انتخابات النقابات تسد فراغ غياب المحليات في الأقاليم المصرية

جاءت الانتخابات النقابية لتعوض الفراغ الكبير الذي خلفته الانتخابات المحلية المتوقفة منذ أكثر من عقد، لكنها وفق ما يؤكده البعض من أهل القطاع كشفت عن انتخابات مسيسة لا تتيح الفرص لأصحاب الكفاءات رغم مساعي الحكومة لأن تحظى الانتخابات المهنية بقدر كبير من الشفافية تزامنا مع غياب الإخوان عن الساحة السياسية.
القاهرة - عادت انتخابات النقابات لتشكل أحد المنافذ السياسية لنخب وكوادر مهنية في محافظات وأقاليم مصر في ظل غياب انتخابات المحليات التي لم تنعقد منذ 14 عاما، وهو ما شجع بعض الشخصيات المهنية للترشح بحثا عن دور يبرز إمكانياتها ويجعلها حاضرة في العمل العام، وظهر ذلك في كثافة المرشحين والناخبين في انتخابات نقابة المهندسين الفرعية التي عقدت قبل أيام.
شارك في الجولة الأولى الجمعة 1750 مرشحا على كافة المناصب الفرعية التي شهدت منافسة ساخنة على منصب رئيس النقابة الفرعية من بين 160 مرشحا في 24 محافظة، ولم يتم حسم نتيجة هذه الجولة في نصف المحافظات تقريبا، ما يشير إلى طبيعة المنافسة.
ومن المقرر أن تُجرى المرحلة الثانية الجمعة المقبل على مقعد النقيب العام والأعضاء المكملين، وعلى مستوى جولة الإعادة بين رؤساء النقابات الفرعية، على أن تكون الجولة الثالثة من الانتخابات في الحادي عشر من مارس وتشمل الإعادة على منصب النقيب، حال عدم حصول أحد المرشحين على الأغلبية المطلقة من عدد الأصوات الصحيحة للحاضرين.

حماد عبدالله: هناك ملامح تسييس للانتخابات في نقابة المهندسين
وتعبر المشاركة في انتخابات نقابتي الأطباء والمحامين، وأخيرا المهندسين على مستوى المحافظات، عن وجود اهتمام سياسي من جانب كوادر الأقاليم التي تبحث عن فرصة للظهور بعد أن ظلت سنوات طويلة رهينة لتعيينات حكومية في المناصب المحلية التي لها علاقة مباشرة باهتمامات الأقاليم.
ولا يعني الاهتمام بانتخابات النقابات المهنية عدم الاكتراث بنظيرتيها البرلمانية والرئاسية، حيث تمثلان قلب العمل السياسي في مصر، وهو ما يجعل ما يجري بشأن النقابات أقرب للبروفة لما سوف تكون عليه البرلمانية والرئاسية بعد نحو عامين.
وبالنظر إلى طبيعة ما دار في الجولة الأولى من انتخابات نقابة المهندسين فإن الحضور الفاعل كان على مستوى الأقاليم التي شهدت حراكا على مدار الأسابيع الماضية بين المرشحين داخل النوادي الفرعية التي تحولت إلى مقرات دعائية.
وأخفقت توجهات الحكومة في تعيين كوادر شبابية في مناصب نواب المحافظين وتشكيل عدد من المجالس والائتلافات المعينة في سد فراغ غياب المحليات وتحقيق أهداف سياسية بالنسبة إلى عائلات وتكتلات شعبية اعتادت أن تكون في إحدى دوائر السلطة، ما أدى لظهور أدوات حشد في الانتخابات الفرعية الأخيرة لنقابة المهندسين في حين أن أدوار المرشحين تقتصر على الجوانب المهنية الخاصة بالأعضاء.
وقال رئيس المكتب الفني لنقابة المهندسين حماد عبدالله إن الانتخابات سيطرت عليها عمليات توجيه الناخبين نحو صناديق الاقتراع، وأن بعض الأجهزة والشركات الحكومية تولت عملية نقل الناخبين إلى صناديق الاقتراع في القاهرة والمحافظات، وهي محاولة تشير إلى وجود ملامح تسييس للعملية الانتخابية في النقابة المهنية.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن المنافسة في الانتخابات تأخذ طابعا شبيها بما جرى في انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب اللذين اقتصرت المنافسة فيهما على نظام القوائم، وانعدمت تقريبا الفرصة لاختيار الأفراد حسب كفاءاتهم في تحقيق مصالح وأهداف الأعضاء على المستوى المهني، في حين أن النقابة التي ينتمي إليها 850 ألف مهندس بحاجة للمزيد من التطور على مستوى الخدمات التي تقدمها.
وتنحصر المنافسة المحتدمة بين قائمة “مهندسون في حب مصر” برئاسة هاني ضاحي النقيب المنتهية ولايته وقائمة “نقابيون من أجل المهندس” برئاسة طارق النبراوي نقيب المهندسين السابق الذي خاض الانتخابات الماضية متحالفا مع حزب تيار الكرامة (معارض) والحزب الناصري وأحزاب محسوبة على المعارضة.
الاعتماد على النقابات يقود للمزيد من الفراغ السياسي، لأنها تفتقد لنخب قادرة على التعامل مع مشكلات المواطنين
وبخلاف الانتخابات السابقة التي جرت منذ أربعة أعوام وكانت شاهدة على منافسة سياسية بين تيار محسوب على الحكومة تمكن من حسم الانتخابات لصالحه، وآخر معارض، فإن الانتخابات الحالية تشهد منافسة بين أكثر من قائمتين، جميعها تدور في فلك الحكومة، وخف الحديث حول الخلفيات السياسية والتأكيد على وجود دعم شخصيات نافذة داخل الحكومة تستهدف السيطرة على كافة المقاعد.
ويرى مراقبون أن الإطار العام الذي تسير في فلكه النقابات المهنية عبر التركيز على القضايا ذات الاهتمام المباشر بمصالح أعضاء النقابة بعيد عن الأدوار السياسية التي هيمنت عليها في سنوات سابقة كانت جماعة الإخوان تمارس سيطرة على غالبية النقابات المهنية.
وأدى غياب الإخوان عن الساحة السياسية إلى رغبة حكومية في أن تحظى الانتخابات المهنية بقدر كبير من الشفافية على مستوى الأقاليم التي تشكل متنفسا إيجابيا يحرك مياه العمل العام في ظل عدم معرفة مصير الانتخابات المحلية حتى الآن.
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان في جنوب القاهرة جهاد عودة إن توجه الحكومة نحو تعطيل انتخابات المحليات يقود للمزيد من الخلط في أدوار النقابات السياسية، وأن مساعيها السابقة لإخراج النقابة من فلك التأثيرات السياسية لتنظيم الإخوان تبددها حالة الفراغ الحالية نتيجة قناعتها بأن تجربة الأحزاب مع النقابات لا يجب أن تظل قائمة وتصبح إحدى السبل المواتية للمنافسة على السلطة.

