انتهت المهلة وقناة الجزيرة تهاجم السعودية

الثلاثاء 2017/07/04

انتهت المهلة ورفضت قطر المطالب وبدأت قناة الجزيرة بشن حملة عنيفة على السعودية. تخلط الأوراق عن الجهاد الأفغاني والتحالف الأميركي السعودي في الحرب على الروس إضافة إلى إظهار السعودية قلقة من حرية التعبير وأنها تريد قنوات على نمط أم بي سي الترفيهية. هذا الهجوم القطري كان متوقعا وربما سيتصاعد. السعودية لحمها مر فهي ليست القذافي ولا صدام حسين. قطر تغرق اليوم في مشكلة كبيرة.

الدوحة اختارت أن تكون مركزا لمشروع خطير يهدف إلى تسويق الإخوان المسلمين في المنطقة وفرضه على الولايات المتحدة. كانت خطتهم تقوم على حشر الرأي العالمي بين خيارين؛ إما إسلام معتدل إخواني وإما داعش. هكذا فعلوا بمصر مؤخرا.

سوقوا فكرة أن العرب السنة لا فائدة منهم، ولا بد من الاعتماد على تيار إسلامي مقبول. يقصدون أن الإخوان هم تلك الجهة. في العلن روّجَ الإخوان وقناة الجزيرة لظاهرة داعش والقاعدة وقتال الأميركان، بل ضخت قطر المال والسلاح حتى تجلس وتفاوض في النهاية كوسيط بين العالم وبين المجانين المسلمين السنة.

قناة الجزيرة دعمت موقفا سنيا معاديا لأميركا في العراق بحجة إسلام ومقاومة حتى سقط العقل السني في الفخ. بينما اليوم قطر تتوسل ببقاء قاعدة العديد الأميركية خصوصا بعد عرض الإمارات والسعودية تقديم امتيازات أفضل في مناطق أخرى.

كانت قطر توظف ملياراتها لتوريط السنة بالإرهاب وتمكين إيران والهدف تمزيق السعودية وتشريد شعبها. المملكة غاضبة لهذا السبب، فليس سهلا القرار بعزل دولة خليجية عضو في مجلس التعاون لكن الرياض رأت لسنوات تآمر هذه الدولة الصغيرة وقد طفح الكيل واتسع الرقع على الراقع.

الشيخ تميم حين ألقى خطابه المشؤوم بعد قمة الرياض بساعات، أعلن أنه ضد تحالف خليجي وعربي بالتنسيق مع البيت الأبيض للوقوف بوجه إيران. الشيخ تميم يفضل دعم جبهة النصرة والقاعدة وداعش وتوريط السنة بالإرهاب والعداء لأميركا.

هناك نواة اتحاد جديد داخل مجلس التعاون الخليجي بين السعودية والإمارات والبحرين، فقد كشفت الأزمة الأخيرة مع قطر أن دولا في المجلس متعايشة بحياد داخل الصراع بين الرياض وطهران.

سلطنة عمان مثلا بعيدة كل البعد عن إبداء رأي علني، ومعروف عنها رعاية المراحل الأولية للاتفاق النووي بين إيران وأميركا، وكذلك استعداداتها لتطوير الموانئ ومد أنبوب غاز إيراني تحت البحر بكلفة ضخمة لتطوير الملاحة والصناعة العمانية تمهيدا لرفع العقوبات عن إيران.

الكويت من جهة أخرى تتخذ الحياد لسبب عميق. فمنذ احتلالها من صدام حسين عام 1990 وقعت في تناقض وجداني استغلته إيران والشيعة أفضل استغلال. من دعم المعارضة العراقية إلى استقبال محمد باقر الحكيم، إلى الترويج للمثقفين الشيعة وبناء علاقات قوية مع إيران. فخطر الخميني أصبح مجرد دعاية بعثية صدامية.

لقد وقعت الكويت في مشكلة كبيرة وهي ليست مشكلة خارجية فقط، بل سيطر شيعة الكويت تقريبا على الثقافة والتجارة ووسائل الإعلام. والكويت تختلف عن قطر. فليس عندها مشروع مخابراتي عالمي، ولا تضخ المليارات من الدولارات لدعم الإخوان المسلمين. أنفقت ثروتها على الثأر وإسقاط صدام حسين، ولم تعد كما كانت دولة رائدة في الرفاه الخليجي.

مع مرور الزمن والانشغال السعودي أصبحت الكويت اليوم ليست كويت الثمانينات المتحمسة للقضايا العربية والوقوف بوجه العدو الفارسي. لا تستطيع الكويت اليوم الانضمام إلى تحالف ضد إيران. ثم إن الدور القطري لا يُزعج الكويت كثيرا، فقطر راعية لصفقة سياسية في العراق.

المثير لقلق الكويت من خلال تمثيل إخواني رسمي هو “الحزب الإسلامي” الذي فرضته إيران على سنة العراق في الحكومة الصفوية. وقطر تخدع سنة العراق بالإرهاب الإسلامي والتحريض، وتترك إيران تحرق مدنهم وتشردهم وهذا لا يُزعج الكويت أيضا. فهذه حواضن البعث القومي الصدامي التي لم تتمرد على النظام العراقي السابق.

الأمير الشاب محمد بن سلمان رأى أن السعودية انشغلت بصدام حسين كثيرا، بينما تجاهلت التوسع الإيراني في دول مجلس التعاون نفسها وتفرقت الكلمة. وبسبب الفراغ دخلت تركيا على الخط في مشروع الإخوان ثم ظهر داعش. كادت إيران أن تخطف حليف السعودية التاريخي لولا نشاط وزير الخارجية القوي عادل الجبير لاستعادة واشنطن في قمة الرياض التاريخية.

