انعكاسات العالم الجديد: العودة إلى اليمين المتطرف

الحرب مسألة وقت ليعاد تشكيل خارطة العالم. سيأفل نجم بعض الدول وينبلج بعضها الآخر وتنبثق قوى عالمية جديدة تفرض رؤاها السياسية والاقتصادية وتهيمن على باقي الدول ويتكرر سيناريو العالم متعدد الأقطاب.
السبت 2022/10/01
التاريخ يعيد نفسه

كثر الحديث والتوقعات السياسية حول ما سيؤول إليه العالم قريبا، الذي لم يتعافَ بعد من المخاض العسير لتداعيات جائحة كورونا حتى دخل في أزمات اقتصادية ذات جناحين؛ ركود وتضخم، أنتجت صراعات سياسية أثرت على إمدادات الطاقة والغذاء، فكانت المحصلة دولا كبرى على شفا الإفلاس والانهيار الاقتصادي وحتى العسكري، وقادة ضعفاء يقرعون طبول الحروب بشغف الأيديولوجيات البالية، وشعوب تتمرد على ألوانها السياسية المعتادة وتلجأ إلى أقصى اليمين بحثا عن “صلابة وهمية” تنقذها من أزماتها الاقتصادية والأمنية والسياسية، والعنوان الأبرز: العالم يتغير وخارطة الدول الكبرى تتشكل من جديد.

ديناميكية الأحداث المتسارعة التي سطرتها الحرب الروسية – الأوكرانية جعلت جميع الأطراف الدولية في صدمة سياسية. الأوروبيون الآن منقسمون على أنفسهم في مراجعة مواقفهم السياسية وطبيعة العقوبات الجديدة المزمع فرضها على روسيا، خاصة مع عدم نجاح العقوبات السابقة على روسيا، والتي بادرت بالمثل وخلقت “أزمة طاقة” داخل الدول الأوروبية، فعدم توفر البدائل لمصادر الطاقة، وتردد البيت الأبيض وسيده في مواجهة علانية صارمة مع الروس، أبقت الحرب مستمرة إلى الآن.. تقاد من تحت الطاولة.

بدأت بعض دول أوروبا تخرج من توجهاتها السياسية المعتادة، فبعد فوز اليمين المتشدد أو المتطرف في كل من السويد والمجر، وإحرازه تقدما ملحوظا في فرنسا وإسبانيا، يفوز اليوم ولأول مرة منذ أربعينات القرن الماضي في انتخابات البرلمان الإيطالي مما سيسمح له بتشكيل حكومة تناصب العداء ضد بعض الدول داخل الاتحاد أولا ومن ثم دول العالم ثانيا من خلال رفع خطابها السياسي والإعلامي “الغوغائي” في ظل الأزمات الراهنة التي ينتعش بها “اليمين المتطرف أو المتشدد” لكسب شعبوية أوروبية ناجمة عن التهويل من المجهول القادم للوصول إلى الحرب بوصفها نتيجة حتمية لحل الصراعات القائمة.

أجواء اليوم هي ذات الأجواء عشية الحرب العالمية الثانية، والتي أفضت إلى قطبين اثنين، بعد تأثر مكانة الدول الكبرى المنتصرة بالحرب العالمية الأولى

أوروبا تدخل مرحلة جديدة من تاريخها في ظاهرة سياسية عامة؛ أن الشعوب الأوروبية عادت إلى أفكارها “الفاشية والنازية” كونها لا تثق في حلفائها التقليديين، فلجأت إلى التشدد ذي الطابع المحافظ – الديني في السياسات العامة نظرا لضعف المواقف المتخذة في مواجهة تداعيات أزمات الحرب الروسية – الأوكرانية، مما سينعكس بالتأكيد على تماسك الوحدة الأوروبية التي أصبحت هشة بعد بقائها صامدة لعقود طويلة، فمعظم الأحزاب اليمينية الأوروبية تناهض فكرة الأمة الأوروبية، وتدعو إلى قومياتها، وهي أفكار طفت على السطح الأوروبي مجددا في فترة ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي رفع شعارَي “أميركا أولا” و”أميركا القوية”.

أوروبا أمام تحديات في هذه المرحلة المتقلبة، فعدا عن أزمة الطاقة المتصاعدة، هي بحاجة إلى حلول تجنبها المصاعب الاقتصادية الناتجة عن إضرابات أسواق المال، وتداعيات الركود والتضخم المتسارع، مع الحفاظ بصعوبة على سياساتها المتوازنة في العديد من ملفات منطقة الشرق الأوسط وقارة أفريقيا والاتفاق الإيراني والتصدي للتوغل الصيني، فكل هذه الملفات وغيرها ستتأثر برؤى التيارات والأحزاب اليمينية الصاعدة، في ظل عالم يشهد تقلبات وانعكاسات سياسية تحركها الأزمات الاقتصادية.

التاريخ يعيد نفسه. أجواء اليوم هي ذات الأجواء عشية الحرب العالمية الثانية، والتي أفضت إلى قطبين اثنين، بعد تأثر مكانة الدول الكبرى المنتصرة بالحرب العالمية الأولى.

لذلك، الحرب مسألة وقت، ليعاد تشكيل خارطة العالم من جديد. سيأفل نجم بعض الدول وينبلج بعضها الآخر، لتنبثق قوى عالمية جديدة تفرض رؤاها السياسية والاقتصادية وتهيمن على باقي الدول، ويتكرر سيناريو العالم متعدد الأقطاب وصولا إلى قوة جديدة تنفرد بحكم العالم.

9