انكشاف حزب الله ينطوي على تراجع آخر للإسلام السياسي

الاختراق الذي تلقاه حزب الله عبر أجهزة البيجر ستكون له ارتدادات على منظومة الإسلام السياسي الأوسع، خاصة شقه السني الذي يعتمد بصفة كبيرة على مساندة الكيانات الشيعية كي يستمر.
القاهرة - نظر البعض من المراقبين إلى الضربة التي أصابت حزب الله اللبناني، كعنوان محوري لتيار الإسلام السياسي الشيعي، على أنها أصابت معه فصائل الإسلام السياسي السني أيضا؛ حيث يجمعهما تحالف براغماتي باعتبار أن الشيعية السياسية كانت في حالة صعود وبإمكانها إعادة إحياء التيار بأشكاله المختلفة بعد الانتكاسة التي أعقبت ثورات الربيع العربي.
وأصابت الهجمات التقنية لأجهزة الاتصال اللاسلكية التي يستخدمها عناصر وقادة حزب الله كافة فصائل الإسلام السياسي بالارتباك، وهو ما وضح في ردود فعل غالبية منتسبيها وليس شبكة وكلاء إيران في الشرق الأوسط فقط.
وكشف تتالي الهجمات النوعية التي تشنها إسرائيل على منابع قوة محور إيران الكثير من علامات الخوف من هزيمة قاسية للجماعات الشيعية، وفي القلب منها حزب الله، ما يؤدي إلى تكريس عزلة الإسلاميين حول العالم، ويجعل جماعة الإخوان وفصائل الإسلام السني تُظهران حرصا على الحفاظ على الذات بدلًا من إظهار القوة لدعم حركة حماس تحت قيادة إيران مع اقتراب ذكرى هجمات السابع من أكتوبر.
ويُدرك قادة فصائل الإسلام السني أن ما جرى من اختراق لمنظومة حزب الله، وهو الذي كان يُعد مصدر فخر لهم، يحد من قدرة الوكلاء على العمل والتنسيق، ويقود إلى هزيمة شاملة من نتائجها المباشرة الحد من الكيانات الشيعية في التدخل لتحسين أوضاع الفصائل السنية، خاصة في فلسطين والأردن ولبنان ومصر.
وأُعيد تنظيم برامج عمل التنظيم الدولي للإخوان عقب سقوط مشروع تيار الإسلام السياسي في السلطة بداية عام 2013، من منطلق خلق مساحة حوار بين حليفين سابقين في المنطقة، بالنظر إلى أن جماعة الإخوان أبرز الداعمين قبل اندلاع الثورة الإيرانية، بهدف تأسيس نماذج حكم إسلامي.
وتوازى مع تدشين مشروع وحدة الساحات الذي جمع بين فصائل سنية وشيعية تحت راية طهران إجراء حوارات تنسيقية بين الجانب الإيراني من جهة والتنظيم العالمي للإخوان (ممثلًا في جبهة لندن) في العاصمة اللبنانية بيروت، بهدف إعادة الزخم لمجمل تيار الإسلام السياسي في الشرق الأوسط، من زاوية مناهضة المشروع الغربي، وتحت الرعاية الإيرانية، بخلاف ما كان عليه الحال بعد ثورات الربيع العربي التي شهدت تباعدًا بين الإخوان والقيادة الإيرانية بشكل علني، فيما كان مشروع تمكين الإسلاميين السنة في السلطة مدعومًا أميركيّا وغربيّا في ظل رعاية إقليمية تمثلت في كل من تركيا وقطر.
◙ الضربة التي أصابت حزب الله أصابت معه فصائل الإسلام السياسي السني أيضا، حيث يجمعهما تحالف براغماتي
وراهن الإسلام السياسي السني بمختلف فصائله المسلحة والسياسية على الالتصاق بجسد الإسلام الشيعي الذي يحظى بدعم دولة مركز ونفوذ عسكري في دول عدة بالمنطقة، في سبيل إظهار عدم الاستسلام للهزيمة الأولى بعد عزل فصائله عن السلطة في بعض الدول العربية، فيما بدا أن محاولات القفز التي جمعتهما بهدف محاولة تصدر زعامة العالمين العربي والإسلامي منذ السابع من أكتوبر الماضي ترتد عكسيًا على المحور بتقويض أركانه الرئيسية بداية من حماس، وتاليًا حزب الله.
وتقدم الإسلام السياسي السني إلى الحلف الجديد بورقة حركة حماس التي ظلت استثناءً عن الفروع الأخرى لتنظيم الإخوان الدولي، حيث لم تخسر كامل نفوذها وحضورها بعد مغامرة الربيع العربي والارتهان للمحور التركي – القطري، مُحتفظة بسلطتها وقوتها العسكرية في غزة، علاوة على الأدوار التي من المفترض أن تلعبها بعض فصائله، في كل من الأردن ولبنان، لخدمة الأهداف الإستراتيجية الإيرانية في المنطقة.
وأسند التنظيم الدولي للإخوان حول العالم مشروع تحالف بعض أذرعه بالمنطقة مع فصائل الإسلام السياسي الشيعي بزعامة إيران من خلال نشاط دعائي مكثف، عبر عملية أدلجة مضافة تُمعن في فصل السنة عن عمقهم العربي التاريخي وجعلهم مرتهنين لأدبيات وشعارات الشيعية السياسية، ووضع كل من ينتقد هذا المسلك ويحذر من تبعاته في خانة الخونة والمتخاذلين ووصفهم بـ”عملاء الغرب وإسرائيل".
