انتفاضة نسائية في مصر ضد "ذكورية" منصة القضاء

الأحد 2016/09/04
مرفق القضاء العادل دون نساء في المنصة

القاهرة – أمام رفض بعض الجهات في مصر لتعيين المرأة قاضية بدعوى أنها "غير مؤهلة للمنصب"، انطلقت حملات نسائية من منظمات حقوق المرأة وأخرى سياسية وقانونية، لحشد الرأي العام من أجل القضاء على استئثار الرجال بالمناصب المهمة في كلّ من مجلس الدولة والنيابة العامة.

وأعاد مشهد ضغوط منظمات نسائية لتمكين المرأة في العمل القضائي أخيرا، ما حدث في عام 1949، عندما رفض مجلس الدولة طلب تعيين عائشة راتب بالمجلس بدعوى أنها "أنثى"، ما دفعها لرفع دعوى قضائية، لكن الحكم لم يأت لصالحها. ومنذ خمسينات القرن الماضي، لم تيأس المصريات من المطالبة بحق العمل كقاضيات، حتى رضخ أحمد الزند وزير العدل السابق أمام ضغوط المنظمات النسائية والحملات الإعلامية وقرر تعيين 26 قاضية لكن في محاكم ومناصب محددة، بعيدة عن مجلس الدولة أو النيابة العامة، ما أثار الغضب حول وجود شبهات تمييز تعارض المساواة المنصوص عليها في الدستور المصري.

ما أعاد الجدل مجددًا خلال الأيام الماضية، أن مجلس الدولة (الجهة المنوط بها النظر في القوانين) رفض طلب أمنية طاهر الحاصلة على المركز الأول بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، بالعمل في خطة قاضية. والمثير أن المحكمة استندت في رفضها إلى نفس الأســباب التي ساقتها المحكمة عام 1949.

وهذا يعني أن محاكم مجلس الدولة الحالي مازالت تتعامل بنفس منطق وطريقة تعاملها قبل 67 عامًا، الأمر الذي دفع أمنية الحاصلة على المركز الأول إلى تحرير محضر بقسم الشرطة لإثبات الحالة، بعدما أُبلغت أن طلبها “يخالف تقاليد المجتمع المصري".

ومع تعدد حالات الرفض، دخلت الراغبات للعمل قاضيات في تحدٍّ مع القضاء، وقمن بتدشين حملة "هي والمنصّة"، وتبنت العديد من المنظمات النسائية الحملة في محاولة لتوسيع نطاق الضغط على وزارة العدل لقبول المرأة في العمل القضائي، دون استثناء لمنصة بعينها.

وقالت ندا جادالله، خريج كلية الحقوق جامعة عين شمس، بعدما قوبل طلب تعيينها في مجلس الدولة بالرفض لأنها “امرأة”، إنها سوف تلجأ لرفع دعوى قضائية جديدة. وأضافت لـ”العرب” أنها “ستنتظر حتى يتم تعيين المتقدمين من الذكور، وستخطو بشكل جاد نحو المطالبة بحقها الدستوري ولن تتنازل عنه”.

الفريق الرافض لعمل المرأة قاضية يعتمد على فتاوى تحرّم أن تتولى المرأة هذا المنصب، بدعوى أنه عمل لا يناسب طبيعة النساء، فضلا عن كونها عاطفية بالأساس
وقالت حملة “هي والمنصة”، ومعها العديد من المنظمات النسائية المعنية بحقوق المرأة، في بيان صحافي الاثنين الماضي، إنه “لا تراجع عن تعيين المرأة قاضية في كل المحاكم، فضلا عن ترقية القاضيات اللاتي تم تعيينهن في المحاكم الابتدائية والجنائية، ومساواتهن بالرجال".

وما يعزز موقف مؤسسي هذه الحملات، أنها تستند للدستور والاتفاقيات الدولية التي أبرمتها مصر ضد التمييز في العمل القضائي المعروفة بالسيداو، فالدستور يمثّل ضغطًا على المحاكم للتراجع عن موقفها الجامد في هذا الملف، لا سيما أن الحكومة تسعى جاهدة في الوقت الحالي، لتخفيف نبرة الهجوم الغربي، خاصة من قبل المنظمات الحقوقية، ولتأكيد “أن التمييز غير موجود في مصر".

وقالت مُزن حسن، رئيس مؤسسة نظرة للدراسات النسائية، وهي واحدة من المنظمات المشاركة في حملة “هي والمنصة”، إن المرأة المصرية ما زالت تصارع مجتمعا يتسم بالذكورية لتأخذ مكانًا هو في الأساس حقها الدستوري.

وأشارت لـ”العرب” إلى أن الحملة تهدف إلى دعم ومساندة الشابتين أمنية طاهر، وندا جادالله، اللتين رفعتا دعوتين قضائيتين ضد مجلس الدولة، بعدما رفض ترشحهما لمنصب القاضية، وسوف تتخذ خطوات جادة خلال المرحلة المقبلة.

كانت أزمة رفض مجلس الدولة تعيين المرأة اشتدت عام 2003، عقب تعيين المستشارة تهاني الجبالي أول قاضية في مصر، ونائبًا لرئيس المحكمة الدستورية العليا، والسؤال الذي يدور في أذهان كثيرين، كيف لأعلى محكمة بالبلاد توافق على تعيين امرأة، بينما ترفض محاكم مجلس الدولة نفس الأمر؟

ولا تجد تهاني الجبالى، التي تركت المحكمة قبل عامين، تفسيرًا لهذا التناقض، وقالت في تصريحات لـ"العرب"، "هذا تعنّت واضح وصارخ، ولا بد أن يخرج عن نطاق وجهة النظر الشخصية، لأنّ الدستور يلزم جميع الجهات القضائية بنص صريح بتعيين المرأة فيها".

ونوّهت إلى أن مجلس الدولة والنيابة العامة هما الجهتان الوحيدتان اللتان تمتنعان عن تطبيق النص الدستوري، بشأن تعيين المرأة في كل منهما. وأكدت دعمها الكامل لحملة “هي والمنصة”، وستطالب بتفعيل قانون السلطة القضائية الذي تجمّد لمدة 45 عامًا ولم يتم تفعيله إلا حينما تم تعيينها في المحكمة الدستورية، مؤكدة أنه يلزم بتعيين 25 بالمئة من المشتغلين والمشتغلات في المحاماة من نسبة المتقدمين لشغل المناصب القضائية سنويًا.

ويعتمد الفريق الرافض لعمل المرأة قاضية، من المجتمع على فتاوى تحرّم أن تتولى المرأة هذا المنصب، بدعوى أنه عمل لا يناسب طبيعة النساء، فضلا عن كونها عاطفية بالأساس، ولن تكون قادرة على الحكم بعدل في قضايا جنائية.

ووصفت ميرفت التلاوي، رئيس المجلس القومي للمرأة سابقًا، هذه الحجج بأنها “رجعية”، واستنكرت في تصريحات لـ”العرب” أن تكون مصر متأخّرة في تعيين المرأة قاضية بكل الجهات القضائية دون استثناء، وأن تصبح العنصرية فيها واضحة ضد المرأة بهذا الشكل.

كاتبة من مصر

20