انقلاب بوركينا فاسو يُشدد قبضة العسكر على الساحل

مع نجاح ضباط عسكريين في جمهورية بوركينا فاسو في الاستيلاء على السلطة مطلع الأسبوع الجاري تكون الجيوش في الساحل الأفريقي والصحراء قد شددت قبضتها على الحكم في المنطقة، وذلك في تطورات يرى خبراء أنها جاءت نتيجة للصراع مع الجماعات المتطرفة وأباطرة التهريب وغيرهم.
أعلن ضباط في بوركينا فاسو بقيادة الليفتنانت كولونيل بول هنري سانداوغو داميبا رئيس “الحركة الوطنية للحماية والاستعادة” الاستيلاء على السلطة في بلادهم، وقالوا الإثنين من خلال التلفزيون الحكومي إنّهم حلّوا الحكومة والبرلمان وأغلقوا حدود البلاد وعلّقوا العمل بالدستور.
وبذلك تكون بوركينا فاسو قد شهدت ثامن انقلاب عسكري في تاريخها، فيما يتسع نفوذ العسكريين بمنطقة الساحل والصحراء من خلال عودة موجة الانقلابات للعصف بكل تطلعات شعوب المنطقة إلى الحرية والديمقراطية والحكم المدني.
تعتبر بوركينا فاسو من أكثر دول المنطقة تعرضا للانقلابات في تاريخها، ففي الخامس من أغسطس 1960 استقلت فولتا العليا عن الاستعمار الفرنسي، وتحولت إلى جمهورية يرأسها زعيم حزب التجمع الديمقراطي الأفريقي موريس ياموغو الذي بادر بقمع المعارضة واعتماد سياسة ونظام الحزب الواحد، وهو ما دفع باتحاد نقابات العمال إلى الاحتجاج عبر الإضراب العام، وفي الرابع من يناير 1966 استولى الجيش على الحكم وأصبح الجنرال أبوبكر سانغولي لاميزانا رئيسا للدولة.
وبسبب أزمة الجفاف وتأثيرها على أوضاع المزارعين، واحتجاجات نقابات التعليم على قرارات تعسفية طالت عددا من زملائهم، واتساع دائرة المحسوبية والفساد، قاد الجيش ثاني انقلاب عسكري في جمهورية بوركينا فاسو في الخامس والعشرين من نوفمبر 1980 ليطيح بالجنرال لاميزانا ويعلن تولي العقيد سايي زيربو الحكم، وبعد عامين وتحديدا في السابع من نوفمبر 1982 دفعت أزمة داخلية في مؤسسة الجيش بالرائد توماس سانكارا إلى تزعم انقلاب فسح على إثره المجال للطبيب الرائد جان بابتست أويدراوغو لتقلّد مهام الدولة رغم افتقاره إلى الخبرة السياسية وافتقاده للخلفية الأيديولوجية.
اكتفى سانكارا بمنصب وزير الإعلام في الحكومة، وكان يذهب الى مقر وزارته وإلى مجلس الوزراء على دراجة هوائية، وعندما اكتشف تسرب الفساد إلى السلطات الجديدة واجهها بقوة، فتمت إقالته من الوزارة والزج به في السجن، إلى أن قام رفيقه بليز كومباوري بانقلاب عسكري جديد في الرابع من أغسطس 1983، حيث تم إطلاق سراح سانكارا واختير ليكون الرئيس، فتزعم ثورة ثقافية واجتماعية حقيقية في البلاد، ومثّل رمزا مهمّا لقوى اليسار في القارة الأفريقية متأثرا بالثورة الكوبية وبزعيمها فيدال كاسترو وتشي غيفارا إلى أن سمّي بغيفارا أفريقيا.
تاريخ حافل بالانقلابات
صادر سانكارا أراضي الإقطاعيين وزعماء القبائل ووزّعها على الفلاحين وألغى الضرائب الثقيلة التي تثقل كاهل الفلاحين مما رفع المستوى المعيشي وخلق حالة مُثلى للمساواة في بوركينا فاسو. وفي غضون أربع سنوات فقط تضاعف إنتاج القمح والقطن من 1700 كيلوغرام للهكتار الواحد إلى 3900 كيلوغرام، واستطاع تحقيق فائض في الغذاء، ونصح مواطنيه بضرورة الاعتماد على النفس وحظر استيراد العديد من المواد إلى بلاده، وشجّع على نمو الصناعات المحلية.
