة معبري بيت حانون وصوفا، ومن دون مال ستواجه التنظيمات المسلحة كالقسام وسرايا القدس وغيرها مشكلة كبيرة في دفع رواتب منتسبيها، خاصة وأن خزائن الحكومة بالكاد تكفي لصرف مرتبات الموظفين الحكوميين وتأمين حاجيات غزة من الطاقة.

ولكن اليوم ومع هذا الانهيار الكبير الذي تشهده العملة الرقمية والتضييق المستمر للاحتلال على الأصول التي تدخل غزة يمكن القول إن أحد أحسن الملاذات الآمنة التي كانت حماس والجهاد تتلقيان من خلاله الدعم من طهران قد سدّ، مما يعني أنهما أمام مشكلة حقيقية إذ لم يعد بالإمكان الاعتماد على الضريبة كمصدر تمويل في ظل وضع اجتماعي واقتصادي كارثي لا يمكن أن يتحمل فيه المواطن الغزي أكثر مما سبق، وهنا ستصبح حماس بحاجة إلى استقرار أمني تصرف به مشاكلها الداخلية وتنعش به خزائنها الفارغة أكثر من أي وقت مضى.

9