انتصار طالبان ليس نهاية القصة الأفغانية

سيناريو التقسيم يلاحق أفغانستان والأفغان لا يثقون بالحركة المتشددة.
الجمعة 2021/08/20
درب التشدد لا يتوقف

لا يبدو أن سيناريو التقسيم بعيد عن أفغانستان على الرغم من محاولة حركة طالبان المتشددة الإيحاء بأنها “تحكم البلاد بلا مقاومة”، لكن التفاعلات الإقليمية والدولية مع الأزمة الحالية قد تبقي الباب مفتوحا مجددا لبداية مرحلة جديدة من الحرب الأهلية في البلاد.

كابول - ما كان يخشاه الجميع في أفغانستان قبل أسابيع قليلة، بات اليوم حقيقة بعد أن وقعت البلاد أسيرة تحت حكم حركة طالبان المتشددة وسط حالة من الغموض تسيطر على الوضع الأفغاني بصفة عامة.

وعلى الرغم من محاولات الحركة الترويج لخطاب “الاعتدال”، وأنها “تغيرت” إلا أن سجلها الدموي القديم والجديد لا يمكن محوه أمام ما تعيشه المدن الأفغانية.

يحتفظ الأفغان ولاسيما النساء والأقليات الدينية بذكرى نظام متطرف فرضته طالبان لدى توليها السلطة في أفغانستان بين عامي 1996 و2001، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الضحايا جراء تمردها الدامي في العقدين التاليين.

ولا ينظر إلى التطورات في المشهد الأفغاني على أنها تنحصر فقط في سيطرة طالبان على مفاصل الدولة وفرض رؤيتها المتشددة، لكن الأمر أبعد من ذلك بكثير خاصة مع وجود سيناريوهات لتقسيم البلاد نفسها بسبب التفاعلات الإقليمية والتدخلات من دول الجوار الأفغاني.

فصل دموي

مايكل روبين: استعدوا للمرحلة التالية من الحرب الأهلية الأفغانية

يقول مايكل روبين، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في تقرير نشرته مجلة “ناشيونال إنترست” الأميركية، إن “طالبان قد تعلن انتصارها اليوم، لكنها بالنسبة إلى أفغانستان لا تمثل نهاية القتال أكثر من كونها فصلا في تاريخ دموي”.

ويضيف روبين “استعدوا للمرحلة التالية في الحرب الأهلية الأفغانية”.

ويوضح أن انتصار طالبان ليس نهاية القصة. وقال إن “شعور الحركة بالزهو من هذا الانتصار ليس مقياسا لشعبيتها قدر كونه نتيجة لدعمها من جانب باكستان، فنادرا ما يقاتل الأفغان حتى الموت، بل يجنحون بدلا من ذلك إلى الجانب الأقوى”.

ويرى الكاتب الأميركي أن إظهار الرئيس جو بايدن للضعف والقسوة في آن واحد كانت عبارة عن هدية لقادة طالبان الذين يسعون إلى إقناع حكام الولايات عن السلطة مقابل النجاة بأرواحهم.

ولم تتوان باكستان وإيران وروسيا والصين وتركيا وغيرها من البلدان المجاورة وغير المجاورة من التدخل في الشأن الأفغاني لما له من تأثير مباشر سواء في قضية اللجوء وفرار الأفغان من جحيم طالبان، أو محاولة لفرملة التهديدات الأمنية والإرهابية المحتملة من سيطرة الحركة المتشددة على مقاليد الحكم في البلد الغارق في الفوضى.

ويوضح روبين أنه زار الإمارة الإسلامية لطالبان في مارس العام 2000، حيث كانت طالبان تسيطر على 90 في المئة من البلاد. وقال “قدت السيارة عبر ممر خيبر من بيشاور الباكستانية، ثم زرت جلال أباد وكابول وغزنة وقندهار. وفي كل مدينة، قال الأفغان إن الأمن الذي وعدت به طالبان عندما وصلت الحركة في البداية اختفى بسرعة عندما بدأت طالبان نفسها تفترس الشعب”.

سيناريوهات محتملة

Thumbnail

يرى الباحث مايكل روبين أن “كل دولة من الدول المجاورة لأفغانستان باستثناء باكستان تخشى طالبان”، حيث يتوقع أن يرعى كل منها خلال الأسابيع القليلة القادمة الميليشيات وأمراء الحرب الذين سيحاولون الاستيلاء على الأراضي على طول الحدود لتكون بمثابة حاجز. ومن المؤكد أن روسيا ستساعد الجمهوريات السوفييتية السابقة المتاخمة لأفغانستان، لأن روسيا تخشى التطرف بين سكانها المسلمين المتزايدين.

