انفجار بيروت شرّد مجتمع الميم في لبنان

الانفجار أتى ليدمّر الجميزة ومار مخايل. وهما شارعان كانا يضمان روّادا وعمالا من مجتمع الميم.
الاثنين 2021/11/22
محاصرون في مجتمع لا يقبلنا

طالت دائرة الدمار التي أحدثها انفجار مرفأ بيروت قبل عام مكتب جمعية “حلم” التي تعتبر ملجأ لمزدوجي الميل الجنسي والمثليين في بيروت، فكانت الآثار كبيرة على نفوسهم وعلى مصيرهم في مجتمع يواجهون فيه التمييز.

بيروت ـ يبعد مكتب جمعية “حلم” التي تُعنى بـ”الحماية اللبنانية للمثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي”، 600 متر فقط من موقع انفجار مرفأ بيروت، في منطقة مار مخايل.

تدمّر المكتب بشكل شبه تام، يقول المدير التنفيذي للجمعية لدويتشة فيللة “الحمدلله لم يصب أحد بأذى كبير”.

وعادت الحياة إلى المكتب، وعاد إليه دوره الذي يصفه زيدان بأنه “غير تجاري، يمكن لأبناء مجتمع الميم أن يأتوا إليه ويمضون أوقاتهم فيه من دون أن يشعروا بالتمييز”.

لأكثر من عام كان الكثيرون ممن اعتادوا ارتياد المكتب يفتقدون هذه المساحة التي تشعرهم بالأمان، بالحدّ الأدنى، في المنطقة التي يعتبرونها “إلى حدّ ما آمنة”.

أتى الانفجار ليدمّر الجميزة ومار مخايل. وهما شارعان كانا يضمان روّادا وعمالا من مجتمع الميم وكان هناك بحسب زيدان، “إنتاج ثقافي فني كوري لبناني في هذين الشارعين”، بالإضافة إلى تمكّن جزء من مجتمع الميم، ممن لديهم قدرة اقتصادية مرتفعة، على سكن هذه المنطقة، والمكان الوحيد غير التجاري الذي يتواجد فيه أفراد من مجتمع الميم في المنطقة هو مكتب “حلم”.

لذا فإن الدمار الكبير الذي لحق بالشارعين، ترك أثرا بالغا على نمط عيش أبناء مجتمع الميم. يقول زيدان “اضطر عدد كبير منهم إلى العودة إلى منازل أهاليهم، أي الأمكنة التي هربوا منها في الأصل نظرا للعنف والتمييز والضغط النفسي والمعاملة السيئة من أفراد العائلة أو من الأقارب في الكثير من الحالات”.

هذا ما حدث مع جمانة (اسم مستعار)، وهي مثلية الجنس كانت تعيش في منطقة مار مخايل.

المنطقة لم تعد تحتضنهم كما في السابق

نجت جمانة ونجا أصدقاؤها مع جروح جسدية سرعان ما التأمت، لكن بقيت الجروح النفسية التي خلّفها الانفجار، والذي هجّرها من منزلها، ورمى بها من جديد إلى عمق الماضي الذي لطالما حاولت الهرب منه.

اضطرت، كما باقي أصدقائها، بعد الانفجار مباشرة إلى لململة أنفسهم والذهاب إلى بيوت الأهل. كان هذا الخيار الوحيد في ظلّ الدمار الذي لحق بغالبية المدينة. كانت جمانة قد تركت منزل ذويها وكان التواصل معهم شبه مقطوع. خسرت جمانة عملها بسبب الانفجار، وخسرت معه استقلاليتها المادية والاجتماعية.

عادت إلى منزل ذويها، ولحسن حظّها كانت أمها وأختها أكثر تعاطفا معها هذه المرة، فيما تقول جمانة، إن غيرها من المثليين لم يكونوا محظوظين مثلها.

يقول زيدان، إن الكثير من مجتمع الميم اضطروا بسبب الانفجار للانتقال إلى مناطق بعيدة عن بيروت، والمشكلة بحسب زيدان، أن هؤلاء يخسرون ما يسميه “الفقاعة الصغيرة الآمنة التي بنوها حول أنفسهم ليعيشوا فيها بعد أن اعتاد المحيط على وجودهم وبات يتقبّلهم في الحد الأدنى”. ومع اضطرارهم بفعل الانفجار إلى نقل سكنهم، سيكونون معرضين مجددا لمجتمع يرفضهم.

قطعت غوى أبي حيدر، علاقتها بشارع مار مخايل الذي كانت ترتاده بشكل يومي، “وضع الانفجار حدا لعلاقتي بالمنطقة، مع أني أعيش هناك، على مقربة من ذكرياتي”.

تقول غوى، وهي مثلية الجنس، إن الانفجار غيّر شارع مار مخايل الذي كان مشهورا بتقبّله لمجتمع الميم. تشعر غوى أن المنطقة لم تعد تحتضنها كما في السابق، هي التي كانت حاضرة فيها لحظة الانفجار، لم تمت، نجت، لكن انتماءها إلى المكان مات، “عندما زرت مار مخايل للمرة الأولى بعد الانفجار شعرت بأسى، رأيت مكان الجثث المطبوعة في رأسي وتساءلت: ماذا أفعل هنا في هذا المكان حيث مات كثيرون وكدت أنا أن أموت؟”.

20