ولم يمر على حديثه الكثير حتى أصبح البوركينيون يرتدون قطنا وطنيا 100 في المئة، قطن جرى نسجه وتفصيله في بوركينا فاسو، كما يعود إليه الفضل في تحرير المرأة في بلاده، ونشر الرعاية الصحية وغيرها من الإنجازات، إلى أن انقلب عليه مساعده كومباوري في الخامس عشر من أكتوبر 1987، حيث شهد ما سمي آنذاك بالخميس الأسود مواجهات دموية، وقام 14 ضابطا بالهجوم على سانكارا في القصر الجمهوري حيث تم اغتياله بدعم مباشر من قوى خارجية في مقدمها فرنسا التي لم تكن مرتاحة للنزعة الاشتراكية الثورية التي كان يتزعمها.
اغتيل سانكارا وهو في السابعة والثلاثين من عمره، ولم يترك من ممتلكات شخصية سوى دراجة هوائية وسيارة قديمة مع ثلاجة معطلة وثلاث آلات قيثارة، ومع بصمة مهمة في تاريخ أفريقيا ككل وفي تاريخ بلاده التي كان وراء تسميتها ببوركينا فاسو، بمعنى بلاد الرجال الصالحين بعد أن كانت تحمل إسم فولتا العليا، وهو من كتب نشيدها الرسمي بنفسه وصمم علم البلاد آنذاك وعليه شعار “الموت أو الوطن”، نقلا عن مقولة لتشي غيفارا في منظمة الأمم المتحدة.
وفي أكتوبر 2021 بدأت المحكمة العسكرية بواغادوغو في مقاضاة المتهمين الـ14 باغتيال سانكارا عام 1987، ووجهت إليهم تهم “المساس بأمن الدولة” و”الشراكة في الاغتيال” و”إخفاء جثث قتلى”، ومن بينهم الرئيس السابق للبلاد بليز كومباوري الذي يعيش حاليا في المنفى بساحل العاج بعد أن مكث في الحكم لمدة 27 عاما قبل أن تعصف به انتفاضة شعبية عام 2014.
بوركينا فاسو شهدت ثامن انقلاب عسكري، فيما يتسع نفوذ العسكريين بالساحل والصحراء بعودة موجة الانقلابات للعصف بتطلعات شعوب المنطقة إلى الحرية والديمقراطية
وأمام الإصرار الكبير الذي أبداه نظام كومباوري إزاء تعديل دستوري يرمي إلى مراجعة المادة 37 من الدستور البوركيني بما يسمح للرئيس بولاية ثالثة، أعلنت المعارضة العصيان المدني، قبل أن تنضمّ إليها النقابات والمجتمع المدني، لتشكّل مختلف هذه المكونات جبهة مقاومة لأطماع كومباوري. ومع دعوة المعارضة إلى التعبئة الجماهيرية، بدا أنّ الخيارات بدأت تتضاءل أمام الرئيس كومباوري.
ومع ذلك لم يفقد الأخير أمله في البقاء في الحكم، على الأقلّ إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2015، لكن سرعان ما أطاح الغضب الجماهيري النابع من الحشود التي تجمّعت في ميدان “الأمة” بمناورات الرئيس، فأصدرت الرئاسة البوركينية في نزعاتها الأخيرة بيانا أعلن من خلاله كومباوري حالة الطوارئ وحلّ الحكومة، غير أنّ الوقت كان متأخرّا، حيث أعلنت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة حل الحكومة والبرلمان وتشكيل هيئة انتقالية لتسيير البلاد.