وبعد أن خسر الإسلام السياسي السني خدمات فصيله الوحيد المتبقي في المشهد، حيث فقدت حركة حماس خلال نحو عام من إطلاق مغامرة السابع من أكتوبر غالبية قوتها العسكرية الفاعلة وأهم رموزها ومقاتليها، علاوة على أن قبولها كواجهة سياسية وكطرف مفاوض في أي تسويات مستقبلية بات محل شك، يبدو أن المصير ذاته بدأ ينسحب على أركان المحور في شقه الشيعي مع توجيه ضربات تقويضية لحزب الله، من شأنها جعل مستقبل حضوره ونفوذه على المحك.
ومن المرجح أن تواجه فصائل المحور في شقه الشيعي، في مقدمتها حزب الله عقب زوال بريق شعارات النصر على إسرائيل وتحرير القدس، الإشكالات ذاتها التي واجهت نظيراتها في الشق السني عقب زوال بريق شعارات الإسلام هو الحل والبديل الإسلامي في الحكم، حيث أن الإسلاميين المعاصرين جميعهم مناهضون للحداثة إما بالعنف والعسكرة وملشنة السياسة كحال حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، وإما سياسيّا؛ إذ شاركوا في الانتخابات سلميًا في سبيل تطبيق مشاريع مناقضة لها وعلى الضد من قيم ومصالح الدولة الوطنية، كما كان حال جماعة الإخوان التي أسقطتها ثورات شعبية.
وبات تدهور صورة الإسلام السياسي في المنطقة والعالم وترجيح تراجعه وربما بدء مرحلة أفوله يشمل فصائل الإسلام السياسي الشيعي التي لم تكن تحوز القوة العسكرية لأهداف متعلقة بمزاعم مقاومة إسرائيل ومناهضة المشروع الأميركي والغربي فحسب، إنما أيضًا لتأمين حيازة الموارد والثروة والنفوذ السياسي على غير إرادة أغلبية الشعوب في بلدانها.
وهناك مشتركات بين شقي الإسلام السياسي السني والشيعي تجعل أسباب رفض الجماهير لهما واحدة بمعزل عن الشعارات البراقة، فكلاهما يتوخى تديين الشأن العام بهدف البقاء لأطول فترة ممكنة في سدة الحكم، علاوة على تخلفهما عن إدراك الواقع ومعاندة التكيف مع العصر والعالم ورفض القسمة السياسية المتوازنة، ما يكرس استقطابا مجتمعيّا طائفيّا وأيديولوجيّا.
◙ من الصعب تصور محافظة حزب الله على قوته داخل لبنان بعد انكشافه واختراقه على كافة المستويات حتى من دون خوض حرب شاملة
ومن الصعب تصور محافظة حزب الله على قوته داخل لبنان بعد انكشافه واختراقه على كافة المستويات حتى من دون خوض حرب شاملة، ومن المرجح أن يُترجم الاستياء الوطني نتيجة الوضع الاقتصادي والسياسي والأمني الكارثي إلى مساءلة ومحاسبة جدية لكل من تسبب فيه وأوصل البلاد إلى حالة تهددها بالانهيار، وهو ما لم تشهده منذ ستينات القرن الماضي.
ولا يقتصر الاستياء والغضب الوطني حيال حزب الله على المكون المسيحي والسني فقط بل يتعرض الحزب لغضب داخل حاضنته الشيعية وهي المتضررة الأكبر في الجنوب اللبناني والضواحي الجنوبية لبيروت، ومن المرجح أن يشل الغضب الشيعي إلى أجل غير مسمى قدرة الحزب على إعادة تشكيل نفسه كقوة فاعلة في الداخل وفي الإقليم.
وإذا صمم حزب الله على استخدام ما تبقى له من قوة بعد تقويض إسرائيل للجانب الذي يهددها منها في تهديد الداخل اللبناني للإبقاء على نفوذه والحيلولة دون محاسبته وتغيير الوضع القائم، فلا يُستبعد وقوع البلاد في حالة من الفوضى تمهد الطريق لنزاع داخلي بين الطوائف يتورط فيه الحزب لفترة طويلة.
ويُعد انكشاف محور المقاومة بداية من خذلان حركة حماس عقب القيام بعملية طوفان الأقصى من قبل باقي فصائل المحور وانهيار نظرية “وحدة الساحات” والبدء في استفراد إسرائيل بكل ساحة على حدة وتصفيتها لكبار قادة الحرس الثوري وحماس وحزب الله، وصولًا إلى الانكشاف النوعي غير المسبوق لحزب الله، محطة جديدة من محطات تراجع تيار الإسلام السياسي في المنطقة والعالم بعد التراجع الأول عقب عزله عن السلطة وسقوط فروع جماعة الإخوان في العديد من البلدان العربية.
وإذا كان الإسلام السياسي السني قد سقط سابقًا لأنه لم يُحدث تحولات إصلاحية وبفعل إكراهات الواقع السياسي والاجتماعي وضغوط الدولة الحديثة وعدم تقبل الأجيال الجديدة في عصر التكنولوجيا لفقه الطاعة العمياء، بالإضافة إلى حرص مؤسسات الدول على مصالحها العليا وثوابتها التقليدية في الإقليم ومنع التدخل في شؤونها، فإن شقّي التيار السني والشيعي يتراجعان معًا مجددًا بفعل الهجمة الارتدادية الإسرائيلية، والتي ستقود إلى محاسبة جماهيرية عربية أخرى بمعزل عن الشعارات.