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يضخ دماء جديدة من الشباب في المراكز المهمة للدولة للحاق بما فات. فقد كانت الدولة تبني أسوارا حول نفسها لحماية الحدود من إيران والقاعدة وداعش، في وقت كان على السعودية الانقضاض نحو محيطها بقبضة من حديد. المملكة دولة مركزية ذات ثقل وجاذبية عربية وإسلامية.

المشكلة إذا لا تتحرك السعودية علنا يظن الناس أنها موافقة على سياسة قطر فهي دولة خليجية حليفة في مجلس التعاون، ويظن الناس أنها موافقة على تقارب دول مجلس التعاون السياسي مع طهران. بل صارت الدوحة وقناة الجزيرة تروجان إلى أن داعش فكرة وهابية سعودية أصيلة. وأصبح الإخوان يقودون انشقاقا بين المؤسسة السياسية والمؤسسة الدينية في السعودية تمهيدا لتدمير المملكة وتمزيقها.

الأمير محمد بن سلمان أخذ وزارة الدفاع وقاد حرب اليمن لإنقاذ الملاحة البحرية السعودية وباب المندب من قبضة طهران. كان الحرس الوطني قد تأسس قديما على فكرة حماية الدولة من أي تمرد أو انقلاب داخلي، ووزارة الداخلية مهتمة بحماية البلاد من المتطرفين والمجرمين، لكن الأمير محمد بن سلمان رأى أن هذا لا يكفي وأن الجيش السعودي يجب أن يهاجم خارجيا أيضا لتأكيد ثقل المملكة ومركزيتها في المنطقة.

سياسة التقوقع والبحث عن حماية انتهت، والمملكة تغيرت وصارت مستعدة للمواجهة. لقد خسرت المملكة بعض النقاط بسبب سياسة الانتظار السابقة. تم في تلك السنوات السود هدم مدن سنية وتشريد أهلها على يد إيران. كانت المملكة في حيرة بين حماية الحدود أو عبور الحدود نحو العدو. مجلس التعاون لم يعد كما كان، تركيا وإيران قد اخترقتاه وعلى السعودية إعادة ترتيبه والبحث عن تحالفات إضافية.

سياسة الفراغ والانسحاب ضررها أكبر من نفعها. ماذا تمثل ظاهرة داعش فلسفيا؟ إنها تمثل التردد السعودي. لا تستسلم لأطماع إيران فلا يمكن تسليمها مقدرات العرب ومفاتيح المنطقة، ولا تدافع عن مصالح حلفائها في المنطقة.

تركت إيران ترتكب المجازر في العراق منذ عام 2003 وحتى اليوم. كان رد السعودية على ذلك هو الاتفاق مع شركة أوروبية عسكرية بالمليارات من الدولارات لبناء حاجز حدودي مع العراق، وتطوير نظام إلكتروني للقبض على شاب سعودي متحمس إذا عبر الحدود للقتال ضد المشروع الصفوي.

وهكذا تراكمت مظالم السنة دون موقف عربي يوازن قبضة طهران. ثم أن إيران تلتزم بحماية حلفائها، مثلا تبنيها لحسن نصرالله منذ المراهقة وها هو كهل علاه المشيب ومازال تحت رعايتها. بينما العرب يلعبون بنفس سياسي قصير وتقلبات كثيرة تجعل من التحالفات كلها قلقة.

كان لا بد من انفجار فكان داعش. صحيح مهدت قطر وتركيا لظهور داعش وهناك فائدة سياسية لإيران والنظام السوري من داعش، لكن المسألة الأساسية كانت “التردد السعودي”. هذا “التردد” هو ما ثار عليه الأمير محمد بن سلمان مؤخرا.

الأعداء يصورونه متهورا. يريدون سعودية نائمة بانتظار الذبح السياسي. إيران في نظرهم داهية وليست متهورة حين تفكر بتهجير شعوب سنية بأكملها وتقود مشاريع ديموغرافية، ويتجول الجنرال قاسم سليماني في ضواحي مدننا المحترقة ويسير على رمادها، وليست متهورة حين تسيطر على أربع عواصم عربية بل صارت خمسا بعد انضمام الدوحة. في النهاية داعش هو الفراغ الذي تركه العرب لإيران. الطبيعة لا تقبل الفراغ ودائما هناك ما هو أسوأ في حال لم تتحرك الرياض.

الموضوع حاليا غير مطمئن. فقطر تستفز السعودية. تتعمد استفزاز المملكة. يقول القطريون نحن نسكن في فلل فارهة وأنتم السعوديون في شقق مزدحمة. رواتبنا 40 ألف ريال شهريا وليس عندنا قطري عاطل عن العمل أو فجر نفسه في عملية إرهابية بينما رواتبكم 4 آلاف ريال إذا وجدتم عملا. لا يوجد قطري يبيع جواله في إنستغرام كما يفعل بعض السعوديين. ويفسرون الخلاف مع السعودية على أنه “حسد عيشة” وحقد طبقي. يقولون لهم أنتم تحسدوننا على الرفاه الذي نحن فيه. ويدعي القطريون أنهم ينفقون زكاتهم في المملكة، وإن القطري الذي عنده أقارب في المملكة مضطر لأن يرسل لهم مساعدة شهرية لأن رواتبهم لا تكفي. شيء من هذا الكلام كان سائدا بين الكويتيين والعراقيين قبل الغزو ونحن نعرف النتيجة.

المملكة أعقل وأذكى من صدام حسين، وها هي ترد على الاستفزاز بطريقة لم تكن تتصورها قطر.

كاتب عراقي

8