وقال برينو جفري صاحب كتاب “الانتفاضة التي لم تكتمل. بوركينا 2014” الصادر عام 2019 “لقد أثبت توماس سانكارا أنه من الممكن تطوير اقتصاد بلاده بكل استقلالية وعبر منح الثقة لأهاليها”، وأن “هدفه كان زيادة ثروات البلاد والاستفادة منها محليا”. وأضاف “سانكارا كان ثوريا ومناهضا للإمبريالية، يطمح إلى إيصال صوت الضعفاء والمظلومين عبر العالم، فضلا عن وضعه لأسس الاستقلال من قيود التبعية الفرنسية”.
وحاول نظام بليز كومباوري جاهدا وقف الإجراءات القضائية الخاصة بملف اغتيال سانكارا، وبعد الإطاحة به قرر النظام الانتقالي الديمقراطي السماح بفتح هذا الملف من جديد في مارس 2015.
وفي ديسمبر من نفس السنة، تم إصدار مذكرة توقيف دولية ضد كومباوري من قبل قضاء بوركينا فاسو، وفي فبراير 2020 تمت للمرة الأولى إعادة تمثيل عملية اغتيال توماس سانكارا في مكان الجريمة ليتم بعد ذلك إرسال الملف إلى قاضي التحقيق بالمحكمة العسكرية في أكتوبر 2020 فاتحا المجال أمام المحاكمة.
وروى برينو جفري أن “التحقيق أظهر أن عناصر فرنسيين كانوا يتواجدون في بوركينا فاسو غداة اغتيال توماس سانكارا، أي في السادس عشر من أكتوبر 1987 من أجل إتلاف المكالمات الهاتفية التي قام بها بليز كومباوري وجان بيير بالم، الضابط في الدرك الوطني الموقوف في إطار هذه القضية”.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعد خلال الزيارة التي قام بها إلى بوركينا فاسو في 2017 برفع السرية عن كل الأرشيف المتعلق باغتيال توماس سانكارا. وقد تم فعلا رفع السرية عن ثلاث مجموعات من الوثائق، لكنها تحتوي على محفوظات ثانوية، في حين لم ترفع السرية عن أي وثيقة أو قطعة أرشيف صادرة عن مكتبي فرنسوا ميتيران وجاك شيراك، وهو ما جعل مراقبين يعتبرون أن فرنسا الرسمية تواجه حالة من الحرج في علاقة بالكشف عن دورها في اغتيال الزعيم البوركيني والأفريقي الذي بات يمثل أحد أبرز رموز التحرر السياسي والاجتماعي في القارة السمراء.
وعندما اضطر الرئيس كومباوري إلى التخلي عن منصبه في أكتوبر 2014، دفعت قيادة الجيش بأحد قادة الحرس الرئاسي وهو العقيد إسحاق زيدا كرئيس مؤقت، وهي خطوة أثارت انتقادات محلية ودولية واسعة النطاق.
وفي غضون أسبوعين وافق زيدا على تسليم السلطة إلى إدارة انتقالية مدنية، فتم التوقيع على ميثاق انتقالي في السادس عشر من نوفمبر، وفي اليوم التالي تم تعيين الدبلوماسي السابق ميشيل كافاندو رئيسًا مؤقتًا فأدى اليمين الدستورية في الثامن عشر من نوفمبر وعين زيدا رئيسا للوزراء من الإدارة الانتقالية، الأمر الذي أدى إلى بعض القلق بشأن مستوى المشاركة العسكرية في الحكومة المؤقتة.
وشهد العام 2015 حملة للقضاء على مخلفات 27 عاما من حكم كومباوري، وفي سبتمبر 2015 أعلن الجنرال جلبرت دينديري، الذراع اليمنى لكومباوري، الاستيلاء على الحكم، وأعلن نفسه رئيسا لما سماه المجلس الوطني للديمقراطية، وهي الهيئة الجديدة المسيّرة للبلاد، لكن قيادات من جيش بوركينا فاسو قالت إن قواتها تسير باتجاه واغادوغو وأعطت دينديري وأعضاء الانقلاب في الحزب الاشتراكي الثوري مهلة لإلقاء أسلحتهم.
وبينما كان دينديري ملتزمًا بإعادة كافاندو إلى منصبه وفقًا لشروط اقتراح المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، فقد تحدى في البداية الإنذار النهائي قبل التوصل إلى اتفاق مع الجيش يعود بموجبه الحزب الاشتراكي الثوري إلى مواقعه وينسحب الجيش من واغادوغو.