جهاد عودة: تعطيل انتخابات المحليات يخلط أدوار النقابات السياسية
وأثارت مشاركة “تنسيقية شباب الأحزاب” التي تضم عددا من كوادر الأحزاب السياسية والمستقلين والقريبة من دوائر حكومية، بمرشحين لها على قوائم انتخابات نقابة المهندسين رفضا من جانب البعض من السياسيين الذين اعتبروا خطوتها خطأ استراتيجيا يشي بأنها لا تجيد التفرقة بين العمل النقابي والعمل الحزبي.
وكشفت التنسيقية عن مشاركتها بخمسة من أعضائها في انتخابات النقابة العامة للمهندسين ضمن قائمة “مهندسون في حب مصر”، وتسعى لـ”تقديم نموذج جديد بفكر مختلف وبرنامج يهدف إلى الإخلاص والتفاني والعمل على رفعة الوطن”.
وأوضح عودة في تصريح لـ”العرب” أن هناك فوارق عديدة بين نخب المحليات والنخب المهنية، وانتخابات النقابات لا يصعب أن تكون بديلا للمحليات التي تنطوي المنافسة فيها على أبعاد سياسية وأمنية منفصلة عن العمل الخدمي، ومن يجيد التعامل مع الأزمات المتفاقمة على مستويات اقتصادية واجتماعية قد لا يجيد التعامل مع أعضاء النقابات الذين تتشكل غالبيتهم من مستوى علمي واحد.
ويقود اعتماد دوائر حكومية على النقابات لتحقيق أهداف سياسية في الأقاليم للمزيد من الفراغ السياسي، لأنها تفتقد لخلق نخب قادرة على التعامل مع مشكلات المواطنين في دون وجود عوامل تساعد على التنقيب عن الكوادر السياسية التي تخدم العمل العام.
وتسبب تعطيل انتخابات المحليات في اختيار كوادر غير مؤهلة لشغل المناصب المحلية، وأن المشكلات التي تواجهها تجربة تعيين نواب محافظين شباب أثبتت عدم وجود آليات واضحة تعتمد عليها الحكومة لتنشئة جيل جديد من القيادات السياسية والإدارية، لذلك جاءت بقيادات ليس لديها ارتباط كبير بما يجري على الأرض.