ويتوقع أن طالبان التي اعتمدت على الزخم أكثر من براعتها العسكرية، قد تفقد قريبا بعض الولايات الطرفية. فولاية هيرات على سبيل المثال، فارسية الثقافة، وفي الواقع، كانت جزءا من إيران. وإذا بذلت إيران جهودا متضافرة لوضع أحد من يعملون بالوكالة لحسابها في السلطة هناك، فمن المرجح أن تنجح. كما يمكنها تأكيد سيطرتها على فراه ونيمروز، وهما ولايتان تتقاسمان معها حدودا. وينطبق الشيء نفسه على منطقة بدخشان في شمال شرق أفغانستان المتاخمة لطاجيكستان.

كما يرى أن “نشاط الدول المجاورة لأفغانستان ورعايتها لوكلاء جدد، قد يستغرق عاما أو عامين من القتال منخفض الشدة مع طالبان قبل أن تؤسس مناطق نفوذها الخاصة وتقسم أفغانستان مرة أخرى كما كانت خلال فترة الحرب الأهلية في التسعينات”.

وظهر على السطح فور استيلاء حركة طالبان على كابول بوادر وجود مقاومة مختلفة للحركة المتشددة وتهديدات مباشرة لحكمها، وهذا الأمر قد يبقي الصراع مفتوحا على كافة الاحتمالات خاصة مع التعدد العرقي والقبلي الموجود في البلاد، وأن هناك من المسؤولين في الحكومة السابقة لم يقبل بالهزيمة الأخيرة وانتصار طالبان.

الثقة الغائبة

تناقض تام بين ممارسات حركة طالبان المتشددة على الأرض وما تقوله في المؤتمرات الصحافية
تناقض تام بين ممارسات حركة طالبان المتشددة على الأرض وما تقوله في المؤتمرات الصحافية

تبقى معضلة أساسية في طريق طالبان لتثبيت حكمها على خلاف بروز ميليشيات وجماعات رافضة لهذا الحكم، وهو عدم الثقة المطلقة بالحركة من قبل الأفغان أنفسهم لما عانوه طوال السنوات الماضية من جرائم الحركة نفسها. ولا تزال ذكرى الفظائع التي ارتكبتها الحركة استنادا إلى تفسيرها الصارم جدا للشريعة الإسلامية شاخصة في الأذهان.

ومنعت حركة طالبان كل وسائل الترفيه من موسيقى وتلفزيون وعمدت إلى قطع يد السارق وإعدام القتلة في الساحات العامة، ومنعت النساء من العمل والفتيات من متابعة الدراسة، فيما كانت اللواتي يتهمن بالزنا يتعرضن للجلد والرجم حتى الموت.

ونددت الأسرة الدولية برمتها بإقدام مقاتلي الحركة على قتل مدنيين لاسيما من الشيعة الذين بقوا هدفا رئيسيا لاعتداءات الحركة حتى بعد العام 2001.

وعلى غرار ما فعلت هذا الأسبوع، كانت حركة طالبان قد وعدت بعفو عام لدى دخولها كابول العام 1996. وقال يومها مؤسس الحركة الملا عمر لسكان العاصمة، “نحن لا نؤمن بأي شكل من أشكال الانتقام”. لكن بعد يومين على ذلك أعدمت الحركة الرئيس السابق نجيب الله وعلقت جثته على عمود إنارة.

وفيما يحاول مسؤولو طالبان الذين يطلون على الإعلام إظهار وجه معتدل، يتهم مقاتلوهم في بعض مناطق البلاد بمواصلة تعقب الصحافيين ومنع النساء من دخول الجامعات.

وفي كابول خربت ملصقات تظهر نساء على واجهات متاجر. وفي المناطق الريفية والمدن الأصغر يعامل المقاتلون السكان بوحشية.

البحث عن هدف جديد
البحث عن هدف جديد

وتقول باشتانا دزوراني التي تدير منظمة غير حكومية تعنى بتعليم النساء في قندهار (جنوب) في مقابلة مع محطة “تشانيل 4” البريطانية “باتوا أفضل في العلاقات العامة الآن (..) فهم يتكلمون الإنجليزية ويتوجهون إلى وسائل الإعلام الدولية”.

وتضيف “ما يقولونه في المؤتمرات الصحافية وما يقومون به على الأرض.. أمران مختلفان”.

وعلى الرغم من الحملة المستمرة منذ أشهر لاستمالة الأسرة الدولية وطمأنة الأفغان، لم تنجح الحركة حتى الآن في مسعاها. وحاول عشرات آلاف من الأفغان المذعورين الفرار من البلاد منذ الأحد الماضي وتهافتوا على مطار كابول في مشاهد من اليأس المطلق.

وتتجنب النساء الخروج إلى الشوارع، فيما يخشى الصحافيون والأشخاص الذين عملوا لمنظمات دولية وتعذر عليهم المغادرة، احتمال أن يقعوا ضحية عمليات انتقامية.

وبدرت عن الصين وروسيا وتركيا وإيران مؤشرات انفتاح على حركة طالبان، لكن أحدا لم يعترف بها حتى الآن.

وحذر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون من أن العالم سيحكم على حركة طالبان “من خلال الأفعال وليس الأقوال” وهو موقف يتشاركه مع ألمانيا والولايات المتحدة وفرنسا.

 
6