وفي الثالث والعشرين من سبتمبر أعيد كافاندو إلى منصبه كرئيس مؤقت، واستمر منع المرشحين الذين دعموا جهود كومباوري في الجمعية الوطنية لإلغاء تحديد فترات الولاية من الدستور في الانتخابات الرئاسية المرتقبة، واتهم دينديري وغيره من مدبري الانقلاب بما نسب إليهم من جرائم أمام القضاء، بينما أجريت الانتخابات الرئاسية والتشريعية المؤجلة في التاسع والعشرين من نوفمبر 2015.
الضغوط التي تكرسها قوى إقليمية لم تنجح في فرض تخلي الانقلابيين العسكريين عن السلطة وتسليمها إلى المدنيين ما يطرح تساؤلات بشأن التحولات الجديدة في الساحل الأفريقي
وخاض 14 مرشحًا الانتخابات الرئاسية ليكون الفوز من نصيب روش مارك كريستيان كابوري، الذي سبق له أن شغل منصب رئيس الوزراء ورئيس الجمعية الوطنية في عهد كومباوري لكنه قطع العلاقات معه في أوائل عام 2014.
وتعرضت بوركينا فاسو خلال السنوات الماضية الى اتساع نشاط المتشددين الإسلاميين ممن نفذوا عمليات إرهابية في واغادوغو وعدد من المدن والمناطق الأخرى، ودخلت البلاد من جديد في أزمات مالية واقتصادية، وأدى العنف المتصاعد إلى أزمة إنسانية، حيث نزح أكثر من مليون شخص داخليا، وأغلقت الآلاف من المدارس، وزاد عدد سكان بوركينا فاسو الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي إلى أكثر من 3 ملايين.
وفي الثاني والعشرين من نوفمبر 2020 أجريت الانتخابات الرئاسية والتشريعية، بينما لم تتمكن السلطات من فتح أبواب الاقتراع في الكثير من مناطق الشمال والشرق بسبب المشاكل الأمنية المستمرة، وقد أعيد انتخاب كابوري بحوالي 58 في المئة من الأصوات.
وكانت قد ظهرت مؤخرا إرهاصات تحرك العسكر في بوركينا فاسو عندما تم الإعلان في الحادي عشر من يناير الجاري من قبل النيابة العسكرية عن اعتقال ثمانية جنود للاشتباه في “زعزعتهم لاستقرار مؤسسات الجمهورية”، وأوضح المدعي العسكري أن الشرطة القضائية العسكرية فتحت تحقيقًا في الثامن من يناير، وقد تم بالفعل استجواب المشتبه بهم ومنهم المقدم أرسلان محمد إيمانويل زونغرانا (41 عاما).
والعقيد زونغرانا من مواليد الحادي والثلاثين من ديسمبر 1981 في قرية بابري المتاخمة للعاصمة واغادوغو، حيث نما وترعرع بين أحضان أسرة تعمل في مجال الزراعة، وفي العام 2000 حصل على شهادة الباكالوريا الفرنسية (الثانوية العامة) تخصص فلسفة، ليلتحق مباشرة بمدرسة الضباط للطلبة بالتوغو، وهناك زاول دراسته الأكاديمية العسكرية حتى العام 2003 تاريخ تخرجه برتبة ملازم، ويقول عنه زملاؤه إنه كان معروفا لديهم بالانضباط والصرامة بالرغم من ميولاته الأدبية والثقافية.
ورغم أن المدعي العسكري لم ينشر أسماء الجنود الثمانية الموقوفين، إلا أن مصادر أمنية أكدت دور المقدم زونغرانا قائد الفيلق في فوج مشاة الكوماندوز الثاني عشر، والذي يحظى بشهرة واسعة في بلاده ولاسيما في الأوساط الإعلامية والثقافية باعتباره أديبا وصاحب إسهامات مهمة في مجال الرواية وصاحب دار نشر خاصة.
