انتخابات تهددها منصات التواصل الاجتماعي

لا شك أن العام 2019 سيكون عاما مفصليا لاسيما على صعيد أوروبا بشكل خاص.
متغيرات عديدة ستغير واقع ومستقبل هذه القارة، وتلك ليست تنبؤات عراف أو منجّم وإنما هي وقائع قائمة في أجندة العديد من البلدان الأوروبية.
ولعل المتغير الأهم في كل ذلك هو التحضير لانتخابات فاصلة أولا على صعيد المفوضية الأوروبية التي تقود تجمع الـ27 دولة وثانيا التحضير لانتخابات فاصلة ومهمة ستجرى في ثمانية بلدان اوروبية من بينها بلجيكا والدنمارك واليونان وبولندا والبرتغال وبلدان أخرى.
وبالطبع فإن قلق هذه الدول وقلق الأوروبيين بشكل عام يكمن في احتمالات صعود اليمين الشعبوي المتطرف الذي صار يزحف بالتدريج إلى العديد من البرلمانات الأوروبية والخوف من زحفه إلى البرلمان الأوروبي ذاته. في وسط كل هذا انطلقت تحذيرات غير مسبوقة مما يمكن أن تفعله وسائل التواصل الاجتماعي في التلاعب بالرأي العام وحرف القرارات والتصورات عن مسارها الصحيح.
صارت منصات التواصل الاجتماعي قوة واقعية تهدد ترسانة السياسة والسياسيين ففي أي زمن نعيش؟
إنه زمن الإذعان لقوة الجماهير والرأي العام ولكن ليست قوة الجماهير الصاخبة التي تنزل إلى الشارع بل تلك المتمترسة خلف الشاشات المضاءة من أجهزة كومبيوتر وهواتف نقالة وأجهزة لوحية والتي يخشى عليها من التشويش على خياراتها الصحيحة.
لا شك أن قصة التغلغل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية وفي النتيجة النهائية لاستفتاء 2016 بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هما الحدثان الأبرز، اللذان تثار حولهما شكوك وأحيانا اتهامات بتدخل وسائل التواصل الاجتماعي بشكل حرّف وضلل قناعات الرأي العام.
الشكوى المتواصلة من وجود مئات الآلاف أو الملايين من الصفحات المزيفة تثبت ضخامة التضليل والتأثير في الرأي العام.
لهذا لم يكن مستغربا دعوة المفوضية الأوروبية الشركات العملاقة مثل غوغل وفيسبوك وتويتر إلى بذل المزيد لمكافحة الأخبار الكاذبة مع اتجاه الأوروبيين نحو إجراء انتخابات وإلا ستواجه هذه الشركات عقوبات رادعة.
فيسبوك مثلا تلاحقها اتهامات لا تنتهي بتفشي الأخبار الكاذبة في صفحاتها مما يثير قلقا عالميا وأوروبيا.
ولعل جني المزيد من الأرباح جعل هذه المنصة العالمية العملاقة تتغاضى عن الكثير من الاعتبارات خشية فقدانها جمهورا تريد أن تستثمر فيه بشكل أو بآخر وعلى الأقل في شراء المساحات الإعلانية.
لكن الضغوطات العالمية المتواصلة دفع منصة فيسبوك إلى اتخاذ تدابير عاجلة خوفا من عقوبات قاسية متوقعة ولهذا اتجه فيسبوك إلى إنشاء ما يعرف بغرفة الحرب بحسب ما تناقلته وسائل الإعلام.
وبحسب ما أعلن عنه أيضا فإنه في شهر مارس المقبل، سيطلق فيسبوك أدوات جديدة لمنع أي محاولات للتدخل في انتخابات البرلمان الأوروبي المزمع إجراؤها في مايو 2019. وأوضح فيسبوك أن أكثر من 30 ألف شخص يعملون على السلامة والأمن في الشركة، وهذا الرقم يعادل ثلاثة أضعاف الرقم المسجل في عام 2017.
وقال عملاق التواصل الاجتماعي فيسبوك في تقرير منشور له إنه سوف يعزز أدوات الشفافية وموارده المخصصة لإزالة الحسابات المزيفة والقضاء على التضليل في الحملات السياسية.
هذا الواقع الجديد وغير المسبوق إنما يدفع باتجاه إعادة قراءة الواقع السياسي والاجتماعي في ضوء المعطيات الرقمية السائدة والمتمثلة في المساحة الهائلة التي تتحرك من خلالها منصات التواصل الاجتماعي وقدرتها على التغلغل في الرأي العام بل وحتى في مساراته.
لا شك أننا أمام أدوات للذكاء الاصطناعي هي أكثر تفوقا وتجاوزا لكليشيهات الرقابة السائدة إذ أنها تتمدد في جميع الاتجاهات وبإمكانها أن تفرض أجندتها وتوجهاتها من خلال منصات التواصل الاجتماعي مهما قيل عن اتخاذ إجراءات وقائية إذ ستبقى هذه المنصات مصدر تهديد للإرادة السياسية وللرأي العام وخاصة في أشد الأوقات ضراوة ألا وهي مرحلة ما قبل الانتخابات.