العسكر والساحل
ومكنت قيادة الجيش في دولة بوركينا فاسو الضابط الشاب من دورات تدريبية في كل من فرنسا والمملكة المغربية، وقد بدأ حياته العملية بالمدرسة العسكرية في مدينة كاديوغو، ثم تم تعيينه قائدا لفوج المظلات الكوماندوز الخامس والعشرين، وقائدا للقطاع الغربي لتجمع القوى الأمنية في الشمال، ثم قائدا للكتيبة 12 من القوات المتمركزة في المناطق الشمالية للبلاد التي تشهد صراعا متناميا مع الجماعات الإرهابية المتحركة في منطقة الساحل والصحراء وبات لها حضور واسع في أراضي بوركينا فاسو.
في الأثناء بدأ إسم إيمانويل زونغرانا ينتشر على نطاق واسع في المجال الأدبي والثقافي، فقد صدرت له عن دار “إيدي ليفر” الفرنسية روايات منها “سانتينيل” أو “الحارس” وهي رواية يطرح فيها عدة أسئلة تناقش مشاكل المجتمع وتتناول كذلك مواضيع فلسفية تتعلق بنهاية حياة الإنسان ومصيره.
كما ألف “مارويل الطفل الساخط”، وهي عبارة عن سيرة ذاتية يتناول فيها حياته ومسيرته، حيث بدا ساخطا من التوسع العمراني للمدن، وخصوصا العاصمة واغادوغو التي كادت تلتهم قريته الوديعة بابري على بعد كيلومترات شمالا، حيث يأمل في أن يعاد النظر في التوسع العمراني للمدن التي تحاول التماهي مع الثقافة الغربية، وتسعى لمحو القرى الصغيرة وثقافاتها في بوركينا فاسو وأفريقيا.
تساؤلات بشأن التحولات الجديدة في الساحل الأفريقي خاصة مع دخول لاعبين جدد إلى المنطقة مثل روسيا التي باتت تتحدى النفوذ الفرنسي في مالي مثلا
فيما ينتظر المتابعون لمجريات الأحداث في بوركينا فاسو الكشف لاحقا عن هوية القيادات العسكرية التي تتزعم الانقلاب الثامن في تاريخ البلاد، وما يمكن أن يتم اتخاذه من قرارات إقليمية ودولية ضد الانقلابيين، يبدو أن ظاهرة الانقلابات قد عادت بقوة إلى دول الساحل والصحراء كأحد إفرازات الصراع القادم مع قوى الإرهاب والتهريب في ظل معركة النفوذ الدولي على المنطقة والتي تتجلى بالأساس من خلال حرب الإطاحة بنفوذ فرنسا على مستعمراتها القديمة.
ففي سبتمبر 2021 أعلن ضباط من القوات الخاصة الغينية بقيادة الجنرال مامادو دومبويا اعتقال الرئيس ألفا كوندي والسيطرة على العاصمة كوناكري وحل مؤسسات الدولة، وفي الخامس والعشرين من مايو أطاح أسيمي غويتا وهو الضابط الذي قاد الانقلاب في مالي في أغسطس 2020 بالرئيس الانتقالي ورئيس الوزراء وعيّن نفسه نائبا للرئيس.
وفي تشاد تولى الجنرال محمد إدريس ديبي رئاسة البلاد بعد الإعلان عن مقتل والده في أبريل الماضي أثناء مواجهة مع متمردين قادمين من جنوب ليبيا، بينما يرى مراقبون أن المنطقة مقبلة على مزيد من الأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية بما يعطي للعسكريين مجالا أوسع للانقلاب والسيطرة على مقاليد الحكم في دول تواجه حربا ضروسا مع جماعات من المتشددين الإسلاميين المتحركين في الصحراء الكبرى.
ولم تنجح الضغوط التي تمارسها قوى إقليمية على غرار المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في فرض تخلي الانقلابيين العسكريين عن السلطة وتسليمها إلى المدنيين، ما يطرح بجدية تساؤلات بشأن التحولات الجديدة في الساحل الأفريقي خاصة مع دخول لاعبين جدد إلى المنطقة مثل روسيا التي باتت تتحدى النفوذ الفرنسي في مالي مثلا، وهو ما أثار حفيظة باريس خاصة بعد تدخل مرتزقة فاغنر هناك.